نقائض الاشباه

7 0 0
                                    

تطغى عليهِ رَغبة ملحةٌ لاكتِنافِ العُزلةِ، هو وحيدٌ مُنذُ آن آختيرَ لهُ آسمهُ "وحيد" فلكُل مِنا حَظٌ مِن آسمِهِ ، فارسُ الارقِ وقاتِلُ الراحِ كارهُ الصباح سوداوي المنطِق ، كريفيٍ يرى العُمرَ كُلهُ في مُوسمِ الحصادِ لكِنهُ كانِ يحصِدُ الحُزنِ في عمرِ ،يرى الكون في بؤسه ، كغصنً يابسٍ انتُزعت آوراقهُ أمسى يرقبُ الاغصان الباقيةَ ، في حياتهِا السلسةِ ومِلعقتِها الفِضيةَ ، كَرجُل آمنً يشهةُ دكةً عشائرية ، يودُ آن يفرضَ امنهُ لكِنه لايسعهُ الا المشاهدة آن رغِب في آن يَمضي يومُه دون رصاصةً تُمزقُ الطِحال ، يقضي ثلاثين عُمرهِ في مكتب مهجور لا يرى فيهِ الا المُمتملقين وبِضع الحمقى
- يا ليتَني كُنتُ آحمقاً  قالها بصوتٍ ساخرٍ ، ابتسامتهُ الصفراء كانِت تُعبرُ عَن مدى سُخطهِ مِن الحياة التي سئمها
- سَئِمتُ تَكاليفَ الحَياةِ وَمَن يَعِش
ثَمانينَ حَولاً لا أَبا لَكَ يَسأَمِ
قالها شابٌ في عمرِ وحيد لكِنهُ كان مُبتسماً ، دوماً على عكس وحيد .. الذي كان ينظرُ اليهِ نظرةَ حالمٍ يعلمُ ما الذي سيجري له في بضع سنين .. فكلُ من كان مُحباً للحياة لطِمته الحياةُ بتعسر حطمَ روحه
كان الاثنين كالنقائض في روحِهمل ،فلسفتها. في كل شيء الا قلبَهُما ، كلاهُما يشتركُ بالقلبِ الحنون ذاتهِ والاهتمامِ للناس ..

- عشتُ ما عشتُ في ثلاثيني  ،لقيت ما لم يلقهُ زهيرٌ في ثمانينهِ قالها وحيد وهو يتوشح نظرته المليئة بإلياس الشديدِ
- لكنك ستعيش افضل منها فما سياتي .. قالها الشاب الوسيم وهو يحكُ لحيتهُ مستبشراً
- "الله كريم
كان انعكاس اليآسِ على وجهِ وحيد نقيضُ وجه الشاب الاخر ، لم يعرف اسمهُ حتى ، لكنهُ تجاهلَ ما قالهُ ثم خرجَ لا ينوي على شيءٍ
على ضفةِ الفَقدِ جالّس نهرَ دجلةَ وهو يرمي همومَهُ فيه كانهُ قبطانُ سفينةٍ غرقَت لكنَنه كان الناجي الوحيد ، يرمي برسائلٍ في النهر يعلمُ أنها لن تصل ..
اشعل سيكارتهُ ثم ارتشف منها كانه محرومٌ مِن الهواء منذُ قديم الزمان، كانها شفاهُ مَن يهوى ، أمسكَ قلمهُ ثم كَتب :
عزيزي او عزيزتي دجلة
الرسالة رَقمُ ٨٧ والاخيرة
أنني أكتبُ لكَ وانا اقولُها بكل حُزن أن ما لي سواكَ يسمعُ ما بي ، لا الناسُ ترى ولا تهتمُ لما جرى
كُل مَن كانَ معي غُيبَته الاقدارُ أو رحلَ عن الصورةِ حتى أمسيتُ شخصيةً ثانويةً في حياةِ الجميع حتى في حياتي ، لا أرى نهايةً لهذا الياس ، كموجٍ اغرقَ الساحلَ بِمن فيه كُنت انا غارِقاً بما في قلبي مِن الحُزنِ والوحدة
تمنيتُ أن اشاطِرَ وحدتي ، اجاورَ حُزني ، اُحدثَ مَن يتكلمُ عَن موضوعي لا مَن كان الدهرَ كُلهُ صائماً صيام مريم ..
يا دجلةُ أني أهواكَ واهوى الجلوسَ على سفحِك علكَ تجودُ عليَ بنسيمٍ يطمئِنُ روحي ، لكِن ما أرى لروحيَ راحةٌ الا بالموتِ او الهلاك .. فمَن لم يكُ هنا ما كان ليشعرَ ابداً بهذا الالم
مودتي
مُحبكَ .. وحيد ووحيد جداً

كتبها وحيد على ورقةٍ ثم قام برميها في الماء .. لم يكُن في بالهِ غيرُ فكرةٍ واحِدةٍ .. الموتُ هو الحل لكلِ مشاكلهِ ، لكِنهُ لم يكُ يقوى على ذلكَ ، كان يتمنى الموتَ في كلِ دقيقةٍ كان الموت هو الخلاص ..
لكِنهُ ببساطةٍ تامةٍ لم يَمُت لانهُ لا يُريدُ الموت .. هو يريدُ الحياةَ لكنهُ يظن أن الموت هو حلُ مشاكلهِ اجمع ..

على الجانبِ الاخرِ مِن الحياة كان الشابُ الذي قابلهُ وحيد " كان اسمهُ سعيد " يجلسُ في غرفتهِ وهو يستمعُ لبعض الموسيقى الكلاسيكية َ ، هو شابٌ كلاسيكي ، لا يودُ أن يحذثَ نفسهُ راضيٍ بما يملكُ وهو سعيدٌ وكلُه أملٌ أن الحياةَ ستبتسمُ لهُ في غدٍ أجملَ مِن اليومِ في غرفةٍ زرقاء اللون ، مليئةٍ بالحياةِ ومشعةٍ حد الطمئنينة كان يجلسُ وهو يطالعُ أحد كُتبهِ المفضلةَ كانهُ طالبٌ يعيدُ كتابةَ واجبهِ من جديد
أما فكرهُ فكان مشغولاً بُمن يهوااها وابيه
وامه واخوتهِ
ياملُ بأن يرى الحياةَ اجمل ، حينما يصلُ الى ما برغبْ ، يريدُ كل شيءٍ كطفلٍ في محل حلويات..
انهى قراءة كتابهِ ثم أمسكَ قلمهُ ثم كتب

الى حبيبتي ..
لا اعلمُ متى ساركِ لكِن ميقنٌ بأني ساركِ كُلي أملٌ في محياكِ كانهُ وردٌ جوريٌ في غيابت جبٍ حتى امسى الجبُ كشجرةٍ نصفها ابيضٌ والنصفُ الثاني احمرُ
اما الاول فقد غبتِ عنهُ فمثلَ طيبكِ واما الاحمرُ كان خجلاً من رؤيتكِ
سانتظركِ الى الابد
وكُلِ املٌ بلقاءٍ بعيد
سنلتقي
محبوبكِ
بكِ سعيد ولاجلك .. سعيد

مرت الايام مجحفةً بحق الاثنين احدُهما كانَ يائِساً حد الرغبَة بالموت ، اما الثان فقد كان أملهُ مَن يجعله سعيداً
ويرغبهُ بالحياةِ
اما الاولُ فقد غلبهُ تعسُه وداق علقمَه وعلقمَ الايامِ معهُ حتى أنهُ غرقَ في مُحيطٍ مِن الاحزانِ ولَم يحاول السباحةَ حتى ، استلقى في يومٍ صيفيٍ شديد الحرارةِ ، وكان يُفكرُ بماذا انقضى عمرهُ ، حزنَ ثم ابتئس ثم لم يصحوا بعد ذلك ابداً .. حققت امنيتهُ ، لريما إرتاحَ في قبرهِ
أما سعيد فقد بقي يُطاردُ خيالَ حبيبتهِ حتى أن أملهُ عقد أملاً ، وجعلَ لكُل شيء بداية ونهاية الا سقفَ توقعاته لم يكُن له لا بداية ولا نهاية ..
وها هو الان في عُمرِ الخمسين يُطاردُ شبحاً وما زالَ ياملُ بلقياهُ حتى اذ لقاهُ في الشارعِ واذا بها قد امست جدةً ، في وقتٍ أنهُ لم يُفكر بتحاوزها حتى ..

اما ‏ ‏من اصابه إلياس فقد قتلَ وحيد
وأما الامل فقد اماتَ سعيد في حياتهِ
" هل لا سالتَ اليومَ مَن رحلوا ، هل يقتل اليأس ام هل يقتلُ الاملُ" ..

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: May 03, 2022 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

نقائض الاشباه Where stories live. Discover now