-الفصل الأول-

30 7 16
                                    

غياهبُ الظُلماتِ أكتسحت شوارع لندن التي استنجدت بأضواء الشوراع لتُزيح جُزءً يسيرًا مِنْ ظلام الليل الحالك. القَمرُ غائبٌ الليلة كغيابِ الحياة والبهجة مِنْ قلبهِ، وخلت الطُرقات مِنْ المارة إلا القليل منهم بعدَ اجتياز الوقت للثانية عشر ليلًا.

وَصلَ لحيث دارهِ المتواضع بعدَ أن قضى وقتهُ يتجوله في الشوارع بعد أن عاد رفاقهُ لمنازلهم بلا هدف، ودَلفَهُ بصمتٍ لم يبرح أن يتركهُ طوال الوقت.

أغلق الباب بأحكامٍ وسارَ متثاقلًا نحو أحدى غرف المنزل. فَتحَ بابها وأشعل مصابيحها، وجالَ بناظريهِ أرجاء الغرفة، وغصَّةٌ تَخنقهُ بشدةٍ، ويعجز عن تَحملها.
بيانو يتوسط الغرفة، وكرسيٌ موضوعٌ أمامه. نافذةٌ واسعة أُغلق ستارُها، وأريكة قابعة تحت تِلك اللوحة التي رُسم عليها ذلكَ المكان الذي يجمع ويشهد كافة المشاعر.

كانت تجتاحهُ لحظتها رغبةٌ عارمة لجعل أصابعهُ تتراقص على تِلك الأوتار البيضاء، وحجنرتهُ مُثارة للصدح بصوتهِ مع ألحان النوتات. رغبة كبيرة لتلذذ السوط بجسده.

«يا تُرى هل واجهتَ يومًا عصيبًا مرة أخرى لتجتاحك كُلَّ هذهِ الرغبة؟... أم أن كُلَّ أيامك عصيبة هكذا؟»

دارَ هذا السؤالُ في خُلدهِ كأنهُ يتحدث مع شخصٍ غير نفسهِ، وكانت نهاية حديثه تأكيدًا أكثر مِنْ كونهِ سؤالًا. قهقهَ ساخرًا ولاحت في أعماقِ عينيهِ اللتان انخفضتا نحو الأرض آثار حُزنٍ عميق، فزفرَ بضيقٍ، ثُم أتخذ خطواته نحو البيانو، لِيقطعها فجأة ويُخاطب نفسهُ مستوعبًا الأمر:-

«لقد نسيتُ حقًا، الوقت متأخر بالفعل، سوف أزعج الجيران.»

صَمتَ مُحدقًا بالبيانو قليلًا، ثم ضحكَ ساخرًا وتلفظ كَلماته، والغصَّة بانَ خَنقُها له مع كلماتهِ:-

«لن تنالَ ما تُريد يومًا.. يَجب أن تنام الآن بِكُلِّ هذا الضيق..»

تَبللت عيناهُ بمياهها المالحة قليلًا، وقبلَ أن تنهال قامَ بمسحها، وغادرَ مُسرعًا وطاردًا فكرة ما تَفوهَ به للتو مِنْ رأسه في محاولة فاشلة منه لإزاحة ضيقهِ وما يَخنقه.

سرى نحوَ غرفة نومه، وأرتمى على السرير بثيابهِ. أرتكزت عسليتاه على يدهِ المُتدلية من حافة السرير وأطال النظر إليه وفكرهُ مشغولٌ بتقليب صفحات الماضي الأليم كما يتصور بعضه.

رفعها وتخلل بها خُصُلات شعره الكستنائية، بينما يُغير مِنْ طريقة نومهِ، ليستلقي على ظهرهِ ويوجه بصرهُ نحو السقف.

بَشرتهُ البيضاء تَشربت بالحمرة حِينَ مقاومتهِ لعبراتهِ التي ثارت لتنهال على وجنتيهِ، وأشتداد الغصَّة لدرجة عجزهِ عن أزدراد ريقهُ، فنطقَ وهو يسحب الغطاء الخفيف بقوة ويلتحف بهِ في محاولة فاشلة أخرى لتهدئة نفسهِ:-

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 11, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

اِحتضار مُلحَّنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن