مُحاكمةٌ مُحْكَمة

25 6 0
                                    

تنويه: قد يحتوى الفصل على بعض التعابير والتلميحات الجريئة.

«يذهب إلى المشفى كي يُعالج، وتقدم له الرعاية الطبية اللازمة؛ ليجد نفسه يخرج معبًّأ بأمراضٍ خبيثة لا تبرح جسد الإنسان إلا بالموت.

تفاعل الكثيرون مع القضية على موقعي (فيسبوك وتويتر)، بتجاربهم التي لم يكتب لها سوى الفشل مع المستشفيات الحكومية، وكم الخسائر الهائلة التي طالت الأرواح، ويبدو أنها ستكون وقفةً صارمةً في وجه شبح الإهمال.

وسؤالنا اليوم، إلى متى سيظل الإهمال الطبي هكذا في مصر؟ ومن قبله تخطينا أزمة كورونا بصعوبة بالغة، بعد أن تسبب في خسائر في الأرواح.»

كانت معكم مراسلة جريدة اليوم السابع من أمام محكمة القاهرة الجديدة، في تغطية شاملة للقضية التي أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي، بعد تواصلنا مع مُوكِّل الأستاذ إبراهيم السقال.

«محكمة! القضية رقم واحد وثلاثين.»

صاح الحاجب بصوت جهوري غليظ لينبه الحضور بدخول القضاة الثلاثة، ببدلتهم الرسمية الخضراء وشارتهم الذهبية التي تنسدل على صدروهم، لتعطيهم طلة ذات أُبهةٍ وقدر رفيع.

أخذوا مقاعدهم أعلى المنصة في صف مستوٍ، خلف جملة: «العدل أساس الملك» المحفورة بدقة على واجهة المنصة، واستهلوا الجلسة بالبسملة وتلاوة آياتٍ عن إقامة العدل في الأرض، ثم أشار القاضي الذي يتوسطهم لمحامي إبراهيم بالبدء في عرض أدلة إدانته للمستشفى التي يمثلها مديرها وموكله في هذه الجلسة.

كلما تقدم إنشًا نحو المنصة، كان يلفظ نفسًا عميقًا، وكأنها أخر مرة سيتنفس فيها. يحاول مليًّا طرد جن التشنج العصبي الذي تلبسه، ويخفيه خلف قناعٍ مزيَّف من اللا مبالاة.

لحظاتُ ترقبٍ وهدوء تسير بثقل وكأنها تعاني من القدم السُكري، رهبةٌ تهز كيان الحضور، لكنهم يكتمون أصوات الذعر مخافة أن تتسرب إلى الخارج محدثةً ضجةً عارمةً تفسد هذه الأجواء بالغة الرسمية.

تحمحم وهو يسند كلا كفيه على طرفي المنضدة المزدحمة بملفات غاية في الأهمية، وتصلَّب بنانه أمام اللجنة، ثم أخيرًا تشجع وقرر إفساد الصمت المميت ذاك:

«في البداية، أشكر استجابة المحكمة لدعوتنا القضائية خلال هذا الوقت السريع رغم أنه لم يمر أسبوع على الجلسة التعارفية السابقة.
اسمحوا لي أن أذكركم بتفاصيل حالة موكلي.»

أغلق رداءه بإحكام، ومجددًا، أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتأهب لسرد الحكاية بدقة دون أن ينسى شيئًا، تقريبًا هذه أهم قضية ترافع فيها منذ أن بدأ المهنة، وإلى أن يتقاعد منها؛ فتحدث بثقةٍ عالية أمام القضاة، وبلغة عربية فصيحة.

خلفه إبراهيم يجلس وحيدًا عاقدًا ذراعيه ويحرك ساقيه بتوتر؛ حتى كاد الكرسي يُكسر من اهتزازه الهمجي، كم يتمنى لو كان معه أنيس يقاسمه مرار هذه اللحظات، حتى دون البوح بها، تكفي فقط نظرات مؤازرة تُفصح عن كل شيء وتمده بكافة احتياجاته العاطفية التي حُرم منها.

اللاكوتاWhere stories live. Discover now