7 _ حوار مع العمة

791 25 0
                                    

استلقت كارولين على مقعد في الشرفة ممسكة بقلم بين اصابعها واستقر على ركبتها دفتر لكتابة الرسائل, بينما كان الطفل فيتو يلهو تحت ظل شجرة كبيرة بالدمى التي اشتراها دومنيكو
ومنذ ليلة الحفلة وهي لا تكاد ترى دومينكو, فالعمل تراكم في غيابه والعبء تضاعف عليه لان فيتو لم يعد له وجود ولكنها كانت تعتقد بان لديه وقت فراغ, يمكن ان يمضيه معها
كان يقوم بزيارات خاطفة الى منزله كل يوم ليستحم ويبدل ملابسه ثم الى الخارج, كان يبكر في الخروج, كان يبكر في الخروج الى العمل كل صباح قبل ان يستيقظ احد في المنزل ولم يكن يعود حتى الساعات الاولى من صباح اليوم التالي
وفي المرات النادرة التي قابلته فيها اكتفى بالقاء نظرة خاطفة وتحية موجزة دون ان يبدي اي اعتذار عن غيابه
واستبد بالعمة رينا غضب شديد, وارادت ان تعرب له عن احتجاجها على اهماله لاسرته, لكن كارولين اثنتها عن ذلك, فهي ايضا كانت في حاجة الى فسحة من الوقت تحدد فيها موقفها وتقرر كيف تتصرف
كانت واثقة من شيء واحد فقط هو انها يجب ان تهرب بعيدا الى حيث تنعم بالراحة, وحيث يتعذر على دومنيكو الاهتداء اليها
ولكن ينبغي عليها قبل كل شيء ان تعثر على دورندا فلو حدث ذلك لامكنها ان تصارح دومنيكو بالحقيقة وعندئذ يصبح حرا في الذهاب الى كنديدا
وطردت الافكار التي راودتها في تلك الليلة عندما اكتشفت انهما يتبادلان الحب,ومنذ ذلك الحين استسلمت الى قدرها المحتوم وارتضت الحلم الحزين الذي طالما تمنته
وهو انه لا بد ان يجيء اليوم الذي يحبها دومنيكو ويطلب منها البقاء, حتى بعد ان يقف على الحقيقة,لقد احسنت تقمص دورها اكثر مما ينبغي ولا سبيل الى تغيير الراي الذي كونه عنها
خاصة في الوقت الراهن وكنديدا الى جانبه لتواسيه
التقطت دفتر الرسائل وبدات تكتب, كانت الرسالة الاولى موجهة الى السيد ولكنز ترجوه الاستعانة بشخص يقوم بالبحث عن دورندا واوضحت له حاجتها الملحة الى ذلك راجية اياه الا يلتمس اي عذر يثنيه عن البحث عنها
بعثت بالرسالة الثانية الى جين وقد احتاج هذا منها الى مجهود اكبر وتفكير اعمق, ففي المدة التي سبقت زواجها كتبت الى جين رسالة موجزة تبلغها فيها نبا رحيلها المفاجىء من انكلترا دون ان تتطرق الى التفاصيل
ووعدتها بان تكتب اليها بتفصيل اكبر عندما تستقر, لكنها لا تعرف الان من اين تبدا وعما تحدثها, لقد كانت جين على قدر كبير من الذكاء
كما انها لم تكن راغبة في خداعها اذ سئمت ان تستمر في الخداع الذي اضطرت اليه منذ زواجها, وهي لم تكن تنوي ان تكذب على جين
وفي الوقت ذاته لم تكن تستطيع التوسع في رواية هذه القصة القريبة من الخيال دون ان تفضح امر دورندا
وعضت على قلمها وهي تفكر فيما تكتبه وما تتركه, وارضت نفسها بان كتبت رسالة مرحة لا تفضح حقيقة ما تعانيه, ووعدت صديقتها بزيارة في اقرب فرصة لتقص عليها التفاصيل
ووضعت الرسالة في مظروف اغلقته سريعا قبل ان تغير رايها راجية ان تعالج بذلك قلق جين ازاء زواجها المفاجىء من رجل لم تكن قد سمعت به
سمعت وقع خطوات فاستدارت واذا العمة رينا اتيه من الداخل لتجلس معها في الشرفة,كانت تزور احدى صديقاتها وبدا عليها الارهاق, كما هي حالها كلما اتعبت نفسها
وبادرت كارولين الى مساعدتها على الجلوس الى جانبها
وعاتبتها برقة قائلة
_يا عزيزتي ارجو ان تاخذي قسطا من الراحة وتطيعي اوامر الطبيب فانت تبدين مجهدة, اجلسي لتستريحي وسانادي ايمانويل ليحضر لك شرابا منعشا
وقبلت العمة رينا اقتراحها شاكرة وجلست وقالت
_شكرا يا كارولين فما اجمل ذلك, انك تبعثين الطمانينة الى قلبي
ثم امسكت بيد كارولين ورمقتها بنظرة حنان, واغرورقت عينا كارولين بالدمع, ما اسعدها بحب هذه السيدة العجوز
_لماذا ترهقين نفسك يا عمتي رينا؟
_ لماذا لست ادري ,انني ,جد الراحة مستحيلة, وعلي دائما ان افعل شيئا ما او اذهب الى مكان ما
واضافت
_اظن ان السبب هو انني لا استطيع الكف عن التفكير في ابني ,اه لو استطيع ان اعرف ماذا حدث له وكيف لقي حتفه, وفي اي مكان, فلعلي كنت اجد في ذلك بعض الراحة
اتجهت اليها كارولين وامسكت بيدها تضغط عليها في عطف, فقد شعرت بعجزها عن تخفيف الام هذه السيدة كانت هذه المرة الاولى التي تتخلى فيها عن الدرع الذي وضعته حول نفسها تحتمي به كلما ذكر اسم فيتو, ولم تعرف كارولين كيف تتصرف
سالتها برقة
_هل يريحك ان تتحدثي عنه؟
_ لا اظن ان هناك ما يجلب لي الراحة
وبعد فترة صمت بدات العمة تتكلم عنه قائلة
_كان ابننا الوحيد طالما دعونا الله لاان يرزقنا طفلا, فمن من الله علينا به فرحنا به كثيرا واكتملت سعادتنا اخيرا عندما جاء دومنيكو ليعيش معنا, وكان الولدان وسيمين وكنت اشعر بالفخر كلما زارتني امهات الفتيات اللواتي كن يصحبانهما الى الحفلات ويبدين اعجابهن بسلوكهما
وبقيت سنوات طويلة وانا امل ان اراهما ياتيان الي ليخبراني بانهما قد اختارا زوجتيهما,وهو امر كنت اخشاه في الوقت نفسه..
ومضت تقول
_كم كان سيسعدني ان ارى فيتو مع زوجة مثلك يا عزيزتي, ولكن ذلك اصبح مستحيلا الان
جففت عينيها واستطاعت بعد استجماع شجاعتها ان تبتسم وصممت على ان تنفض عنها الكابة التي استولت عليها
سالتها كارولين
_هل كان هناك شبه بينهما؟
_كان الشبه بينهما كبيرا, فهما من آل فيكاري لكنهما كانا على طرف نقيض من حيث المزاج, كان فيتو اكثر تقلبا من دومنيكو الا انني اعتقد احيانا ان وفاة والد دومنيكو ووالدته كانت السبب المباشر في ثابته, كان يحبهما كثيرا وطبيعي انه كان يتذكرهما ويتذكر الاوقات السعيدة التي قضاها معهما بذلنا اقصى ما في وسعنا لنحل محلهما, وهو امر لا اعتقد اننا نجحنا فيه كل النجاح, وحتى الان لا يزال دومنيكو حتى في اسعد لحظات حياته يتحدث بعينيه عن شعوره بفقدان والديه وبعد تردد قليل قالت
_امل يا عزيزتي ان تنجحي انت حيث فشلت انا وان تتمكني من تبديد احزانه الى الابد
واسترعى الطفل فيتو انتباههما عندما سقطت منه احدى لعبه وما ان سمعتا صوته الحزين حتى وثبتا لمساعدته
لم يلحق به ضرر ولكن العمة رينا التي كانت تتلمس الفرص للاهتمام به دون ان تبدو وكانها تدللها, حملته بين ذراعيها وعادت الى مقعدها على الشرفة
كانت كارولين تهم بمصارحة العجوز باحزانها ومخاوفها لكن جرس الباب رن فاسرع اليه ايمانيويل , ثم حدثت جلبة قصيرة اثارت فضولهما فنهضتا لاستجلاء سبب ذلك ووجدتا اكواما من الصناديق وايمانيويل يقوم بصفها في احدى الزوايا مع رجل اخر
وشهقت كارولين عندما عرفت ان ملابسها وصلت من باريس وقالت للعمة رينا وهي تستدير نحوها
_لا بد ان في الامر خطا ما , لانني لم اطلب كل هذه الملابس! ولا بد ان اوضح الامر للحمال
لكن الحمال صمم على رايه قائلا
_ان كل صندوق وارد في الفاتورة وليس ثمة خطا يا سيدتي فكل هذه الطرود لك
نظرت الى الكمية المذهلة من الملابس, كانت قد طلبت ستة فساتين للصباح وثوبين للمساء وبعض الملابس للشاطىء وبعض الملابس الداخلية وغيرها للسهرة,وهذا كله قليل بالنسبة الى الكمية الهائلة التي وصلتها والتي ستضيق بها خزانة ملابسها الضخمة
ثم تذكرت انها غابت فترة عند مصفف الشعر وتركت دومنيكو وبريجيت وحدهما
لا بد انهما تامرا عليها في هذه الفترة, ولا بد ان دومنيكو هو المسؤول عن هذا التبذير
نقل ايمانيويل الصناديق الى غرفتها, وبدات تفتحها وهي تقاوم مشاعرها بينما اخذت العمة رينا تبدي اعجابها في مبتكرات بريجيت
ابقت كارولين صندوقين كبيرين الى النهاية ولما فتحتهما اسعدها ان تجد في احدهما فروا دخاني اللون, وفي الاخر ثوبا من الفرو الابيض الغالي الثمن الذي بدا وكانه مصمم لاحدى الاميرات
وعقدت الدهشة لسان كارولين
وربتت العمة رينا على يدها برقة وضحكت لما راته على وجهها من امارات الذهول والدهشة ثم قالت
_ارى ان هذا هدايا دومنيكو اسعدتك..........
_اه يا عمتي رينا! لا بد انه دفع ثمنا كبيرا لها, فلم ارى في حياتي ملابس بهذا القدر ولا حتى في محلات الازياء, انني اكاد لا اصدق انها لي,متى سارتديها جميعا؟
_ ستتاح لك الفرصة لارتدائها يا طفلتي, كزوجة احد رجال الاعمال البارزين في روما اذ يتحتم عليك ان تقيمي المادب وتقبلي الدعوات, فلا تخافي لن تلبثي ان تسامي هذه الثياب عندما تجدين نفسك في دوامة الحياة الاجتماعية, ومرة اخرى اقول انك مدينة لدومنيكو لانه جعل منك واحدة من اكثر السيدات اناقة
وتبدد جزء من سرورها بالهدايا عندما اشارت العمة رينا دون قصد منها الى سبب تبذير دومينكو, فهو لم يشتر لها هذه الملابس ليدخل السرور الى قلبها بل اشتراها ليزداد اهمية في نظر زملائه من رجال الاعمال وزوجاتهم
فقد كان عليها ان تعزز مركز اسرة فيكاري بما ترتديه من ملابس خرافية ومجوهرات لا تقدر بمال, انها مجرد تمثال تعلق عليه زخارف الثراء اكتسابا لمزيد من الاهمية لدى منافسيه
وعندما انصرفت العمة بدات ترتب ملابسها في الخزانة الفسيحة حتى ملاتها ,وبدلا من ان تغلفها اخذت تتناول الثياب بطريقة عشوائية لمجرد ادخال السعادة الى قلبها, ونسيت انها كانت ترتدي الجينز والقميص عندما قابلت دومنيكو للمرة الاولى وغابت في حلم وهي ترى نفسها مرتدية ثوبا مختلفا في كل مرة يستدير دومنيكو لينظر اليها

في قبضة الاقدارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن