هي وفقط هي

19 7 8
                                    


دخلت بهدوء إلى ذلك المنزل، فتحت الباب العتيق، أنرت المصابيح أمام عيناي.

نفسي القديمة التي أحبت كل أركان هذا المنزل العتيق الذي توارثته عائلتنا لقرنين كاملين. سرت مشتتة أفكاري، أتناسى الذكريات السعيدة التي طرأت على بالي؛ فقد بات الآن تذكرها أمرا مؤلماً، محزنا وتعیساً.

صعدت السلالم إلى الطابق الثاني وأنا أطلق بصري نحو الأثاث هنا وهناك ليحط بصري على كل تلك الأوراق اللعينة الموضوعة على كل قطعة أثاث في هذا المنزل.

تلك الأوراق التي تحجز كل شيء في هذا المنزل، وتنسب ملكيته للمصرف الذي سيعرضه عاجلا أم آجلا في المزاد العلني. لم؟ لأن الديون أخذت تتراكم كالجبال فوق رأسي ورأس أختي الصغيرة وما عدنا بقادرتين على تحملها.

ذلك حدث بعدما أستلمنا إدارة مشاريع العائلة قبل قرابة النصف سنة بعد موت والدينا في حادث سير مؤسف. ومن يلومنا؛ فنحن لم تتجاوز العشرين بعد من عمرنا ولم نكمل دراستنا بعد، وليس لدينا أي خبرة في مجال إدارة الأعمال حتى.

أما منافسو شركاتنا استغلوا نقاط ضعفنا تلك ونهبوا ما نهبوا، وكادوا مكائد علينا مما أسفر عن إفلاسنا. تبقى أمامنا يومان فقط لتوضيب أغراضنا الشخصية من جدران هذا المنزل ونهجره إلى الأبد.

وها نحن ذا أنا وأختي نقوم بالدوس على كبريائنا ونلملم أشياءنا من غرفتا المشتركة. أخرجني من غياهب أفكاري صوت أختي وهي تسألني

- هل أخرجت حاجاتِ أبي؟ تنهدت فأجبت

- أجل تبقت فقط حاجاتُ أمي.

هزت رأسها وسارت أمامي متجهة الغرفة نوم والدينا، فتحت الباب واتجهت نحو الخزانة مباشرة وبدأت تخرج ملابس والدتنا الراحلة. تطويها ثم تضعها في صناديق.

أما أنا؛ فاتجهت نحو النافذة المطلة على أحد أرقى الأحياء في المدينة كلها، وأخذت أراقب البواب في المنزل المقابل وهو يغلق الباب بعد أن دخل جارنا بسيارته الحمراء الرياضية التي تبرق وتلمع من كثرة التنظيف. ضحكت بسخرية على نفسي وأنا أتذكر امتلاكي السيارة ذاتها تبرق وتلمع أكثر من هذه.

- ألن تساعديني؟ لا تقفي هناك فقط، أذهبي وتفقدي الأدراج بجانب السرير.

كانت تلك أختي المزعجة تتأمر علي، لا أدري كيف تحافظ على هدوء أفكارها هكذا بينما أنا مشتتة بالكامل. بالرغم من أننا توأمين متطابقين، الا اننا لا تتطابق ابدا نفسياً!

تنهدت للمرة الألف هذا اليوم وذهبت لتنفيذ ما أمرتني به؛ فتحت الدرج الأول لأجد مجموعة من العطور التي فاح عبيرها بمجرد فتحي للدرج، وضعتها بحذر وترتيب في صندوق صغير.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Apr 08, 2021 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

هي وفقط هي Where stories live. Discover now