الفصل السادس والعشرون

5.4K 351 21
                                    

||^ أغـصان الـزيتـون ^||

الفصل السادس والعشرون :-

"لا يوجد خاسر دائمًا، قد تفوز بالحرب في اللحظة التي أيقنت فيها إنك مهزومًا."
___________________________________
اقتحمت الشرطة منزل" تهاني" بالعنوة، وانتشر المجندين في أرجاء المنزل من أجل البحث عن الدخيّل الذي اقتحم المنزل، طبقًا للبلاغ الذي تقدم من مجهول بشأن القضية. لم يطول البحث كثيرًا، وخرج الجميع بنتيجة واحدة، وهي أن المنزل فارغ تمامًا من أي أحد، وحتى لا يوجد أثر يثبت تواجد أي شخص هنا.
فـ اضطر الجميع للمغادرة بعد إثبات لحالة البلاغ الكاذب.
أثار ما حدث جنون "سُلاف"، كانت على بُعد خطوة واحدة من تحقيق أكبر إنتصار لها منذ بداية تلك الحرب، كانت ستظفر بما تريد بخطأ واحد منه؛ لكنها لا تعلم كيف تدارك هو الأمر وأنقذ نفسه في اللحظة الأخيرة، والأسوأ إنه اختفى تمامًا بعدها، وحتى الآن لا تعرف له طريقًا. فكرت بكل الإحتمالات التي قد تكون سببت ذلك الفشل الذريع، ولم يتوصل عقلها لمنطقية أي إحتمال، كأن عقلها يرفض الخسارة، بعدما اعتادت زهو الإنتصار ولذّتهِ. فركت "سُلاف" جبهتها بقسوة، مستشعرة حالة من العجز قد انتابتها، وتجولت من حولها يمينًا ويسارًا وهي تهتف بـ إنفعال :
- إزاي يانضال؟.. إزاي خرج من هناك من غير ما تشوفه؟.
فأجابها بشفافية شديدة :
- كأنه فصّ ملح وداب.. حتى راغب خد العربية واتحرك بسرعة من مكانه بعدها بشوية ومعرفش راح فين.. ومقدرش أتصل بحد فيهم وألفت النظر عليا.
ضربت "سُلاف" الأرض بقدمها، وصرّت على أسنانها بغيظٍ وهي تهتف بـ :
- في حاجه فلتت مننا!.. بس إيه هي؟.. كان زماني بزور حمزة دلوقتي في القسم!.
نظر "نضال" لساعة يدهِ، فوجدها تجاوزت الحادية عشر مساءًا. شرد عقله لوهله، ثم خرج عن صمته فجأة وهو يقول :
- أنتي لازم تروحي دلوقتي.
تغضن جبينها بإستغراب، من تحولّ حالته فجأة وبدون سابق مقدمات :
- في إيه؟ أنت افتكرت حاجه؟.
- مش متأكد، بس إختفاء حمزة وراه حاجه، مش بعيد يكون كشفك وكل ده بيلعب علينا.
مجرد تلك الفكرة جعل الشك يتمكّن من عقلها، فـ لم تنتظر ثانية أخرى، وسرعان ما أوفضت بـ إتجاة السيارة حيث فتح لها "عِبيد" الباب لتستقر بالداخل، گمن يستعد لإعلان حالة الطوارئ، فـ تخمين "نضال" أوقظ حواس الحرص الشديدة لديها، وجعلها تحس ببعض التقصير في إعدادات الأمان التي حافظت عليها طوال سنواتٍ طويلة، وتوجب عليها الحرص من جديد.
*************************************
وطأت قدميها تلك الغرفة التي تسكنها، فـ خمد ذلك القلق الذي عشش ببواطنها قليلًا، وسحبت زفيرًا مرتاحًا لصدرها كتمتهُ لحظات قبل أن تُحررهُ رويدًا رويدًا، ثم فتحت الإضاءة وخطت نحو الخزانة الصغيرة من أجل تبديل ثيابها. لم تنتبه أبدًا، لم ترى حتى ظلهِ، بينما هو جالسًا بزاوية بعيدة تمامًا عن محطّ أنظارها، يتطلع إليها بعيون صقر يراقب فريستهِ قبل أن يهجم عليها، تابع حالة الإرتباك التي كانت جليّة عليها وعلى حركاتها العشوائية، متيقنًا من إنها هي المتسببة الرئيسية فيما يحدث من حوله الآن، وأن مداهمتهِ الليلة من قِبل الشرطة لم تكن صدفة أبدًا. تركت ثيابها جانبًا ووقفت أمام المرآة لتمسح زينة وجهها، لكنها استشعرت حركة من حولها، ودبّ الذعر أوصالها وهي تستسلم لفضولها وتلتفت حين غرة، كي تتفاجئ به أقرب إليها مما تتوقع، فـ شهقت بصرخةٍ مكتومة، بينما قابل هو حالة الذعر تلك بـ إبتسامة شامتة ثابتة للغاية، وهو يسألها بصوتٍ رخيم :
- إنتي كويسة ؟.
احتاج الأمر ثواني معدودة حتى استعادت توازنها الإنفعالي، ثم أجابت بشئ من الإنفعال فشلت في التغطية عليه :
- خضيتني!.. إنت بتعمل إيه هنا؟.
تلوت شفتيه مستمتعًا برؤية حالتها تلك، وأجاب بفتورٍ :
- جيت أطمن عليكي، بس انتي مش موجودة گالعادة.. كنتي فين؟.
تحركت من أمامه، كي تتخلص من نظرات عيناه التي تقبض على أنفاسها قبضًا عنيفًا، وهتفت بـ :
- وديت زين عند المُربية بتاعته عشان ورايا شغل بكرة بدري.
لم يقتنع كثيرًا بما لفقتهُ؛ لكنهُ أرغم نفسه على التصديق - مؤقتًا - :
- أمممم، كويس.
استدار حتى يغادر، فـ لمحت ذلك الخدش الغائر برقبتهِ، والذي تبيّن حداثتهِ، كأنهُ كان يفرّ من شئ ما فـ أصابهُ ذلك. لم تسألهُ عن سببهِ، ربما لم ينتبه إليه من الأساس، ولفت إنتباهه له ليس صحيحًا الآن بأي شكل. تركتهُ يبرح الغرفة كي تتنفس، وقد آمنت أن اختفائه لم يكن بأمر طبيعي، وإنه يلعب معها بقوانين مختلفة، عسى أن يفوز هو هذه المرة، وبالفعل بدأ ينتصر.
دخل "حمزة" غرفتهِ بدون أن يشعر بآلام جسدهِ المتفرقة، فقد انشغل بالهِ بما حدث الليلة وإلى أي مدى يتعلق بها، وعقلهِ مازال يعمل عملًا دؤوبًا من أجل الوصول لإجابات منطقية تُرضي شغفهِ. نزع قميصهِ فـ استشعر إلتهاب رقبتهِ، نظر عبر مرآة دورة المياة ليرى ذلك الجرح البارز في جلده، ليستعيد في ذهنهِ كيف أُصيب به أثناء هربهِ.

رواية "أغصان الزيتون" Where stories live. Discover now