بداية النهاية

335 32 8
                                    

اليوم الأول..

لوهلة، يتسرّب إلى تفكيرك أن تعلّقه بهذه الجزئية من الحائط هو تعلّق حنين لشخص دفنه وراء الجدار، أو حيّز علّق عليه أيقونة لصورة والده التي أطاحتها أمه عن مكانها بعد الطلاق، لكن الأمر مغاير لتصوّرك القاصر. شغل حسان معظم وقته شاردًا في نقطته الثابتة، لا يحيد بصره إنشًا، متسمّر في مكانه منذ فترة طويلة، من طولها يساورك ظن تحوّله لأحد أصنام العرب.

من دون أي مقدّمات أو نيّة طيبة لشيء، نهض الشاب من أريكته المرقّعة، فقصد غرفة شقيقته في دبيب سير إيقاعي متناسق، وعين سارحة في عالم موازي، ولجهله وعدم مواصلته رحلة التعليم المتعبة، لم يراعِ آداب الدخول التي تحتم طرق الغرفة، كذلك لم يلقِ بالًا لتذمرها وصياحها المزعج.

واصل سيره وعيناه على نفس شخوصهم، دلف البلكونة، فاعتلى السور ثم أنهى مسيرة حياته بقفزة أودت بحياته.

استقرّ جسده أرضًا مقرضًا حياته إلى عزرائيل بثمن بخس لا يرتضيه نفر غيره، ساذج هذا الحسان المنتحر، يلقي بنفسه من أعلى في غرور معتقد أن الشرطة في خدمته، هي المسئولة الوحيدة عن تنقية الأرض الملوثة من دمائه، ولملمة محتويات دماغه المنفجرة، وتفنيد أخبار الصحافة.

طلت أعناق الناس من شُرف الحي النائي بعد صرخة مجلجلة أطلقت شقيقته سراحها، فصدحت مدوّية في الأرجاء، صرخة كانت بمثابة بوق ملكي أذاع خبر بدأ منافسة الصراخ بين النساء، فعمّ ضجيج الصياح واختلط بذكر اسم الله القدير كلما انحدر البصر ناحية جثة حسان.

لم يجسر أحد على التزحزح خطوة إليه، خشى رجال الحارة الإقبال صوب جسده بحجة تريثهم قدوم المختصين من رجال الشرطة.

وخلال الجو الملغم بعبق التوتر والخشية وتراتيل الصراخ العال وجثة حسان التي لا يزال الدماء يسيل منها، أخذ عجوز هزيل الجسد متكئ على عصاه يحدق المشهد وعبوس الشفقة يستتب على تجاعيد وجهه، في الأعماق رغبة محمومة في التدخل وتحرير الحدث، ولكن ما باليد حيلة نافعة، لقد عاهد ألا يتدخل.

كسر هالة صمته الصبي الذي معه بتعليق:
- أشفق على المسكين، لا يدري ما يترقّبه في الحياة الأخرى.
- ليتَ الغباء خطيئة يحاسبون عليه، جنس أبله في عوز مستمر لدورة إعداد، وفي نهاية المطاف، وبعد جملة الأخطاء المرتكبة، يُقدّم له ورقة محو ذنوب.

رمى الصبي حسان بنظرة وهو يجعد أساريره:
- على كل حال أنا أحتقره، دعنا نمر، في انتظارنا ما هو أقذع.

ديستوبياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن