الفصل الثاني : المريض المنتظر

57.5K 2.6K 389
                                        

امضت الليلة في مكتبها ، لم يراودها النوم ، ظلت تفكر في ما رأته ، لن تستطيع الصمت أمام ذلك ، السجن خصص لإعادة التأهيل وإدماج السجناء في المجتمع لا لتعذيبهم و ترهيبهم ، كان رد المدير كثير الجفاء  فقد رفض رفضا مطلقا فك قيوده أو إخراجه من الزنزانة المنفردة ، 
أخذت ورقة وقلم و بدأت في الكتابة ثم خرجت بثقة متجهة نحو مكتب المدير ،
_ سيدي المدير ،
رفع رأسه نحوها و أشار لها بالجلوس  ,  جلست و استأنفت كلامها بوجه لا تعبير فيه
_ أعاود طلبي في رفع عقوبة السجن الانفرادي على السجين
خلع نضارته ووضعها جانبا ، و عدل جلسته جيدا وقال
_ سيدة مارلين ,  أدرك جيدا ما تفكرين فيه ،  الانسان لا يستحق العقاب بل يستحق العلاج ، كل الافكار التي إكتسبتها في الكلية أحترمها لكنها لا تسري هنا ، للسجن قوانين أخرى ..
قاطعته  مركزة نظرها على الورقة بيدها
_ سأرسل عريضة لوزارة الذاخلية ، ألتمس فيها سيادة الوزير أن يرفع العقوبة الغير القانونية على السجين ...
قاطعها هو الاخر واقفا وقد بدى عليه ملامح الغضب
_ ما الذي تحاولين فعله ؟
وقفت هي الاخرى بعدما وضعت الورقة على مكتبه و أجابته بثقة
_ أحاول تحقيق العدالة
ضحك بسخرية على جوابها
_ لا أنصحك بمجابهتي !
_  لا تأخذ الامر بشكل شخصي فلا نية لي بمجابهتك ،  ولي كامل الحق لان أطلب إعادة النظر في طلبي
_ كما أخبرتك سابقا لن يخرج من هناك  ، و إن انتهيتي من كلامك الشاعري أستسمحك إذنا ، لدي عمل لأتممه
انسحبت بإبتسامة سرعان ما تلاشت بعد خروجها من مكتبه

                    ______________      

حضر  مستشار الوزير  لمناقشة العريضة التي أرسلت من طرف الطبيبة النفسية مارلين ستينز ، و التي تزعم فيها بأن عقوبة السجن الانفرادي التي فرضت على السجين مارت البرت قد تجاوزت الحد المسموح به قانونيا ، كما تزعم بأن السجين يعاني من اضطرابات في النوم و هلوسات تعكس حالته النفسية الصعبة و تلتمس التذخل السريع
بعد اجتماع المدراء و الطبيبة مارلين مع حضرة المستشار قرروا رفع العقوبة بموافقة من السيد الوزير ، و ذلك ليتلقى الرعاية النفسية المناسبة لحالته
كان الاجتماع في صالح السيدة مارلين وقد أحست بطعم النصر بعد نيلها لمرادها ، في الجهة الاخرى كان المدير يتوعدها بإنتقاما يجعلها تتخلى عن عملها طواعية و ترحل من السجن دون أن تلتفت وراءها

                     _____________

جلست في مكتبها ، تنتظر مريضها المنتظر ، غرابته و قساوته تجعل منه لغزا  تتوق لحه ، لطالما وجدت متعة في التعامل مع أصعب الحالات وأكثرها تعقيدا
طرق في الباب ، ذخل مارت مكبلا من طرف الحراس و قد بدى  الوحش هادئا ،  نهضت من مكانها نحوه و طلبت منهم أن يتركوه ويخرجوا ، ظل مكبلا فلا يمكن لاحد توقع ما قد يفعله , لم تعلق مارلين على الامر رغم أنه أزعجها ، أشارت له بالجلوس لتجلس هي الاخرى
مظهره يوحي بالرجل البدائي القاسي ، جسده المنحوت و عضلاته البارزة و عيناه الزرقاوتان  الحداتان ، شعره المرتب بطريقة عشوائية ،  ظلت تتفحصته جيدا  لمدة من الوقت وقد بادلها الامر فقد نظر اليها مطولا ، ساد الصمت لولهة بينهما ثم استضرفت مارلين قائلة
_ هل أنت بخير ؟
لم يعرها إهتماما وقد بدى كأنه يفكر في شيء اخر ،
لكنها كانت معتادة على ذلك فقد اعتاد المرضى التهرب من جميع الأسئلة وإلتزام الصمت
_ سيد مارت ، هنا لن تكون سجينا بالنسبة لي ، بل ستكون شخصا عاديا يحتاج لدعم نفسي ..
توقفت عن الحديث ، بدى شارد الذهن ، كما ان  أمرا ما يشغله باله ، فتساءلت قائلة :
_ سيد مارت ،  أرى انك غارق التفكير ، أنظر يمكنك مشاركتي ذلك ، أنا هنا من أجلك ،

خرج من شروده ونظر نحوها و ابتسم ابتسامة ماكرة  وقال
_   تبدين رائعة وراء المكتب ، لكنك ستبدين أروع وانت  فوقه
ارتبكت مارلين و احمرت خجلا من جوابه الغير المتوقع ، لكنها تدراكت الموقف و أجابته بثبوت
_ هذا يكفي كأول حصة ، نلتقي غذا
              ___________________

أخرجه الحراس من مكتبها ، و اتجهوا به نحو زنزانة جماعية وقد استغرب من ذلك فسأل الحراس
_ الن يفي مديركم بوعده ، لقد وعدني بتركي في المنفردة ما حييت
أجاب الحارس
_ تذخلت الطبيبة فاضطر لتراجع عن حكمه ،
_ ما ذخل  الطبيبة في ذلك ؟ سأل مستغربا
_ سمعنا انها أرسلت عريضة للسيد الوزير تطلب إخراجك من هناك

                   ______________
             
في بيتها ، بعد استراحة طويلة من أتعاب العمل و مشاقاته ، تسترخي فوق سريرها ، تحاول الاستجمام وإراحة أعصابها ، رن هاتفها ليخرجها من جوها الهادئ ، نهضت نحو حقيبتها بتتثاقل ، بضع مكالمات واردة من أمها ، عاودت الاتصال بها و طمأنتها على حالها ، تبادلو أطراف الحديث قليلا  ثم انهت المكالمة ، وضعت هاتفها جانبا ، لفت انتباهها الملف الموجود في الحقيبة ، التقته و عادت لسرير ،  ملف السجين مارت البرت ، تتفحصه و تقرأ ما بذاخله بتمعن ، وقعت عيناها على صورته ، أمعنت النظر ، فعاد بذاكرتها  لحديثه  صباحا  ، ارتسمت ابتسامة خفيفة  على محياها  ، ثم عاودت الاستلقاء

              

الوحش : The Beast حيث تعيش القصص. اكتشف الآن