المشهد الاستثنائي الأول - عودة الأبطال

11.8K 646 60
                                    



#عودة_الأبطال


ملأتها مشاعر البهجة والارتياح وهي تتجول بناظريها على الكورنيش الذي احتوى على عشرات من عربات الطعام المختلفة، معظمها تعمل فيه شابات صغيرات أثبتن بجدارة قدرتهن على تأسيس عملهن الخاص بالمحدود من المال، تذكرت حينها كيف كابدت وكافحت لتضع أول لَبِنة في بناء مشروعها، ورغم ما خاضته من صعوبات، إلا أنها نجحت أخيرًا في تحقيق أحلامها. كان الوقت يتجاوز العشاء بقليل، فراحت المنطقة تزدحم بالتدريج بالعائلات والصغار، الكل مستمتع بوقته هنا، فقد بات ذلك المكان هو البقعة المفضلة للجميع لتمضية أسعد اللحظات بها. سرعان ما خفضت من بصرها حينما شعرت بتلك الوخزة المباغتة، وضعت يدها على بطنها المتكور، وتحسسه بترفقٍ حذر، فقطعة منها تنمو بداخلها، ومع تعاقب الأيام، أصبحت متشوقة للغاية للقائها واحتضانها بين ذراعيها. التفتت "فيروزة" إلى جانبها عندما أحست باقتراب نصفها الآخر منها، جلس "تميم" مجاورًا لها، ومد يده ناحيتها بشطيرة ساخنة، رائحتها الذكية أثارت المعدة وفتحت الشهية. أخذتها منه وسألته بمكرٍ:

-أوعى تكون اتخانقت مع البنت اللي عملتها؟

رمقها بهذه النظرة المعاتبة قبل أن يتنحنح مرددًا:

-خلاص بقى، أنا اتعلمت الدرس.

ابتسمت في حبور، وعلقت وهي تقرب الشطيرة من فمها تمهيدًا لقضم قطعة منها:

-شاطر.

تناول مثلها خاصته، ثم تكلم لاحقًا بشيءٍ من الجدية:

-تعرفي، أنا بفكر أعمل عربية للفواكه هنا، وتتباع بالواحدة للي عاوز يشتري لنفسه أو عياله.

تحمست لاقتراحه، وانعكس ذلك على ملامحها، وأيضًا في نبرتها وهي تعقب عليه:

-تصدق فكرة...

أرادت المزاح معه، فغمزت له بطرف عينها مستأنفة كلامها:

-وأنا هقف أبيع بنفسي كمان!

رفع حاجبه للأعلى مبديًا استنكاره، فتحدته بهذه النظرة المغيظة، ليخبرها بعدئذ بلا ابتسامٍ:

-لما تولدي نبقى نشوف الحكاية دي.

رأت في قسماته هذا التعبير المستهزئ بها، فسألته بترقبٍ:

-شكلك بتاخدني على أد عقلي؟!!

بزغت ابتسامته وهو يرد:

-أومال إيه يا أبلة!

زمت شفتيها مغمغمة:

-ممم.. أبلة!

تركت ما تبقى من الشطيرة جانبها، وطلبت منه بلهجة آمرة قليلًا:

-طب هاتلي ترمس، أنا نفسي فيه.

جاراها في طلبها متسائلًا باهتمامٍ:

-مش عاوزة حِلبة كمان وحمص؟

هزت رأسها إيجابًا وهي تكلمه:

-ماشي، وخليه يزود الشطة.

حك مؤخرة عنقه للحظةٍ، ثم خاطبها في لهجةٍ جمعت بين الجد والهزل:

-احنا نكلم الدكتور الأول نسأله ده مسموح ولا لأ، عشان آخر مرة مهزقني جامد.

سألته في تحيزٍ وهي تعقد ما بين حاجبيها:

-يعني عاوز يطلع للبت ترمسة في كتفها؟!!

سألها مستهجنًا:

-هي مش شهور الوحم دي كانت في الأول، ده إنتي فاضلك بتاع شهرين وتولدي.

رفعت رأسها للأعلى في إباء، وأخبرته بثقة وهي تكافح لإخفاء بسمتها المستمتعة:

-الوحم مالوش ميعاد.

همهم معقبًا بقدرٍ من السخرية:

-قصدك تقولي الوحم لا دين له!

لم تتبين ما يردده بصوته الخافت، فكررت عليه:

-مش سمعاك.

سلط كامل نظراته عليها، وقال بهدوءٍ:

-هنكلم الدكتور الأول ونشوف رأيه.

استندت "فيروزة" بيدها على كفه، كمحاولة منها للنهوض من جلستها وهي تخبره:

-طيب يالا لأحسن مش قادرة من رجلي.

عاونها على الوقوف، وجعلها تتأبط ذراعه بعدما جمع أشيائهما الخاصة، ليبدأ كلاهما في المشي معًا بتمهلٍ حذر. وقعت عينا "تميم" على ما ترتديه في قدميها، فاسترعى ذلك انتباهه وفضوله. عاود النظر إليها معلقًا بمزاحٍ طريف:

-حلو الشبشب بتاعي، مريحك؟

قالت وهي تهز رأسها بخفة:

-يدوب .. ده اللي دخل في رجلي.

وقبل أن يفكر في انتقاد اختياراتها الرجالية، هتفت تحذره وهي تشير بسبابتها:

-واعمل حسابك هشوف إيه ينفعني في دولابك، وهاخده.

حرك رأسه موافقًا قبل أن يؤكد لها بمحبةٍ عظيمة:

-إنتي معاكي الأصل يا ست الأبلوات!

أراحت رأسها على جانب كتفه وهي تتهادى في خطاها، لتهمس له بعشقٍ ما زال نابضًا في كل ذرة فيها:

-وهو في أجدع من الأصل اللي أنا حبيته؟!


-تمت-

ملحق الطاووس الأبيض -كاملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن