يومَ لا مُعين

21 4 0
                                    

   《 هو بلا أدنى شَكٍّ .. يوم الأربعين 》

ليلة الأربعين لم تكن ليلة عادية ؛ فالمواكب كانت بلا توقف ولقد شاهدت مختلف المواكب ومن كل الدول والمناطق البعيدة والقريبة وبلغاتهم المختلفة كانوا ينعون الحسين وزينب (ع) ، في تلك الليلة كانت لي وقفة مع الفضاء !

إذ صعدت إلى أحد سطوح الفنادق الملاصقة لحرم أبي الأحرار (ع) وتكلمت مؤبناً إياه .. ومعزياً صاحب العصر والزمان (عج) بكلمة صغيرة جداً كانت مدتها أقل من دقيقة بقليل، ولكنها كانت رسالة للتاريخ بأني قد مررت من هنا ..

وفي تلك الاثناء وانا على علو لا يسمح للزائرين
بالصعود إليه إلأ إن كانوا ممن سيظهرون على شاشات التلفاز .. وصديقي الرادود " جعفر المقهوي " كان يقرأ قصيدة وبشكل مباشر ؛

في تلك الأثناء وأنا على ذلك العلو كنت قريباً جداً من القبة الشريفة ؛ فشاهدت الطيور التي تنظف الغبار وتتبرك به من فوق قبة الحسين (ع)، وأيضاً شاهدت أفواج البشر الممتدة إلى الأفق البعيد في الطريق المؤدي إلى الدخول في حرم أبي عبد الله الحسين (ع)، وكنت في حرم الحسين (ع) فترة طويلة في تلك

الليلة ، فرأيت فور ما سافر خيالي وطاف عبر الأزمان تلك اللحظة التي قالت فيها زينب (ع) : [ أي عمر - بن سعد -أيُقتَل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ ] .. [ ويحكم أما فيكم مسلم .. ؟ ]

وسمعت صهيل ذي الجناح جواد الحسين (ع) قائلاً : " الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيها "

ورأيت رجوعه إلى الخيام مخزياً والسرج عليه ملوياً ولقد هالني خروج المطهرات من الخدور ناشرات الشعور لاطمات الخدود وداعيات بالويل والثبور،

وفي هذه الرحلة القصيرة الى عصر عاشوراء شاهدت
سكينة وهي تهمس في أذن الجواد وتقول : [ أعلم إن أبي كان عطشاناً ، فهل سُقيَ أبي أم لا .. ؟ ] وهنا توجه ذو الجناح وهو يصيح إلى الفرات مسرعاً وألقى بنفسه هناك لينهي حياته فلا عيش له بعد الحسين أبداً ..

وهنا توقف هذا سفر فالخيال قد أصبح قاصراً عن استحضار ما في الكتب من كلمات !! و هنا أجهر الداعي إلى الله بالأذان من تلك المئذنة وكأنه ينعى الحسين (ع) بصوته الشجي ،

وفور إعلان دخول يوم الأربعين أصبحت الزيارة ذات طعم نقي لا تشوبه أيَّةَ شائبة فالآن وقت قراءة زيارة الأربعين .. و انطلقت الكلمات وقررت قراءة زيارة الناحية المقدسة في ذلك الوقت ..

وفي نفس الوقت كان هنالك موكب قد بدأ مقرؤهم بقراءة الزيارة ؛ فدخلت معهم في تلك الحلقة الجالسة الباكية يوم الأربعين ؛

وهنا زلزل الحرم وصار أحمراً بلون الدماء وكأني بالمآذن تسجد وتخر باكية لتلك الكلمات .. «السلام على الشفاه الذابلات» ولم يكن هناك من يتمكن من عدم الإنصات لتلك الحروف المحلقة في الهواء ..

جئتكWhere stories live. Discover now