الفصل الرابع

478 45 57
                                    

٢٠١٥

"آآآه... يا لغدر الزمن، يا لقساوة الأيام... كنا عائلة مميزة، الجميع يحسدنا. كانت سعادتنا لا توصف ولا تقدر بثمن. دخلت الأفاعي منزلنا وقلبته رأس على عقب." قالت جنان وهي تبلغ الخمسين من عمرها.
كانت تنظر الى الصور، صور الماضي.
اختنقت دموعها ولم تعد تجد مكانا في عينيها، فانهمرت، تلك الدموع المؤلمة.
كانت تتجول في الماضي مع كل صورة تنظر اليها.
صور بيضاء وسوداء عن الماضي، عن عائلتها وعنها هي.
"أمي، أرجوك لا تبكي فانك تضرين نفسك. لا تنس ما قال الطبيب لك." قالت زينة ابنة جنان البالغة من العمر عشرين عاما.
جنان مصابة بمرض السكري، والحزن يزيد من قساوة وخبث مرضها. فالسكري مرض خبيث، يقتل بصمت. وهي أكثر الأشخاص الذين يعلمون عن هذا المرض، وما هي آخرة مريض السكري مما رأته وعاشته في السنوات الماضية.
"في قلبي حرقة وغصة كبيرة يا ابنتي. هم ثقيل قد سقط على كتفي. أحزان الدنيا قد تجمعت في روحي. قلبي يحترق يحترق يحترق." قالت جنان ووضعت الصور في صندوق خشبي صغير وأغلقته.
"اهدأي يا أمي، اهدأي." قالت زينة.

-------------------

١٩٧٥

غيمة سوداء عانقت منزل رامز أمين، حيث تدفق الحزن وطرق بابهم. مصيبة كبيرة وقعت عليهم، انها من أصعب المصائب لا بل أقساها. فراق الابن، فراق الأخ، فراق شخص عشت معه أيام وأعوام، فراق شخص كان يجلس بالقرب منك حول مائدة الطعام. الموت قاس جدا.
فكيف يكون عندما تودع شخص على أمل أن تراه مجددا، لكن يكون هذا الوداع الأخير.
نعم الوداع الأخير.
حيث لايمكنك ان تراه وتسمع صوته أو تشم رائحته مجددا.
وهذا ما حصل مع عائلة رامز أمين عندما مات جهاد. فهم حتى لم يروا جثته. فقط تابوته الخشبي حيث كانت جثة جهاد راكدة فيه، وذلك بسبب الانفجار الذي حصل حيث حرق أجساد الجميع وحولها لسوداء.

"اتركوني، أريد أرى ابني، اتركوني ارجوكم اريد ان اودعه... ابنييي جهاد." لم تفهم رندة هذه المصيبة، ابنها الذي ربته منذ صغره ممدد داخل تابوت خشبي بني اللون.
كانت صفية وجارتهم منى معانقتان رندة. حال صفية ليس أحسن من حال رندة، فهي عاشت معه لأعوام.
أما سوزان، فكان لموت أخاها جهاد صدمة لها، هي خسرت رفيق دربها، صديقها، وأخاها المقرب. فهما متقاربان من حيث السن ومن حيث روح الأخوة.
والحزن نفسه في قلبي عماد وزياد، فقد خسروا سندهما في الحياة وقدوتهما. خسروا أخاهم.
والخسارة نفسها عند جنان، جيهان وفاتن. ما ذنب هؤلاء الفتيات البريئات ان يحترق قلبهم وهن ما زلن عشرة سنوات.
لقد فقدوا أخاهم.
وما أجملها من كلمة، أخي...

كان صوت البكاء مسيطر في المنزل، والصرخات بدأت تعلو عندما وصل موعد الدفن.
اقترب رامز جنب زوجته رندة وعانقها ليخفف عنها.
على الرغم من أنه هو الذي بحاجة الى ذلك، لكن لم يضعف. أراد أن يبقى قويا في هذه المحنة الأليمة.
أراد أن يبقى صامدا كي يصمدوا.
أراد أن يصبر، أن يكابر على ألامه.

بقي كذلك قويا، صامدا أمام مصائب الحياة، فهذه عاداته ومبادئه. هو الاب والأخ ورب المنزل.
لكنه لم يمتلك أعصابه، فجرحه قوي جدا. كان يبكي ويبكي بعيدا عنهم كي لا يراه أحد.

بعد مرور يومين

كانت الحرب الأهلية اللبنانية قد تطورت، فالحرب الطائفية (الاسلامية- المسيحية) باتت أقوى. حيث دخل في الحرب اللاجؤون الفلسطنيون أيضا. وكانت الحرب في ذلك الوقت في المدن اللبنانية، يعيدا عن الجبل حيث توجد رأس المتن. لكن الوضع في المناطق الجبلية والداخلية لم يكون سليما، فالكل أعصابه متلفة.

في تمام الساعة العاشرة مساءا، وبعد ان نام الأولاد، بقي رامز، رندة،صفية وسوزان في الصالون جالسين.
كان الحزن ظاهر عليهم، وكانت رندة غارقة في ذكريات الماضي حيث ذهبت عشرين سنة الى الوراء.

#فلاش_باك ١٩٥٥

استيقظت رندة على صوت بكاء جهاد، حيث كان طفلا رضيعا نائما على سرير للأطفال جنب سرير رامز ورندة.
وبالطبع، لم تكن رندة مسرورة من ذلك.
"اتركني أنام، ما بالك." بقيت رندة في فراشها ولم تكترث لصوت جهاد.
لكنه بقي يبكي حيث أيقظ رامز أيضا.
"رندة، انتبهي له ارجوكي." قال رامز وهو في فراشه.
"انا لست مجبورة فيه." قالت رندة بعصبية ووقفت من فراشها بلؤم واقتربت نحوه.
بقي الولد يبكي، لذا حملته بعنف عن سريره وبدأت ترضعه.
يعدها نظرت اليه حيث رأته أنه نام فوضعته في سريره وبدأت تتأمله.

------
١٩٧٥

لحظات مضت حيث طرق الباب.
"خير ان شاء الله." قالت صفية.
"قلبي لم يعد يتحمل." قالت رندة.
وقف رامز وتبعته سوزان. توجها نحو الباب، حيث فتح رامز الباب.
لم يجد أحد، نظر نحو الأرض فوجد طفل.
طفل مغطى بغطاء أبيض.
ذعر رامز، اقشعر بدن سوزان.
"من هذا." قالت سوزان.
حمل رامز الطفل فوجد رسالة.

_________________________

أتمنى ان يكون هذا الفصل قد نال اعجابكم
ما هي توقعاتكم؟
شكرا على دعمكم

كَبرنا ولكن...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن