١

15.4K 165 28
                                    

الشخصيات :
_تركي الجاسم (ابو سند)
عياله
-سند(٣٣ سنه)
-ريم (٢٨ سنه)
-راجح (٢٦ سنه)
-ذكرى (٢٣ سنة)
-جواهر (٢٠ سنه)
_جاسم الجاسم(ابو بتّال)
عياله
- بتال(٢٧ سنه)
-بدر (٢٦ سنه)
-ليان (٢٠ سنه)
- مجد(١٨ سنه)
_عبدالرحمن الجاسم(ابو نوف)
عياله
-نوف (٣٠ سنه)
_ليلى الجاسم (ام عبدالله)
_البطلة :ورد(١٨سنه)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
في إحدى ليالي الشِتاء الباردة، حيث المطر ينهمر بغزارة على زجاج النافذة ، والبرق يضيء بين تارةٍ وأخرى ليتغلّب نوره على على أنوار المنزل الضعيفة ، الساعة تشير إلى الثانية صباحاً بعد مُنتصف الليل.. كلّا
الساعة تشير إلى فارق وقت بين قلبين
فبينما هي في منتصف ليل الجوع والألم ..كان هو نائم
كانت تجلس على الأرض وترتدي وشاح خفيف باللون البني الداكن ، وأمامها كوب من القهوة ، ترا بُخار حرارتها يتلاشى معلناً برودتها ، ولم تُعِره إهتماماً إلا بعد ماسمعت صوت باب المنزل وهو يُفتح ، وعلمت بقدومه ، أخذت كوبها لتنشغل فيه وتُعدم توترها من قدومه ورفعت عيناها ناحية باب الغرفه لتراه واقف وهو يرتدي ثوب أبيض ومعطف أسود من الجلد وقد امتلئ بقطرات المطر ، وعلى وجهه إبتسامة أسَف وبيده حافظة طعام وقال بصوت متعجّب : علامك ماتردين السـلام ؟
رفعت عيونها لتظهر له ملامحها البارده وقالت بدون نفس : وعليكم السلام
جلس قدامها وقال بهدوء : طيب وش بك ؟ اول لامنّي جيتك فز قلبك قبل لاتفزين ، الحين ليه ماهمّك؟
سكتت وهي تناظر له بنظرات ساخِرة وتخلو من المشاعر .
نزل الحافظة قدامها وهو يتنّهد : عالعموم ، اسف على التأخير ، صار لي حادث بسيط واضطريت اتأخر عليك بالعشاء ، اكيد انه برد ، سخنيه وتعشًي ونامي ، لاتسهرين
ماردّت عليه ولا ناظرت فيه ، وحسّ إنه بينفجر من الغضب، مايتحمل التجاهل من أي شخص وهي على علم بذلك .
قال بنبرة حاده : يابنت وش اللي صابك ، تكلمي وش فيك ؟
لاردّ منها ، ونظراتها الساخره زادت غضبه وقال بنبرة هاديه يخفي فيها نبراته الحادة : ورد !
ناظرت لعيونه مُباشرة وأبتسمت : هاه ياسند ، انت اللي وش فيك
سكت شوي ، أخذ نفس عميق وقال بهدوء : مافيني شي ، انا ابي اعرف وش اللي غيرك ؟
ورد وهي تضع كوب القهوة بينها وبينه ردّت بصوت خافت : قهوتي تبرد اذا طال انتظاري ..كيف مايبرد شغف قلب وهواه؟
وقع كلماتها كان مثل وقع السيف على قلبِه ، ضاقت عيونه متعجب من كلامها .. ارتسمت على وجهه شبه إبتسامه وقال بهدوء : كل هذا عشان تأخرت عليك امس واليوم بالعشاء ؟
صدرت منها ضحكه عاليّة ، أعلى من صوت المطر
وردّت بذهول : افا .. تفكّر ان اكبر همي الأكل ؟
سكتت شوي وهي تنزل راسها تنهّدت : لا مو عشان العشاء
غلطان ياسند انا مابي منك اكل
سند : اجل ؟ قولي اللي بخاطرك ، من متى وانتي تخبين عني ؟
ورد : مابي اقول لك ، خذ عشاك وامش وراك
رجعت خطوتين وهي تسند ظهرها على التكايه وتكتّفت وصدت عنه وملامحها مكتسيه بالزعل والنفُور .
وقف وهو يردد : مالي حيله معك الليلة
تعشي وبلا عزة نفس مالها لزوم ، يالله سلام
طلع وهو يرد على مكالمه وصلته ، سمعت صوت الباب وهو يتقفل
وقامت لغرفتها وهي تسبّه بينها وبين نفسها وتسبّ عائلته
وكل ماوقف بينه وبينها.. هو كل ماتملك
نعم هي لاتمتلك سواه فهو الأب والأم ، والـسَند .
دخلت سريرها وأستجمعت قواها ولملمت أشتاتها وهمست لنفسها :
ابشر بالعوض ياخاطري ، مسألة وقت مو أكثر ..

سَـنـد وهو يقفّل باب بيتها : هلا يمّه ؟
ام سند : وينك تأخرت ، ارجع الدنيا مطر
سند : قريب يمه ، نامي لاتحـاتين
ام سند : الله يحفظك.
قفل منّها وإتصل بعمته " ليلى" هو يدري أن الوقت متأخر
لكن مافي أحد يفهم ورد الا ليلى ، وهو ملزم يعرف وش فيها ورد .
ردت عليه بصوت منخفض : هلا سند
سند : آسف أزعجتك
ليلى : ايه وش فيك عسى ماشر ، حتى أبو عبدالله استغرب من إتصالك
ختمت كلمتها بضحكه وهو عارف انها تنبههّ ان زوجها جنبها
لكن ما إهتم : ابسألك عن ورد
ليلى بربكة : تقصد جواهر اختك ، شفيها عسى ماشر ؟
سند : ورد مو جواهر ، فيها شي ، انتي تدرين صح ؟
ليلى : لا ماكلمتها لي يومين ، ليش انت مسافر ؟
سند ماقدر ياخذ منها حق ولا باطل وهو عارف من الأول
انها ماراح تتكلم عن شيء بحضرة زوجها لكن حاول
تنهد وقال بضيق : خلاص ، بمرك بكره العصر واشوف .
ليلى : حياك الله، مع السلامه.
قفل منّها ورفع كفه لراسه ومرر أصابعه بشعره
وتنهّد وشعوره بقلّة الحيله يطغى على كل شعور آخر ..
آه ياورد ليتك تدرين
لا زال في كل مرة يُخيّر بها، يختارها و لا يُبالي بما سيحدث له.. يختار الطريق الذي يؤدي لها و المكان الذي توجد به، بغض النظر عن سوء الظروف التي تعيش بها ، بغض النظر عن أي شيء. •
مرارة واقع .. قسوة مُجتمع .. وشقاء ايامٍ عصيبة !
صباحٌ جديد .. وشقاء يومٍ جديد ، كانت تمشي بخطوات سريعة
متجّهه لمكان عملها البسيط ، صدرت منها صرخة ألم وذُعر
ورفعت قدمها اليمنى ونزعت من حذائها الرفيع مسمار مشت عليه
بدون أن تنتبه ، رمته ع الارض وهي تداري ألم قدمها بسببه .
وقفت عند المكان المطلوب وتحديداً عند الباب ، رفعت كفّها الناعمه وطرقته ثم اوجهت كفّها لحجابها وهي تغطي خصيلات
من شعرها سقطت حينما انحنت لترى قدمها .
في اثناء إنتظارها مرّت في منتصف الشارع سيّاره فارِهه
يقودها شاب مجهول الملامح بسبب تلك النظارات الشمسيّه السوداء وبين اصابعه سيـجاره اخذ منها قدر كبير من الدخان وزفره
وهو ينظر لها بنظرات أستغربها من نفسه بينما هي لم ترَ تلك النظرات
ولم تهتم من الأساس ، تأففت بضجر وعادت تطرق الباب بقوّه : يا نـوف أفتحي بسـرعه
وصلها صوت من داخل : جايّه جايّه الله يكسر راسك مثل ماكسرتي هالباب
أنفتح الباب ليكشف عن فتاة جميله وبملامح قاسية
ونبرات غاضبة : متى بتتعلمين الأدب يا .. ورد ؟
تكتّفت ورد وهي تحاول ان تكتم غيضها وكرهها لهالأنسانه
ردت بصوت واطي علشان ماتسمع نوف نبرة الحقد والكره : تعلمي الادب انتي وبطلي تفتحين الباب وتوقفين هالوقفه قدام الرجال !
نـوف أنتبهت للسياره اللي بنصف الشارع وماتبعد عن بيتها الا خطوات بسيطة وصاحب السيّاره مستمتع بالنظرات لها .
دخلت بسرعة ودخلت وراها ورد وقفلّت الباب وما أن التفتت لها
الا انصدمت بنظراتها لها ، صحيح أنها تعودت على نظرات الإستحقار
لكن هالمره كانت نظراتها مُرعبه ، وهدوئها أدخل الشك لقلب ورد
تقدمت لها وقالت بصوت هادي : تراي متفضله عليك
وجايبتك تشتغلين عندي رغم اني مو بحاجة خادمه
لاتخليني اطردك وأرميك زي الكلبه ها ، أحترمي الفاظك
ولاتتدخلين فيني مرة ثانيه ، ادخلي بسرعه ، وأبدي بغرفتي نظفيها .
غمّضت عيونها ورد والألم يعتصر قلبها من كلمة خادِمة
ماتمنّت في هاللحظه الا انها تكون بمـكان نـوف ، ونـوف بمكانها
وتسمّعها نفس الكلام ، وترميها بنفس النظرات
وتدوس على كـرامتها لأجل المـال فقط ،القليل من المال
لقمة عيشها ، أجبرتها تكون في حـرب مع البشر ، ومع نفسها
حرب لأجل الفوز بالحياة ، إما ان تفوز ، أو تموت.
دخلت للبيت وعيونـها سرحت فيه ، بيت بسيط لكن بنظر ورد كـان جنّه
أصغر غرفه بهالبيت أكبر من بيت ورد ، تذكّرت كلام نوف لها
ذلّ ومهانه وتكبّر متحملته من ثلاث شهور
وكأن الدنيا ملك لها او كأنها تمتلك مفاتيح الجنّه
سحقاً لها بماذا فرقني الله عنها حتّى لاتراني شيئاً ؟
اومئت براسها وأشتعلت مشاعرها حزناً وقهراً ، همست لنفسها بتضجّر : بيننا فوارق بكلّ شيء ، يحق لها تشوف حالها ياورد !
هي عندها بيت ، وإسم ، وعائلة معروفه
عندها فلوس تكفيها عمرها كله ، لكن انتي ياورد وش عندك؟
حتى هويّه ماعندك ، شهادة ميـلاد ماتملكينها
أسم أب يلحق اسمك ماعندك ، حتى دراسه مادرستي
ولا تعرفين تكتبين اسمك اللي من ثلاث حروف
ثلاث حروف صعبـت على يدّك ..
والـسبب ؟
زاد الألم بقدمها وكأنه ينبههّا أن تنتزع من أفكارها السوداوية
جلست على الأرض بفوضويّه ورفعت قدمها وشهقت لما شافت دمّ خفيف ، فتحت شنطتها الصغيره وأخذت منديل ومسحت مكان الجرح وغمّضت عيونها لتخفف من أوجاعها الى أن حست بوجود شخص حولها فتحت عيونها مذعورة وشافت قبالها نوف ، ونظرات القرف في عيونها وقالت بصوت غاضب : وين جالسه انتي بالشارع ؟ اجلسي زين الله يفشلك
وقفت ورد وأنحنت وهي تلبس جزمتها -أعزكم الله -من جديد .
تقدمت لها نوف بصوت خطوات مسموعة وكأنها قاصدة ان ورد تنظر لحذائها الـGucci .. وقفت قدامها وهمست بإبتسامة خبث : تبين مثلها ؟
ورد بدون لاتناظر فيها ردّت بحدّه : لا
نوف : ليش لا ؟ أنا لو مكانك أخلي عزة النفس لأهلها
نظرت لها ورد بقوّه ومن قهرها مالقت الرد المناسب لإسكات هذه المتعجرفة البغيضة ، أكتفت بالصمت لكن نوف لم تكتفي
وأكملت : شكلك ماتبين مثلها ، تبينها هي
لكن مابخليها تروح بنفسك ، خذيـها .
نزّلتها ودفعتها للأمام ناحية ورد ، تجاهلتها ورد ومرت من جانبها
متجهه لغرفـتها نزلت شنطتها وأتجهت لسرير نوف وبدأت بنفضه
وإعادة ترتيبه ، ونوف لاتزال واقفة وعلى وجهها إبتسامة إنتصار
وكأن ورد سلبت منها شيئاً عزيزاً او تسببت في مقتل أحد أحبابها
لكنه مادار في بينهما ليس لسبب معيّن
إنما هو حكم القويّ على الضـعيف .
-🤍-
خلّها تروح بحال سبيلها ونــرتاح منّها .. صارت همّ علينا
نزّل فنجال القهوه من يدّه وعقد حاجبينه بتعجّب من كلامها
ردّ بإبتسامة : صادقه أنتي ياعمه ؟ لا أكيد أنك كبرتي
و قمتي تقطين خيط وخيط
عقدت حواجبها بعدم إعجاب بكلامه وأسلوبه في الحديث معها
وردت بصوت حاد : وش متوقعني أقول لك ؟
هذي الحقيقه حتى لو ماترضى بها ، وليتها حقيقة تبيّض الوجه !
الا من سواد الوجه اللي فيها ماودك تقولها حتى بينك وبين نفسك
سكتت شوي وهي منزله عيونها ماتبي تعرف ردّة فعله
ولا تبي تشوف ملامحه ويرق قلبها عليه لإنها بطبعها حنونه
ولا تحب ترد لعيال أخوانها طلب وعلى وجه الخصوص سَـنَـد .
كمّلت وهي تتصنع القسوه : تسمع يا سنـد ؟ أقطع هالسيرة من حياتي
لو سمعني زوجي ولا شم خبر بينهدم بيتي واتطلق وتروح السمعه
وانت تشوفني لا ام ولا اب يضفوني ، وماني مخاشره حريم اخواني على بيوتهم !
نزل راسه وهو يستغفر ثم رفع راسه بإندفاع : ياعمّه لا تربطين المواضيع ببعضها ، انا بس ابيك تشوفينها وتشوفين وضعها
هذي انا وياك مسؤولين عنها !
طال سرحان ليلى بكلامه لتردّ بإستغراب : لا مو مسؤولين عنها !
خلاص ربيناها وعلمناها شلون تتكلم ولو نقدر نسوي أكثر
ماكان قصّرنا معاها ، لكن الحين لو استمرينا معها بنضيّع عمارنا
انا بيخترب بيتي ، وأنت !
سكتت لبُرهة وكمّلت بضيق : وأنت كبرت وشاب راسك وشاب راس امك وهي تحتريك تعرس تفرح فيك ، وانت ماعندك هموم بهالحياه الا هالورد خلها عنك ياولدي ، اللي خلقها ماينساهـا .
سـند : أنا مو مستوعب ، عمّه !
ناظرت فيه وكمّل والضيق بعيونه : هـانـت علـيك وَرد ؟
بلعت غصّتها ولمعت عيونها ولا ردّت ، ولا هي قادره ترد
سـند : لاحول ولا قوة الا بالله ، من الآخر ياعمه
ورد انا مستحيل ابعد عنها بعد هالعمر، ورد انا اللي لاقيها
انا اللي مربيها كيف تبيني اخليها الحين ؟
ليـلى تنهّدت بمـلل : بكيفك ، اصلاً انت حتى مو راضي تقتنع إنها ماتجوز لك وعيب تكشف عندك وتناظر فيها ، خاف الله بنفسك.
وقـف وهو يتجاهل يمناها اللي مدت له فنجال ثاني من القهوه
وقال بهدوء : دايمه ، أشوفك على خير.
خرج من منزلها وركب سيّارته وإتجه ناحية بيت ورد ، وماكان بعيد
وصل ونزل وكانت معه نسخه من المفتاح ، فتح الباب ودخل
وكان متوّقع يشوفها قدامه بالصاله، لكن ماشافها .
دخل غرفتها ، والمطبخ الصغير ، ولا لقاها ، زاد أستغرابه
وين راحت ولمين راحت ؟ ومع مين ؟ ألف سؤال وقف براسه
وجلس ينتظر الأجوبه مع جيّتها.
-🤍-
في بيـت نوف ، عند وَرد
كانت جالسه في الصاله وسانده ظهرها ، كلام نوف يتردد براسها ، والقهر معميها وحارق جوفها.
قربت تصير الساعه ١٠ الليل وهي مارجعت ، تأخرت عليها نوف
ملّت من الإنتظار ووقفت بتطلع ، بوقفتها إنفتح باب البيت
ودخلت نوف وهي شايله بيدها أكياس كثيره وواضح إنها راجعه من السوق ، ناظرت فيها بتمّعن وقالت بحده : ليش ماطلعتي للحين ؟
ورد : أنتظرك تعطيني فلوسي ، يالله اخلصي علينا
نوف تجاهلتها ودخلت غرفتها ونزلت أكياسها وعبايتها على السرير وطلعت وهي شايله بوكها بيّدها وعينها على ورد ، لكن ورد عينها بمكان ثاني وتتحاشى النظر لنوف علشان ماتوضح لها كميّة الكره اللي بعيونها.
نوف بنبره ساخِرة : ليش ياعزيزتي أخرتك على أهلك؟
ورد ناظرت فيها بعيون حاده وقالت بتشديد : حالك مثل حالي
وين أهلك انتي ؟
نوف : ابوي مات بالغزو ، شهيد وأفتخر فيه ، أمي توّفت العام
صدق ان مالي اخوان لكن يكفيني أسم ابوي وسيرة امي وطاري خوالي وعمامي اللي اسمهم من هيبته لو تقولينه قدام صخر انفلق نصفين !
وَرد رغم ان الشماته كسرت روحها وخاطرها لكنّها ضحكت غصبً عنها وبداخلها تحلف إنها مريضه.
نوف : بالله قلت شيء يضحّك وانا ماادري ؟
طلعت من بوكها ١٠٠ ريال ورمتها على ورد وقالت وهي تحاول تتماسك : يالله ضفي وجهك ، ولاتجين بكره !
ورد أخذت الفلوس وكأنها تمسك بين يدينها قلبها من بشاعة الشعور مشت خطوتين وقلبها تحسّه يتلاشى من فرط القهر ، يا الله !
حدتـني الدنيا اذلّ نفسي ، حداني وقتي لنوف وأشكال نوف .
غمضت عيونها بقوّه وهمست : خـلاص ، الى هنا وبس !
التفتت لنوف ورفعت الفلوس بوجهها وقطعتها الى نصفين
وقالت بصوت هادي حاد : ماجت بطيب خاطر لا تجي بالمنّه
أنتي لو الرزق بيدك كان خلق الله ماتت جوع ، سوّد الله وجهك !
أتجهت للباب وأول مافتحته أستوقفها صوت نوف : ماعليه
بتجوعين وتجين لي ، مردّ الكلب لراعيه.
ورد رفعت حاجب وأبتسمت : انتي مو طبيعية ولا في أحد بعقليتك
بس بقول لك شيء ، اذا انتي تملكين مال وعز وجاه وشهاده
انا أمتلك عـقـل ، وماتوقع انك ملكتيه ، واللي مامعه عقل خاسر..
طلعت وهي تسمع ضحكات نوف الساخره : خلي عقلك يعشّيك الليله .
طلعت وَرد وهي تحسّ بسكاكين داخل صدرها ، ماقدرت تحبس دموعها اكثر ، تجمّعت بعيونها مثل المطر وأنهمرت بغزاره
مشت بطريقها بخطوات سريـعة وكل مافيها يدفعها للخلف
تمنّت لو تقتلـها وترتاح وترد إعتبارها وكرامتها .
وصلت للبيت وما أنتبهت لسيّارة سند ، دخلت وهي ترخي حجابها
وطاحت عينها عليه جالس بالأرض ويحركّ سبحته بين اصابعه
وعيونه تناظر قدامه بهدوء تام.
ناظر فيها ثواني ، كان نصف شعرها من قدام طالع
وعبايتها اللي شهب لونها مفتوحه ، شافت نظراته
وعرفت وش بيقول جمعت عبايتها على جسمها وتكتّفت .
وقف وإتجه لها الى ان صار قبالها وتأكد من شكوكه
وعقد حاجبينه بصدمة : وش يبكيك !
أنتبهت لنفسها ورفعت كفها ومسحت دمعتها الطارفه
وقالت وهي تتصنّع العاديه : عادي يعني وليش ما أبكي ، ليش مستغرب ؟
سند : ورد ، انا ماخبرتك تبكين على أي شيء، وش صار معك
سكت شوي وقال بعدم رضا : أصلاً ليه تطلعين ، ووين رحتي
تعدّته وأستوقفها صوته : لحظه لحظه ، لا زودتيها شوي
جلس ع الأرض وسند ظهره ع التكّايه وقال بلهجة امر : أجلسي
لي كلام معك
وَرد ماتعرف وش اللي فيها من اللي صار كله لكنها مابعمرها قالت له لأ
ولا تتجرأ تنطقها له ، تقدمت له وجلست خلفه .
استجمعت نفسها وقالت بصوت عادي : استعجل
ضحك لإنه عارف إنها تتعمد توضح له زعلها وبنفس الوقت
ماتقول وش اللي يزعلها ، رفع ايدينه لها ومسك كفّها وباسها بقوّه
وكأنه يمسح على قلبها بحركاته ولطافته معاها، انفكت عقدة حاجبينها وابتسمت ، رفع عيونه لها وهمس : وش اللي مزعلك مني ؟
ورد : ولا شيء ، انت وش جايبك الحين
رفع لها جواله وطاحت عينها على إتصالات فائته ورسائل كثيره
وقال وهو يقطع إستغرابها : معزوم عزيمتين عند اخوياي
وأهلي مجتمعين وودهم أني معهم ، لكن انا تركتهم وجيتك
ورد سكتت وقال وهو يمسح على يدها : مشينا على كيفك
نبي خاطرك ينزاح ، ندوّر سعة صدرك لو انها تضايقنا.
لمعت عيونها رغم ان الكلام فرحها لكن ابتسامتها تلاشت
وكمّل سند : يالله قولي اللي بخاطرك
ورد : تبي تتزوج صح ؟
سند سكت يستوعب وكمّلت ورد : صحيح ان الموضوع يضايقني
بس عادي انا ماراح اوقف بنصيبك ، انت ماقصرت معي
اقدر أعتمد على نفسي الحين.
سند وقف وبهدوئه المعتاد وكأن الموضوع مايعنيه : لا يابنت الحلال
مافكر بالعرس الحين ، واذا جاء النصيب يفرجها الله
بس انتي من اللي يحرث براسك ؟
ورد سكتت ماحبّت تزودها بالموضوع هذا
وكمّل سند : ادري انها عمتي ليلى ، بس ماعليك منها ، ناقصك شيء ؟
ورد : ايه ، ماتعشيت
سند : لو إني جايب لك عشا كان طردتيني انا وعشاي
ورد : لا تجي متأخر عشان مااطردك
سند : ان يصل متأخراً خيراً من أن لا يصل
خـرج وصوت ضحكته يتعالى حتى أغلق الباب ، سرحت عيناها ببريق دموعها ، وعقلها يثرثر بكلام نوف اللي لازال كالعلامة في قلبها، شهقت بنفسٍ عميق وكأنها تحاول غسل صدرها من حرارة الكلام ومرارته .. كم ودّت لو أنها تنتزع روحها بعيداً عن هذا الجسد ، عن هذا المكان، عن هذا الهراء الذي يحيط بها ولا ينتهي .
النهار ليل ، و وجه الليل بلا عنوان !
-🤍-
أنتشرت هالكلمات في قمّة هدوء المجلس ، توّجهت الأنظار لصاحبة العِبارة بتعجّب ، كمّلت وهي تستجوب نظراتهم : هذي اللي صار بعد مرض أمي ، احس خلاص ماعاد بالدنيا شيء يستاهل نعيش له !
عقدت ريم حاجبينها وقامت جلست جنبها وقالت بصوت حنون : وش هالكلام الله يهداك يا ذكرى !
ذكرى : انتي ماتحسين يا ريم ، أمي مريضه وبأي لحظه تموت وتعاتبيني على كلامي ؟
ريم : أمك هي أمي ، ونفس النار اللي تاكل بقلبك تراها تاكل بقلبي ، لكن ان راضيه بقضاء الله ، أدعي لها بالشفاء .
ذكرى : مو بيدي ، بروح أشوفها
ريم : لا تطولين عندها
ألتفتت ريم لأختها الثانيه جواهر ، تنهّدت بضيق وبرمشة عين سحبت جوّالها من يدّها وصرخت جواهر : وجع وش هالحركات ، بتصيرين ام وهذي حركاتك !
ريم : شوفي نفسك وأنتي ليل ونهار ماسكه هالجوال ، ياخي فزي شوفي لك شغله سويها !
جواهر سحبت جوالها وقالت بقهر : مو شغلك ، اصلاً انتي ليش جايتنا ارجعي لبيتك ، أوف
فتحت جوالها وألتهت فيه من جديد ، ريم أرتفع ضغطها لكن ماحبت تتكلم اكثر .
أنفتح الباب وألتفتوا له وأبتسموا لما شافوا عمّتهم ليلى ، ووقفوا يسلمون عليها , وأول سؤال سألته كالعاده : وين سند ؟
جواهر اعتدلت بجلستها وقالت بشكّ : وانتي ماعندك عيال اخ غير سند ؟ عطينا وجه ياهو
ضحكـت ليلى : كلكم حبايبي بس سند عاد صديقي ، تخبرين مافي فرق بيننا بالعمر
جواهر سندت ظهرها وحطت رجل على رجل : ايه ، عنّي اذا مافي بينكم سالفه انتي وياه !
ليلى بتوّتر : سالفه مثل ايش يعني ؟
جواهر : والله مادري ياعمّه ، بس مو طبيعي اللي يصير ، هو كل مادخل قال جيت من ليلى ، واذا طلع رايح لـ ليلى ، واذا اجتمعنا تقعدون مع بعضكم وتغيبون بالسوالف ، هذا من غير المحادثات ، اطول من حياتي !
اتسعّت عيون ليلى بصدمه : تقرين المحادثات ياقليلة الحيا ؟
جواهر : لا حاشا للّه ياعمه انا ما أتطفل ولا ربتني أمي كذا ، لكن مره شفته وهو يراسلك ، وشفت وش كثر الكلام اللي بينكم !
إرتخت ملامح ليلى براحه ، وردت وهي عارفه كيف تقنع جواهر وتشبع فضولها : خليها على ربك بس ، انتي تدرين ان مالي بعد الله الا انتم ، وسند على وجه الخصوص لإننا متربين مع بعض ، حتى ابوك ، اخوي الوحيد والمفروض اني اشد الظهر فيه ، لكن وينه ياحسره !
جواهر وكأن موضوع ابوها رش الملح على جروحها وبانت في ملامحها الضيقة : عنّه ماجاء ، أصلاً مانبيه ، اصلاً لو يجي ماراح اخليه يدخل البيت ، قطيعه .
ريم وهي تقهوي عمتها : ماعليك منها ياعمه ، هذي طويلة لسان ، حتى ابوها ما أحترمته.
جواهر : خليه يحترم عمره اول وبعدين نحترمه .
ذكرى دخلت غرفة أمها وفتحت الشباك علشان تجدد هواء الغرفة
ناظرت لأمها بسريرها ، أوجع قلبها منظرها ومنظر الأدويه قدامها
ملأ عيونها الدمع وكأنه حالف مايتركها أبد ، جلست جنبها
وقالت بصوت هادي : يمه
عادت الكرّه مرتين وثلاث إلى ان فاقت أمها
ذات الملامح الشاحبه الهزيلة وبصوت تعبان : هلا يمه
ذكرى :  موعد علاجك الحين
جلست أمها بمساعدتها ، وعطتها ذكرى ادويتها ، ورغم تعبها
اخذت جوالها وقالت بهدوء : اتصلي لي على سند ، ماشفته اليوم
ذكرى ناظرت فيها بنظرات حزن ، حتى بقمة تعبها تتفقدهم
وتخاف عليهم ، نفسها تقول لها سند لو يخاف الله فيك
ما إنشغل عننا وعنك ، لكن تعرف قلبها عند عيالها مايسمع .
إتصلت لها على رقم سند وطلعت وتركتها تكلمه ، بطلعتها قابلت راجح ووقف قبالها وقال بهدوء : ها شخبارها الحين مو احسن
ذكرى : الحمدلله احسن ، عطيتها علاجها
راجح : حلو اجل اعزموا كل من يعز عليكم بكره ، بسوي عشا لسلامتها
ذكرى : امي مريضه أي شي يتعبها وإنت بتجمع الناس في بيتنا ؟
راجح : يابنت الحلال الناس تبي تشوفها من اسبوع وحنا مانعينها ، امداها صارت احسن
ذكرى : لا ماصارت أحسن ، امي تعبانه من الكيماوي افهم عاد .
سكتت شوي وكمّلت بسخريه : لو تهمك صحتها ماسويت كذا
لكن انا اعرف وش تفكر فيه !
رفع حاجب وهو عارف مقصدها مسك ذراعها بقوّه المتها
وقال بغضب : لسانك لاتطولينه عشان ماادفنك بقاعك تفهمين !
دفّها وطلع من البيت ، حست يدها تخدرت منه
وحاولت قدر الإمكان تمسك نفسها لكن الألم أقوى
دمعت عينها وحاولت تتناسى كل شيء عاشته
وتصير قوّيه علشان امها، لإنها بأصعب فـترة بحياتها..


راجـح وقف عند سيّارته وطاحت عينه على بيت نوف اللي جنبهم
كانت طالعه منه وصوت كعبها واصل له ، اتجهت لسيّارتها مع السايق واستوقفها صوت راجح : لحظه لحظه
نوف وقفت ورفعت حاجب : عفواً ؟
راجح : وين رايحه ماتشوفين الساعه ؟نوف اذا تحسبين ماوراك احد يحاسبك ترا غلطانه ، انتي بنت عمنا ومحسوبه علينا
نوف : اقول روح اهتم بأهلك اول ، على بالك ماندري انك تسافر بالشهور وساحب على امك وخواتك
راجح كان كلامها مثل الصفعه على وجهه وبان بملامحه الغضب
وكملت نوف بلا مُبالاة : بس صدقني انا مافي احرص مني على نفسي وسمعتي وسمعتكم !
قبل لا يرد راجح طلعت عمته ليلى ووقفت بينهم
وقالت بربكه : وش فيكم !
نوف : راجح الله يهديه جاي يحاسبني
ليلى : الله يهديك ياراجح نوف اكبر منك لازم تحترمها
راجح : اخطيت ياعمه يوم قلتلها الوقت تأخر وعيب تطلعين ؟
ليلى : لا معك حق بس انا بروح معاها ، مشوار قريب وراجعين
راجح : اذا كذا زين ، لا تتأخرون!
وصلت ليلى ونوف بيت ورد ، نزلوا ووقفوا قباله
ومسكت ليلى يدّ نوف بشده وناظرت فيها بنظرات حاده .
ووقفت نوف مستغربه : وش فيك ياعمه
ليلى : مثل ماوصيتك ، تعتذرين لـ ورد
نوف تكتفت : درينا ، كم مره عدتي الكلام ؟
ليلى : تعتذرين لها وتقولين لها ترجع تشتغل عندك
نوف : ماراح ترضى ، بس بنحاول
إنفتح لهم الباب وشافوا ورد ، عفست ملامحها بتعجّب لما عرفتهم .
ليلى : بنوقف كذا يعني نناظر لبعض ؟
ورد بدون نفس : حياك عمه ليلى
دخلت ليلى وهي تسحب نوف معاها ونوف معصبّه لأنها ماقالت تفضلي ، سحبت يدها وقالت بقهر : ترا جيت ودخلت عشان عمتي
ورد تجاهلتها ودخلت قبلهم ، ليلى اشرت لنوف انها تمسك لسانها ونوف كشّرت بعدم رضا ودخلوا ، انصدمت نوف من صغر البيت وكأنه جُحر ، صدق انها كانت متوقعه ورد ساكنه بمكان صغير لكن اللي ماتوقعته انه يكون بكل هذا السوء.
ورد : حياك استريحي عمّه
نوف : وانا ماني بعينك!
ورد : وانا بعينك يوم انك سمعتيني كلام مثل وجهك ؟
نوف أجبرت حالها وقالت بنرفزه : اسفه ، وحقك علي
ماخفى على ورد نبرات الإجبار بصوت نوف ، نفسها تعرف ليش تكرهها الى هالدرجه ، هي تسمع عن نوف من زمان وتعرف انها طيبة ومحبوبة ، لكن بعد ماأشتغلت عندها ذاقت المُر ، عمرها ماتوقعت يكون في انسان بهالقسوة، لكن بعد ماشافت نوف تغيّر كل شيء ، ولا هي قادرة تترك الشغل عندها لإن ماأحد راضي يشغلها عنده غير نوف وبطلب من عمتها ليلى ، لإن ليلى ماتقدر تصرف عليها كونها ربّة منزل وعندها اولويات وأطفال ، صحيح إن سند مايقصر معاها لكن الى متى بتعتمد عليه ، مصيره بيتركها وينشغل عنها .
نوف : خلاص ورد قلنالك اسفه ، تقدرين ترجعين لي وبزود يوميتك بعد
ورد : ماعاد ابي اشتغل عندك
ليلى : ياحبيبتي ياورد هالمره بوجهي ، ماعليه اعذريها نوف تمر بضغوطات واغلطت عليك بدون قصد منها.
ورد وهي تحاول تخفي نبرات الإنكسار : لا ياعمه، نوف تقصد كل كلمه قالتها لي ، لإن لو خانها التعبير ، نظرات عيونها ماتكذب ، ودها تقتلني .
نوف نزلت راسها ولاعرفت وش ترد ، وليلى لازالت تخلق سبعين عذر لنوف .
ورد : خلاص ياعمه ليلى ، حياتي ماهي واقفه على نوف ، الرازق بالسماء .
نــوف ما أعجبها كلام ورد ، وحسّت انها بدت تفقد اللي خططت له ، تقدمت لها وقالت بإبتسامه : ياورد ياحبيبتي قلت لك اسفه ، والله ماكنت اقصد ، انا نفسيه معقدة اذا عصبت انسى نفسي ، ما أكرهك !
سكتت شوي وعيونها بعيون ورد وقالت بنبرة غريبه : أنتي ماسويتي لي شيء عشان أكرهك !
ورد ناظرت لليلى وشافت نظرات التوسل بعيونها
ليلى كانت تفكّر بكلام سند وسؤاله " هانت عليك ورد ؟" وجاوبته لما عرفت بالكلام اللي قالته نوف لها ، وكيف كسرت بخاطرها.
ماهـانت علي ورد ولا يهون علي اشوفها كذا ، لذلك لازم اوقف معاها واساعدها ، ومالها بعد الله الا نوف تساعدهـا .
ربتت على كتفها بحنان أم : ها حبيبتي ، والله لمصلحتك ، واذا كررت نوف حركاتها انا اللي بزعل منها وعمري ماراح أكلمها !
ورد تنهّدت وقالت بهدوء : طيب ، بكمل معاها .
ليلى : عفيه عليك ، بس سند لايدري ، يعني مو حلوه بحقه
يشوف البنت اللي مربيها وبمقام بنته تشتغل عند بنت عمه !
ورد : ماراح يعرف ، أستريحوا بجيب لكم القهوه.
دخلت للمطبخ ، ونوف عينها للغرفه الوحيده بالبيت عرفت انها غرفة نومها ، جلست ليلى ونوف أشرت لها إنها لحظه وبترجع ، وقبل لاتعارضها ليلى دخلت نوف لغرفة ورد ، ودارت بنظرها لمسافة قصيره ، كانت الغرفه عباره عن سرير وخزانه وطاوله وفوقها مرايا صغيره ، كانت الغرفه فاضية ومافيها أي شيء يشد العين لذلك نوف بكل فضول فتحت الخزانه
وهي مرتاحه لإن اذا الغرفه فاضيه أكيد الخزانه فاضيه بعد
كانت الخزانه فيها ملابس بسيطه ، لكن اللي صدمها
وجود فستان باللون الأحمر ، فخامته غريبه وجديده على عين نوف
اللي لبست كل أنواع الماركات وشرت أجمل الفساتين وأغلاها
لكن هذا مامرّ على عيونها ابد ، بلعت غصّتها وهمست : من وين لها ؟
فتحت الباب الثاني من الخزانه وكان رفوف فاضيه الا من بوكس
كان الوحيد وكأنه يقول خذيني ، اخذته نوف بدون تفكير
وبيدين راجفة فتحته ، وأنصعــقت وحسّت الدم وقف بعروقها
لما شافت عقد ناعم وسواره وخاتم من swarovski, حلفت بقرارة نفسها إنه أجمل ماشافت عينها ، لمعت عيونها من جماله
ماتوقعت انها تشوف كل هالجمال في هالغرفه.
مررت أناملها على الخاتم وحست بغيض لما تخيّلته بيد ورد
والسؤال اللي حيّرها وحيّرنـا ، اذا هي امتلكت أضعاف مُضاعفة
من اللي شافته بغرفة ورد ، ليش قلبها إحترق من الغيره
وتمنّت انه يكون لهـا ؟ ماحسّت بنفسها وزلق من يدّها البوكس
وطاح ع الأرض وشهقت بذُعر والتفتت خلفها وشافت عمتها للحين جالسه ومعصبّه عليها وارتاحت لإن ورد مابعد طلعت من المطبخ
انحنت للبوكس وكان كل اللي فيه طايح ، رفعته وانصدمت لما طاح منه شيء ماشافته وواضح إنه مخبّى بإحكام ، كان كرت صغير
بدون ترددّ فتحته ثواني و الدمع ملأ محاجـر عيونها لما قرأت الكلام .. ( أبيع السنين اللي بدونك بـ رخص التراب ، وأساوم على اللحظة معك باللي أنتي به ).
أدمى قلبها ونزلت دموعها حرقه وقهر وخيبه
وهي تقرأ اسم صاحب الهديّه ( سـنـد ) .
غمضت عيونها بإستسلام لدموعهـا
أتعبتها نبضاتها من فرط الألم
حزنها أبلغ من الوصـف
الشخص اللي بعينها يسوى الدنيا وأهلـها ، ماحبّها !
الشخـص اللي راح من عمرها كثير وهي تنتظره ، ما إنتظرها !
ملكت كل شيء من الدنيا من مال وعز وزينه ، لكن ماملكت قلـبه.
وكل أحلامها معاه إنهارت ، من يوم ماعرفت إن سند بحياته بنت
وهي فاقده نفسها وعافيتها من شدّة الغيـره ، كيف الحين !
بعد ماعرفت إنه يـحبها ومتمسّك فـيها لآخر لحظه بحياته والدليل كـلامه..
جمعت المجوهرات من جديد لما سمعت صوت ورد ، وحسّت على حالها ، مسحت دموعها بسرعه ،لكن ورد كانت أسرع منها
دخلت غرفتها وهي مصدومه من جرأة نوف
كيف دخلت غرفتها وفاتحه خزانتها.
تقدمت لها والصدمه كانت أكبر لورد ، شافت البوكس بيّدها
وقالت بعدم رضا : وش تسوين نوف ؟
نوف وقفت وهي ترجّع البوكس مكانه قالت بصوت راجف : انا اسفه ورد  والله ماكان قصدي اتطفل على خصوصياتك بس..
سكتت ، ورد عقدت حواجبها بتعجّب : بس إيش ، لحظه
انتي تبكين صح ؟
نوف وهي تتصنع الطيبه والضيق : دخلت غرفتك عشان اشوف وش ناقصها واجيب لك ، وشدني هذا الطقم وفتحته
اعذريني من جماله ماقدرت اتعداه !
ورد ناظرت للبوكس والكرت بيدّ نوف وسرحت ثواني بعيون ناعسه وإبتسمت ، إبتسامتها ونظراتها شبّت النار بجوف نوف ، إلا زادتها لهيـب .
همست ورد بحسن نيّة : مو مشكلة ، عطيني وتعالي نتقهوى
اخذته من يدها هو والكرت وقالت نوف بتوّتر : لحظه قبل نتقهوى ، حبيت اقول لك انك تستاهلين الغالي ، سند كريم وانتي تستاهلين !
ورد سكتت ثواني وهمست : كيف عرفتي إنه من سند ؟
نوف ابتسمت بإستغراب : مكتوب من سند شفيك
عمّ الصمت بالمكان ثواني ، وغلب الطبع على التطبّع عند نوف
وقالت بسخريـه : ولا تحسبين الناس ماتعرف تقرأ مثلك
ورد بعدم إهتمام : اي ما أعرف اقرأ
نوف رغم كل اللي بقلبها إستانست من هالنقطه
يمديها تكذب عليها وتقول لها كلام غير المكتوب
وقالت بسرعه : طيب اسمعي ، سند كاتب ياشـ..
قاطعتهـا ورد وهي تسحب الكرت من يدها : لو أبي أحد يقراه لي كان خليت سند يقراه ، لكن انا مابي ، انا ابي اقراه بنفسي يوم اتعلم القرايه!
نوف حسّت بهبوط من بشـاعة الدنيا بعينها هاللحظه ، اومئت براسها بالقبول وهمست بإبتسامه حزينه : اللي يريحك .
سحبت نفسها وطلعت للصالة ، جلست جنب عمَتها ليلى
وعيونها بالأرض وتفكيرها باللي شافـته .
ليلى : علامك نوف مو على بعضك
نوف أستجمعت نفسها وقالت بهدوء : بكره زواج صاحبتي وناسيته ، وما أشتريت فستان ، توي تذكرت لما ارسلت لي !
نوف : بكره زواج صاحبتي وناسيته
وما أشتريت فستان ، توي تذكرت!
ليلى : خذي من بنات عمك طيب
نوف : لا مابي اخذ منهم ، يعني صدق هم طيبات
مايقصرون لكن مابي احرجهم
ليلى : لا احراج ولاشيء بتاخذين منهم
نوف : ورد انتي عندك فساتين ؟
ورد استغربت سؤالها : تدرين ان ماعندي الا الفلس
نوف : لا ماادري ، كنت احسب صدق عندك
بس يالله بسحب على الزواج ماراح احضره
ليلى : لا وش تسحبين يابنت الحلال عيب عليك
ورد فكرت تعطيها فستانها الوحيد اللي اشتراه لها سند
تذكرت نوف وكيف كانت تهينها باللي تملكه
صح انها ماتستاهل اللي يعطيها ، وصحيح ورد تحب هالفستان
وغالي عليها وتتمنى تلبسه ، لكنّها عارفه ماراح تلبسه ابد
وقفت وهي ملزمه تهديه نوف بطيبة قلب وبكرم منها
علشان توضح لها الفرق بينهم .
ليلى : وين تبين
ورد : تذكرت عندي فستان ، تعالي شوفيه نوف
قامت نوف بدون تردد ودخلت وراها ، فتحت ورد خزانتها
واخذت الفستان الأحمر الوحيد ، حسّت قلبها يوجعها
وهي تمده لها : تفضلي ، ماعندي غيره ، وماادري اذا بيعجبك او لا
لكن أقبليه هديه مني ، ترا جديد ما لبسته!
نوف وضحت نظرات الإعجاب من جديد بعيونها
وكأنها ماشافته قبل شوي ، مررت ايدها عليه
وقالت بذهول : ورد ، يجنن ، جماله عجيب ، من وين شريتيه ؟
ورد سرحـت فيه وقالت بشبه إبتسامه : هديّه
تبدلت نظرات نوف الهاديه لنظرات شـرّ وحقد ، لكن ورد مانتبهت
وكانت سرحانه بالفستان وكأنها بتغيّر رايها وترجع تخبيه .
نوف : بس الهديه اللي لك مايصير تهدينها لغيرك ،ماتعلمتي؟
ورد ناظرت فيها بنظـرات مافهمتها نوف لكنّها مليانه خبث
وكأنها تقول لنوف ترا فاهمتك وادري عن كل اللي يدور براسك .
ردّت ورد بهدوء : لا ماتعلمت بمدرسه ، ولا تعلمت بحياتي العاديّه
لإن ماعمري انهديت ، هذي الهديه الوحيده
نوف استجمعت نفسها وقالت بهدوء : طيب ، ماقصرتي ورد
احرجتيني ، جد انا ما استاهل طيبتك معي
ورد : عليك بالعافيـه
نوف سكتت ثواني وقالت بتردد : ورد ، انا اسفه لكن .. ممكن تعطيني مجوهراتك بعد ؟ لإني ماتجهزت
ورد سكتت بُرهه تحاول تستوعب وقاحتها لوين وصلت
ماقدرت ترفض وتنهّدت بضيق وطلعته من مكانه ، ومدته لها
وقالت بهدوء : عاد هذا ماقدر اهديك اياه ، البسيه ورجعيه لي
نوف سحبتّه بقوه وشدت عليه بين يدينها ، وانصدمت ورد
من تصرفاتها ومن نظراتها ، طلعت نوف من البيت كلّه
بدون ماتقول شكراً حتى ، ورد ندمت لكن تذكرت لإنها عطتها لوجه الله ..
ليلى وقفت قدامها وقالت بحنان : مشكوره حبيبتي ماقصرتي
هذا العشم فيك ، وترا نوف قلبها ابيض
لكن اللي مرت فيه اجبرها تكون كذا حتى معانا !
‏_
في بيت العمّ أبـو بتّال :
كانوا مجتمعين على طاولة الطعام ، والصمت سيّد المكان
وكل واحد غارق بتفكير مختلف ، والفارق الأكبر أبوهم
بينما هم يفكرون بأنفسهم ، كان ابوهم يفكر فيهم كلّهم
ويفكر بشخص خـامس غير أبناءه الأربـعه ..
قال بهدوء : نوف ماردت يا أم بتال ؟
بهت وجه أم بتال وأنتقلت نظراتها لإبنها بتّال ، اللي وضح الإنزعاج بملامحه وترك الملعقه وصدّ عن ابوه .
ام بتال : مادري شقول لك ، ماردت للحين
ابو بتّال : كم صار لنا مخبرينها ؟
ام بتال : شهرين وأسبوع
ليان : انا مادري متى نخلص من موضوع نوف !
ابو بتال : ماراح نخلص منه الا بزواجها من اخوك !
بتال شد قبضة يده وهو يتذكر كلامها عن ابوه وقال بهدوء : انسى موضوعها يبه ، انا ماعاد ابيها ، كم مره قلتلك ماراح توافق
وانت تروح وتخطبها ، ماتبيني وبصراحه انا مابيها ، هي اكبر مني !
ابو بتال : احتسب الأجر بهاليتيمه المسكينه وانا ابوك،
بنت عمك وانت اولى بها
بتال : مسكينه! ماظنيت والله
ابو بتال : مانبي الموضوع يطول ، اليوم بروح لها
واخليها توافق غصب عنها
بتال لما شاف ابوه ملزّم عليها حسّ بحارق بصدره
وقال بحده : يبه ، هذي ثالث مره تخطبها لي وترفض
البنت ماتبيني ليش ملزم تحط وجهي بالأرض !
ابوه غضب : بدال ماتحمد ربك اني ابي لك الزين
بتال ارتفع صوته : لا ماتبي لي الزين ولاهمك مصلحتي
انت تبي تزوجني نوف عشان الخير اللي عندها
ابوه انصدم وقال أمه وهي مرتبكه : الخير يروح لولد عمها
احسن مايروح للغريب !
بتال حسّ بتعب بصدره وقال بهدوء والضيق بوجهه : مابيها يبه
انت ماتدري وش اللي صار من وراك ، لكن دامك ملزم بقول لك !
تغيّر وجه ابوه وقال بحذر : عسى ماشر !
بتال : ترا نوف كلمتني ، وقالت انت وابوك طمعانين بفلوسي
ولو تنقلب السماء على الأرض ما اخذتك ، علم ابوك الطمّاع بهالكلام !
ابو بتّال ضاقت انفاسه ، وطال صمته ، وقطعت هدوئهم مجـد
لما قالت بضيق : وفوق هذا كله تراها تبي سند ، شوفوا كم صار عمرها وهي تنتظره ، وهو مو معطيها وجه لكن ماهمها
انا سمعتها تقول لـذكرى انها تنتظره العمر كله !
بتال : شفت يبه ، بالله هذي تستاهل انك تحن عليها ؟
ابوه وقف وقال بهدوء : اسمعوا جميع ، نوف بنت عمكم
لاتلومونها على اخطائها ، وانا عني مسامحها على اللي قالته
وبإذن الله ان مالها غير بتال ..
طلع لغرفته وماعطاهم مجـال للنقاش أكثر
بتّال مافي ولا كلمة توصف شـعوره ، هو متأكدإن نوف ماراح توافق
لكن اللي قاهره وحارق قلبه ان ابوه داس على كرامته
وخطبها له اكثر من مره رغم الرفض والكـلام القاسي.. ولا حفظ كرامتـه كـ رجل !
بعد ثـلاثة أيّـام :
في بيت ابو سند ، كان راجح مسويّ عشاء عائلي
إحتفاءً بعودة أمه من العلاج ، رغم معارضة خواته وأمه الا انه لزّم .
بغرفة ام سند ، كانت ذكرى جالسه جنب امها وتمسح على راسها
وهي خايفه عليها لإن اليوم تعبت شوي ، ظلّت عندها تسمع كلامها
الين نـامت ، حسّت انها بتنفجر من قوة الضغط اللي عليها
وخوفها على امها مو تاركها ترتاح ولا تستانس أبداً
همست بحرقه : استودعتك الله ، ربي يحفظك لنا
طلعت ذكرى وهي تسمع صوت الأغاني ، نزلت بسرعه ودخلت للغرفه شافت جواهر ترقص مـع مجد وليان بنات عمّها ، وليلى وريم جالسيـن ويضحكون لهم ، ولا كإن في انسانه بالبـيت بين الحياه والموت..
اتجهت للسمّاعه وفصلت الأسلاك بقوه وناظروا لها كلهم بإستغراب
وقالت بقهر : عيب عليكم امي تعبانه وانتم ترقصون
ليان بإحراج : معليش بس حنا محتفلين برجعتها
ذكرى: هي رجعت من العلاج بس ماتشافت
جواهر بغضب : الله يسلط عليك ياذكرى مثل ماسلطك علينا
كل ماسويت شي نشبتي لي !
ذكرى : لإنك بزر وقليلة ادب وماتخافين من ربك
امك بين الحياة والموت وانتي ولا على بالك!
ليلى : طولي بالك ذكرى وتعالي تقهوي معانا
تعالي جبت لك الحلا اللي تحبينه
ذكرى مو عارفة كيف توصل لهم اللي بقلبها
مو عارفه كيف تقنعهم إنها ماتتلذذ بأكل ولا بشرب
بهتت الحياه بعينها من يوم طاحت أمهـا بمرض السرطان .. اخذت نفس وقالت بهدوء : عليكم بالعافيه مالي نفس
ماكمّلت كلامها لما دخلت عليهم نـوف ، أتجهت نظرات الجميع لها
وكأنهم اول مره يشوفونها ، كانوا يشوفونها بس بالمناسبات
ليلى الوحيده اللي تشوفها كل يومين او ثلاث ايام
لكن نوف كانت مانعه نفسها عنهم ، لدرجة انهم استغربوا لما دخلت عليهم ، نظرات الإعجاب لها المفروض تسعدها لكنّ تضايقت منها ، وتضايقت اكثر لما سمعت كلام المـدح منهـم
جلست بينهم بعد السلام والسؤال عن الأحوال .
جواهر : الله وش هالزين يانوف ، اول مره أحس اني مابي ارمش عن شوفة احد ، كأنك حوريّه لا إله الا الله ، الأحمر زايدك جمال ، والألماس اللي برقبتك يهوّل العقل ، لو اني رجال تزوجتك بدون ماأشاور احد!
ليان وعينها على نوف بنظرات ساخره : لو انك رجال كان مادريتي عنها
نوف حست الكلام نار بقلبها وقالت بحدّه : وش قصدك!
ليان : حاشا لله يابنت عمي ماقصدي شيء
نوف رفعت حاجب : وضحي كلامك اجل!
ليان : اقصد ان الرجال مايملى عينهم شيء الله وكيلك
نوف بنبرة غـرور : ما اوافقك الرأي ، اللي يلقى مثلي بتملى عينه ان شاءالله  ضحكت ليـان متقصده تغيضها ، ونوف رمقتها بنظرات إستحقـار وقامت : جواهر ممكن تجين شوي برا ، ابيك بموضوع !
جواهر قامت معاها ، ووقفت قبالها : سمي ؟
نوف بربكه : عادي تاخذيني لغرفتك ، فستاني انفتح شوي وبعدله
جواهر : اكيد عادي تعالي.
مشت قبلها لين وصلتها لغرفتها وفتحت لها الباب : خذي راحتك .
دخلت نوف ورجعت جواهر لغرفة الضيوف ، نوف سمعت اصوات ضحكهم ، إستغلت الفرصه وطلعت من غرفة جواهر لغرفة أم سـند
فتحت الباب بهدوء ودخلت ، ماعرفت كيف صارت بكل هالهدوء
وداخلها ربكة الدنيا وإزعاجها ، كانت متأكده انها نايمه
وماراح تصحى بسرعه لإنهم يعطونها أدويه تنومها ساعات طويله تقدمت لها وناظرت بشكلها وهي نايمه وأنصعقت من شكلها ، كانت نحيفه بشكل يوجع القلب وملامحها مُرهقه وواضح المرض لعب فيها لعـب
بلعت غصّتها وتذكرت اللي جايّه عشانه ، اخذت جوال ام سند
اللي مركون جنبها على الطاوله ، وفتحته بسرعه وكتبت له " تعـال " .
رجّعت الجوال لمكانه ، ووقفت قبال المرايا وناظرت لنفسها برِضا
رغم قهرها انها لابسه لبس مو لها ، لكن المهم تقهره مثل ماقهـرها
وأهمل إنتظارها له سنين طويـله.
مـرت خمس دقايق ، ونوف كل خوفها ان جواهر ترجع
وماتلقاها بغرفتها ،زادت ربكتها وحسّت حرارتها ترتفع من التوّتر
قررت تتراجع عن اللي بتسويه وإتجهت بخطوات سريعه للباب بتطلع ومجرد ما وقفت قباله إنفتح بقـوه وشهـقت برعب
وقف مصدوم ومذهول لمّا شافها ، ماستوعب من اللحظات الأولى
كان جاي مستعجل وخايف من رسالة أمه وفجأه تطلع هذي بوجهه ماعرفها ولا يدري وش جابها لغرفة أمه ، عقد حواجبه ومانسى اللي جاي عشانه ، ناظر لأمه وشافها نايمه وأنفاسها منتظمه ، ارتاح شوي
ناظر فيها وما فاتته نظرات الحزن بعيونها ، غض البصر وهو يحس انه عاجز عن التصرّف ، مايدري وش يقول لها
أستوعب لما كانت عينه على طارف فستانها الأحـمر
ورفع راسه والصدمه بملامحه ، ركز بملامحها يحاول يتأكد منها..
ماكانت صاحـبة الفـستان !
شافت يناظر فيها بشتات وعرفت وش يفكّر فيه
تجمّع الدمع بعيونها وبلعت غصّتها وهي خايفه
من ردة فعلـه كثر ماهي فرحانه بشوفته ..
سـند بصوت هادي ونبرات حـادّه : من أنـتي ؟
خنقتها العبره ، وخانتها دمعـه لما صدمها إنه مايعرفها
ورفعت يدها لخدها ومسحت دمعتها وزادت صــدمات سند بالخاتم
اللي بيدها ، والعقد اللي بنحرها ، وسوارتهـا اللي برقت بوجهه
هذي وَرد ؟
وكأن نوف سمعت سؤاله وجاوبت بصوت مبحوح : انا نـوف !
سَـند حس لوهله أنه بحلم طويـل ، رجع عنها خطوه
ولا زال عاجز عن الرد والتعبير والتصرّف .
نـوف أستجمعت نفسها وقالت بصوت طبيعي : جيت اتطمن على عمتي
ماكان عندي خبر انك موجود ، أعتـذر !
انتظرت منّه ردة فعل ولا ردّ ، وكانت ملامحه ساكنـه !
مرّت من جنبه بتطلع ومسك ذراعها بقوّه ورجعها قدامه
وناظر فيها من فوق لتحت ، كـانت جميلة بعينه
ولاعمره توّقع انها جميله لهالحـدّ ، لكن جمالها ماهز فيه شعـره
اللي هزّ كيـانه انها لابسه هداياه لورد ، هو متأكـد ومانـسى
تفاصيل الفستان ولا تفاصيل العقد والخاتم
والكـرت اللي الى الآن ما انقرأ مكتوبه ..
قال بصوت خافت أرعب نوف وأربك نبضاتها : من الآخر
كيف وصل لك الفستان و الطقم !
طـال الصمت ، وابتسمت نوف بين دموعها : مو مهم كيف وصلني
المهم انه دلّ دربه ووصلني ، دلّ اللي تزهيه ويناسبها
دل اللي تجمله مايجمّلـها !
حد على أسنانه وقال بقهر وصوت مكتوم : جاوبي على سؤالي !
نوف بدت تستوعب الموقف اللي حطت نفسها فيه وردت
بصوت مهزوز : شفيك ، مجنون انت تسألني عن لبسي
شاف أمه تتحرك وحسّ انها بتصحى وتشوفهم ، برمشة عين سحب نوف وطلع برا الغرفه وثبتها قدامه وشد قبضته على يدها
وقال بحده : وش علاقتك بصاحبة الفستان؟
نوف : عادي ممكن نكون صاحبات ونتبادل الملابس ، ويمكن نكون كلنا لقيطات مالنا أصـل ونحن على بعضنـا ونتبادل صدقات الناس لنـا !
سـَند مايعرف طبعها ولا تصادم مع خباثتها بماضي الأيام
ولا اخذ اي فكرة عنها ولا سمع عنها بالشينه ، لكن بثواني بعد كلامها بثواني عرف ان كل الصفات الشينه فيها ، عرف انها تقصد ورد .
الحلـيم اللي يمسك نفسه عند الغضب كان سـند ، شد قبضة يده ورجع للخلف ..
نوف كمّلت وهي تتظاهر بالقوه : بس ولا يهمك برجعها لها
سند : اعرف وش نيتك يوم اخذتيها لذلك لاترجعينها !
ورد ماتلبس شيء لبسه غيرها ، حتى وإن كان مفصل لها
ومايحلى الا عليها ، وورد بعد ماتردى نفسها على شيء مو لها
وتعرف تفرّق بين العطيّه والهديّه والصدقات ، اشبعي فيه
سرحت فيه وكلامه يتردد بعقلها ويجرح بقلبها مثل طعنة السيف
والأرض من تحتها براكين ودموعها صارت مثل المطر
رجفت شفايفها وفقدت إتزانها بعد ماحسسها انها ولاشيء
جرح قلبها وانوثتها ، جرح حبّها له وسنين إنتظارها
ارتخى بعد ماشاف دموعها ، حس بضيق ونزل عيونه
ومسح على وجهه وهمست نوف بإنكسار : بس انت تدري
تدري اني احبك من قبل لا تلقاها بالشارع ، انا حبيتك قبلها
قبل تنولد وقبل تلقاها انت وقبل تربيها.
سكتت وهي تمسح دموعها بيدين راجفه ، سند تضايق من كلامها
وقال بهدوء : نوف ، وش علاقتك بورد ؟
نوف ناظرت فيه بجمود ، حست قلبها بيوقف من القهر
ماهزته دموعها ، ماهزّه كلامها ؟ الى الحين يسأل عنها ؟
استجمعت نفسها وتغيّرت نظراتها وقالت بوعيد : خدامـتي !
واذا مو مصدق تعال لي بكره العصر ! •
‏_
عصـر اليوم الثاني ؛
طلـع سند من بـيتهم ، ونظراته سابقته لبيت نـوف واقدامه ترجع
فيه للخلف ، الثقه اللي بكلام نوف ماخلته يشك إنها تكذب
وطلعات ورد الأخيره كانت دليل لكلام نـوف.
يحسّ بالضيق وهو مابعد تأكد ، ولا يدري اذا فعلاً ورد صارت خادمه لبنـت عمه ، او ان نوف من حبـها له وغيرتها من ورد صارت تتبلى علـيها ، وقف قبال الباب ورنّ الجرس وماهي الا دقيقتين وأنفتح لـه الباب
شاف نوف قباله مثل ماشافها أمس ، الفرق الوحيد
انها امس كانت لابسه فستان واليوم بيجاما
وايدينها مكشوفه له ، وشعرها مفتوح .
نزل راسه عنها وهمس بقلّة حيلة : اعوذ بالله منك يابليس
نوف بخبـث : حياك ، تفضل
دخل قبلها وهي مستانسه ، وطايرة من الفرحه وتحسّ انها
أنتصرت قبل لاتبدأ بخطتها ، جلس بالصاله على الكنب
وشافها وهي تدخل وراه ، اتجهت للمطبخ بعد ما إبتسمت له.
نزل راسه وهو يحـسّ بصدره راح ينفجر ، نزل راسه وضغط أصابعه على جبينه يداري صداعه الخفيف ، حسّ بخطوات ورفع راسه وشافها ، وابتسامتها لازالت موجوده ، جلست بالكنبه قباله وحطت رجل على رجل وقالت بصوت هادي : يالله حيّ سند
سند مصدوم من جرأتها لكنه تجاهلها ورد بهدوء : شكلك نسيتي اللي جاي عشانه ؟
نوف : لا شدعوة مانسيت ، لكن انتظر تاخذ ضيافتك أول وبعدين لك اللي تبيه ، الحين بتخلص القهوه
سند وهو يحاول يمسك نفسه عن الغلط : مابي قهوه ، يانوف الله يهديك اذا السالفه كذب قولي ولاتضيعين وقتي !
سمع خطوات قريبه منه وألتفت بسرعة ، وكأنها جت علشان تثبت له ان نوف ماتكذب ، كانت شايله صينية القهوه وعينها على نوف وهي ماتدري من اللي عندها أصلاً ، ولا ناظرت بسند ولاعرفت الى الان من هو الرجل الموجود.
سـند ماتوصف شعوره أي كلمه ، لا من شماتة نوف ولا من غباء ورد ، حسّ الإهـانه له مو لها .
همس بدون شعور : وش السواة ، وش هالبلوه !
ورد مجرد ماسمعت نبرته ألتفتت واتسعت حدقة عينها بصدمة وقلبها رجف وملامحها بهتت ، نزلت الصينيه ع الطاوله بينهم وحطت عينها بالأرض ورفعت يدها تعدل حجابها ، طالت نظرات سند الغاضبة ، طالت إبتسامة نوف الشامتة ، وورد تحسّ انها واقفه على شـوك ، كل شيء توّقعته من نوف الا انها تبطل حلفانها وتبلـغ سند بموضوعها .
وقف سند وتقدّم لورد ، رفعت عيونها الدامعه لعيونه الصارمه
بلعت ريقها خوف وحسّت انها خسرته خلاص وبهالمكان راح يدوس عليـها .
سند ماهو قادر يتكلم ولا يناظر لنوف بعد الموقف اللي حطته فيه ، تلعثمت حروف عتابه وقال بهدوء : ليش ؟ انا قصرت عليك بشيء ؟
ورد ردت بغصّه بعيون تلمع : انجبرت ، لاتزعل مني
بلمح البصر صارت حركة غير متوّقعه من ورد ، طاحت بحضنه وايدينها تحتضنه بقوّه وصوت توسلاتها على صدره .
سند مارمشت له عيـن وحس انه طاح من برج عالي
بعد حضنها وخوفها ، كان متأكد انها خايفه من زعله
صوت شهقاتها اوجع قلبه لكن مستحيل يـغفر لها خطاها
رفع راسها وقال بهدوء : لاتبكين مافي شيء يسوى .
وجّه نظراته لنوف اللي احترقـت بعد ماشافتها بحضنه ،
وقال بتهديد صريح : لو أحد عرف ورد غيرك
وغير عمتي ليلى راح تدفعين الثمن عمرك !
سحب ورد من معصمها بكلّ قوه لدرجة انها شهقت من الألم
طلع فيها من البيت وفتح سيّارته بحذر وهو خايف احد يشوفه من اهله ركبّها وركب جنبها ومشى آخر سرعه وبداخله شخصـين
واحد معصب و يتوّعد فيها والقهر معميه ، والثاني ذايب من حضنها وراحمها ويقنع الأول ان اللي صار عادي .
التفت لها ورق قلبه زياده ، كانت مغطيه وجهها بيدينها وتبكي بصمت ، اخذ نفس عميق وهدأ شوي ، وصل لبيتها الصغير ونزلت قبله وكانت متأكده انه بيجي وراها لإنه الى الآن ماتكلم بالموضوع ولا عرفت ردة فعله ، وفـعلاً دخل وراها ، كانت واقفه ومعطيته ظهرها ويدينها على خـدها ، وقف وراها وهو متضايق عليها لكنـه مستحـيل يسامحها
بسهوله وهي من أكثر الناس معرفه بهذا الـشيء .
حاول يجمع كلام ويعبّر الا انه ماقدر ، انقذت الصمت ورد لما التفتت له وهمست بهدوء : سند ، ادري انك بتزعل وتخليني زي دايم
بس خلني اشرح لك
سند : لا تشرحين لي ولا أشرح لك ، اللي سويتيه كبير
يعني فوق ماانتي تشتغلين من ورا ظهري ، تشتغلين عند بنت عمي !
ورد بغصه : تبيني اجلس واحط يدي على خدي وانتظرك تصرف علي ؟ وبنت عمك انجبرت اشتغل عندها لإن مااحد رضى يشغلني عنده غيرها !
سند تذكر شيء وبانت الصدمه بملامحه وقال بهدوء خوّفها : انتي اصلاً كيف عرفتي نوف ؟ كيف وصلتي لها ؟
ورد رجف قلبها خوف ، ماكانت بتقول له ليلى لكن ورد بالنسبه لسند مفضوحـه .. حسّ بهبوط بالضغط من القهر
استجمع نفسه وقال بصوت صارم :طيب ، ليلى لها احترامها
بس والله لأخليها تندم على هالفزعة الغبيّه ،و ماهي اغبى منك ياورد
ياتربية ايديني انتي !
ناظرت له بعيون دامعه وكمّل : تبين تعرفين ليه غبيّه ؟
لإنك فرطتي بالهديّه اللي تنقيتها لك نقـاوه
وعطيتيها نوف اللي طقطقت عليك !
شاف الصدمه تتوّسد بملامحها ، وقبل يكمّل حسّ على روحه
وماحب يقول لها اسباب نوف بأخذ الهدايا ، واسباب كرهها لورد
وتوظيفها خادمه لها ، ماكان يبيها تدري ان نوف تحـبه وتبيه
او بالأصح ماكان يبي يفتح عيونها على هالسوالف .
ورد عقدت حاجبينها بتعجّب من كلامه ، رفعت كفّها لخدها
ومسحت دمعتها وقالت بهدوء : يعني كيف طقطقت علي ؟
سند : مو مهم تعرفين
ورد : ليش تلمح دام ماتبيني اعرف ، بس مايهمني
لإني عطيتها بطيب خاطر
سند : مع الأسف هذي مو طيبه ، هذا يتسمى غباء
ولا انتي ياورد تصدقين ان نوف محتاجه ملابس ولا حتى مجوهرات ؟ ماتفهمين ياورد راح عمري وانا افهم فيك لكنك ملزمه تعيشين غبيّه!
حسّت الضيق يزيد بداخلها والقهر يسيطر عليها من تكرار كلمة غبيّه وماتفهمين، قالت بصوت مهزوز : انا صحيح مادرست لكني أفهم
وعقلي أكبر منك ومن عقل إبليسه بنت عمك !
صدرت منه ضحكه عالـيه جداً على كلمتها ، تجاهلت ضحكته
وكمّلت بصوت غاضب : كله منك مادرست ، لو لاقيني احد غيرك
كان عرف كيف يدرسني ويعزني
تلاشت ضحكته وتقدم لها وركز عيونه بعيونها وقال بصوت هادي :
اول شيء أبليس مذكر وليس مؤنث ، ماينقال له إبليسه !
دخليها هذي لعقلك الكبير ، ثاني شيء لاتحمليني الذنب
كيف أدرسك وانتي ماتملكين اوراق رسميه ؟ انا ماقصرت جبت لك مدرسات ودرستك لكن اللي الله خلقه غبي هذا مابه طبّ !
ورد : ليتك بس تنقلع عني وتخليني احل مشاكلي وغبائي بنفسي
تعدّته ودخلت غرفتها وقفلت الباب وهي محطمه نفسياً
وتدري ان كلامه من دافع غضبه عليها بعد ماعرف بشغلها عند نوف
لكنها تلومه عليه حتى وان كان مايقصده .
جلست على سريرها وسرحت ، نزفت جروحها من كلامه
خصوصاً لما قال ماعندك اوراق رسميه ، وكأنه يذكرها بقصّتها
اللي من يوم ماعرفتها وهي كارهه حالها ..
خانتها دمعه لما تذكرت موقف حصل قبل خمس سنوات ، كانت حاضره زواج مع ليلى ، وكانت تسمعهم ينادون بأسماء العوائل ، وقتـها سألت نفسها سؤال (وين عائلتي ؟ ) بقى هالسؤال يتردد بذهنها ايّام طويله
الى ان سألت ليلى ، وعرفت ليلى ان ورد بدت تستوعب حياتها
كانت تقول لها اهلك ماتوا بحادث ، أما سند فكان يتهرب من الإجابه كل ما سألته .. لكن ورد بدت تفهم وتدرك طبيعة وضعهـا
وهاجمت جواب ليلى بسؤال أقوى : اذا أهلي ماتوا ، وين قرايبي ؟
اهل أمي واهل ابوي ؟ وليش اسمي ورد بدون اسم ابو وجد وعائلة؟
هِنا ليلى ماكان منـها الا تخبّرها بالحقيقة ، وتحطها أمام الأمر الواقع.
مانسـت ورد بحياتها حضن ليلى لها بعد ماانهارت الى أن حسبتها ليلى تحتضر من بشاعة منظرها وبكاها ، بعد ماعرفت حقيقتها وإنهـا لقيطة
مجهولة الهويّه ، مجهولة الأهل والأصل والمنبت .
غمضّت عيونها بحرقة لما تذكّرت كلام ليلى وهي تسرد قصّتها بحرقة قـلب .
لـيـلى :
كان عمري 19 سنه ، وكان عمر سند 15 سنـه
بيوم من الأيّام كان سند رايح يصلّي الفجر، وكان متأخر عليها
وقبل لايدخل المسجد سمع صـوتك ، كنتي تبكين ، يابري حالي
كنتي تبكين برد وجوع ، حسبي الله ونعم الوكيل على اللي كان السبب.
نزلت راسها ليلى وبكت بكلّ مشاعرها وهي تتذكر منظر ورد اول ما شافتها ، رفعت راسها وشافت ورد غرقانه بدموعها
وهي تسمـع قصّتها وبراسها ألف سؤال وبقلبها ألف جـرح..
كمّلت ليلى بغصّه : سند خاف ، ومنظرك خـلاه ينسى صلاته ، رجـع لبيتنا وكنت انا على سجادتي أصلي ، طاح قبالي وفجع قلبي
وأستعجلت بالتحيّات وسلمت والتفتت له احسب صار له شيء
ملامحه ارعبتني وقال وهو يرجف : تكفين ياعمه تعالي معي للمسجد
قلت له وانا مفزوعة : علامك وش صار ؟ وش تبي الناس تقول عني
طالعه من بيت اهلها الفجر ؟
ارتفع صوته يترجاني : عمه تكفين مافي وقت ، الناس تصلي وماحد بينتبه بس ابيك تشوفين اللي شفته وتساعديني ، عجزت افكر
قمت معاه وأنا متردده ، لكن خوفه وعجلته ماتركتني أتردد اكثر
اخذت عبايتي وطلعنا نركض ، يوم وصلنا للمسجد
وصلنا صوتك قبل لا ناصلك ..
من شفتك ياورد مرميّه عند المسجد ، وترجفين برد وجوع
طحت جنبك بدون شعور وحضنتك وخبيتك بعبايتي
حضنتك وبكيت معاك ، وكأني انا اللي حملتك تسع شهور وتعبت عليك احرق قلوبنا منظرك ، حسيت اني فقدت وعيي من كثر مابكيت
وماحسيت الا بسـند يناديني وهو مذعور ومتوتر : ياعمه بيخلصون صلاه
وش بنسوي بهالمصيبه ؟
كنت أقدر أقول له نتركها ونمشي، لكن قلبي ماطاوعني
كنتي تناظرين فيني ، وكأنك بنظراتك تقولين لاتخليني لناس ماتخاف الله .
ماكنت قادره أتحرك ولا اوقف من صدمتي وخوفي وحزني عليك
أخذك من يديني سند وزاد صوت بكاك لما طلعتي من دفى حضني
لبرودة الجو مره ثانيه ، هرب فيك بكل سرعته ، اخذناك للملحق
ودبرنا لك ملابس وحليب من بنات اخواني اللي بعمرك ، غطيناك ودفيناك ، ونمـتي بكل راحه ، الين اليوم مانسيت شكلك وانتي نايمه بهدوء ، وانفاسك منتظمه .
.
حسّت على نفسها وطلعت من دوّامة التفكير لما
سمعت صوت الباب يطقّ عليها ، عرفت إنه للحين ماراح .
سند : ورد أفتحي ، سريع
وقفت ورد وهي تستجمع قواها ، لمّت عبايتها عليها
وكأنها تطمن حالها بعد اللي حصل لها الليلة .
فتحت الباب ورجعت جلست على سريرها وعينها على ساعتها بيدها
جلس قدامها وغيّرت الوقت ولعبت بxxxxب الساعه .
سَند كان عارف انها تبكي ، من هدوئها وحمرة ملامحها ورجفة ايدينها ، الذنب أكل صدره وتراجع عن قراره إنه مايرضيها أبد ، وقال بصوت خافت : الجبل اللي ما يهزّه ريح ..ترا دمعه من عينك تهزّه !
ماناظرت فيه ولا رفعت راسها لإن قلبها تحت تأثير قصتها مو تحت تأثير كلامه ، كان واضح لسند إنها منهاره ولا هي قادره تتكلم ، كان دايم يعاقبها إذا غلطت أو عملت شيء بدون علمه ، ولاعمرها زعلت زي هالمره رغم أنها المخطيه وخطاها فادح ولا يُغفر .. لكنّها انهارت وهذا اللي ماتوّقعه سند.
قال بهدوء : ورد ، ترا قسوتي عليك من محبه ، وعصبيتي ماتمثل الا خوفي
لاردّ من ورد ولا نظرات ولاحركه سوا إنشغالها بساعتها
مد يده ليدها وأوقف عبثها بالساعه وشد عليها ، ناظرت فيه بعيون غرقانه وقال بنبرة قهر : ترا النار شبّت فيني يوم شفتك تشتغلين عند وحده ماتسوى عندي ماطى رجولك ، انا مارضيت لك المهانه ياورد ، ترضينها لنفسك ليش ؟
ورد بغصّه : مو انا اللي اخترت اكون لقيطة ، مااخترت اكون جاهله غبيه ومو متعلمه وماافهم شيء
صدت عنه وهي تخفي دمعاتها بيدها ، سند حسّ الذنب ياكل قلبه ، انعادت عليه ذكرى ملقاها ورفع راسه ، غمّض عيونه
ماكان عارف كيف يواسيها ، رغم انها ماتقتنع الا بكلامه ورغم انها الوحيده اللي يعرف كيف يتكلم معاها ومتى يتكلم معاها .
استجمع نفسه وقال بصوت خافت : ورد ، لاتاخذين كلامي على محمل الجد ، انتي تعرفين اللي بقلبي
كلامي قلته من دافع غضب لاتفكرين فيه
ورد : مو اول مره تقوله، وهذا دليل على كذبك لما قلت انك مبسوط فيني ، انا ادري اني هم على قلبك ، وانت كنت عارف اني بصير هم على قلبك ، ليش من البدايه تشقي عمرك فيني ؟ هذا انت شاب راسك ولاشفت حياتك ، خايف تتزوج وتخليني لحالي، خايف من ذنبي اللي ابتلشت فيه !
سكت شوي وسرح بكلامها ، ردّ بضيق : لو شاب شعر الراس مايشيب قلبي.. اول ماشفتك قبل 18 سنه وانا صاير لعينك اب ، لدرجة اني لما استوعبت سالفتك ومن زود غلاك حمدت ربي يوم جابك لدربي ، وخلاني انا اللي القاك من بين جموع المصلين هذيك الليلة ، انتي بنتي ، ومافي اب يشوف بنته همّ على قلبه !
ابتسمت له وهي تمسح دموعها وإبتسم لإبتسامتها وكمّل : ايه إبتسمي ، لاتبكين ولا يصير بخاطرك ، وتراني موجود عشانك دايم ، لاتحتاجين لنوف ولا غير نوف، أبزعل منك لو صار لك بحياتك سند غيري ..
ورد : ما اقدر اوعدك ، لازم أعتمد على حالي ، لكن ان شاءالله إني ماراح أضايقك بعد
_
عند نوف ؛ كانت تعبـانه ، مُرهقة ومُنهكه من قلّة النوم وكثرة التفكير
من وقت ماطلع من عندها سند قبل يومين وهي صاحيـه وتفكّر
أصعب شعـور وأقسى موقف لمّا عرفت انّه مايبادلها المشاعر ، ومايعرفها أصـلاً ، تذكرت قبل سنه
اول ماعرفت بوجود ورد بالصدفه من ليلى ، وأصرت تعرف الموضوع كامل ، ولما عرفت ان سند مربيها ومهتم فيها ومبديها على نفسه وعلى خلق الله كانت بتموت من الغيـره ، رغم إن ليلى أكدت لها انه يعاملها معاملة أب لبنته مليانه عطف وإحسـان ، لكنها بدت تحرث براس ليلى
بدت تغيّر تفكيرها على سند وورد ، وتنصحها تبعدهم عن بعض
بالبداية مانعت ليلى لإن مابقى لورد غير سند ، لو راح عنها بتضيع
لكن نوف زادت بإقناعها إن ليلى مو محرم له وحرام اللي يصير
زاد إمتناع ليلى خوفاً على ورد من الفقر والوحدة ، رغم انهم موجودين بحياتها لكن وجود سند حولها يشكّل فارق بشكل كبير .
هنا ماكان من نوف الا انها تتكفل بوظيفتها ، وتشغلها أي شغله
مقابل ان ورد تعتمد على حالها وتبعد عن سـند.
وفعلاً ليلى وافقت وأقنعت ورد إن مهما طال وجود سند بحياتها
لابد يجي يوم وتصفى لحـالها .. وهنا وافقت ورد تصير خادمة لنـوف
بدون علم سند ، وماكانت من صفات نوف التكبّر والقسوة ، لكن من صفاتها حبَ التملك لأشيائها
وحب سند من اشيائها اللي كانت تظن إنها امتلكتها
وكـرهت ورد للموت ، ظناً منها إنها شاركتها بسند
اهانتها بكلّ الطرق والوسائل ، كانت تظن انها بإهانة ورد تنتقم لسنين عمرها اللي راحت بإنتظار سند بينما هو مشغول بتربية وحدة من الشارع
لكنها أنتقمت من نفسها لما عرفت إنه يحــبها ، يحبها
ماهو حبّ اب لبنته، ولا حب لمجرد الرحمه .. كان يحبها
وتأخيره بالزواج عشانها ، ومشاكله مع اهله بسببها
رغم انهم مايعرفون عنها شيء ، لكنهم متأكدين أن سبب صدوده عنهم وإنشغاله حب أنثى ، مو بس وجود أنثى بحياته ، والدليل على هذا كله
إنه يبيع السنين اللي بدونها برخص التراب ويساوم على اللحظه معاها باللي هي به .. مسحت دمعتها بحزن على حالها .
انولدت يتيمه ولا عرفت أبوها ، فقدت امها اللي كانت لها كل شيء ، وخسرت حب حياتها وخسرت أحلامها معـاه .
همست والعبـرة تخنق حروفـها :
ياعين هلي صافي الدمع هلّيه
واليا انتهى صافيه هاتي سريبه
ياعين شوفي زرع خلّك وراعيه
شوفي معاويده وشوفي قليبه
اللي يبينـا عيّت النفس تبغيه
واللي نبيه عيّا البخت لا يجيبه
_
تجاهلت مشاعرها ورفعت جوّالها وأتصلت رقم عمها ابو بتال
بيد راجفه وبعيون غرقانه ، ومقررة قرار مافيه رجعة .
ابو بتال : الو
نوف : السلام عليكم ، شخبارك ياعمي
ابو بتال بدون نفس : بخير ، امري
نوف : حبيت اقول لك إني موافقه على بتال
ابو بتال : غريبه ، وش اللي مطيّح نوف بنت عبدالرحمن الجاسم
من برجها العالي وخلاها تشوفنا
نوف : محشومين ياعمي ، انا موافقه
ابو بتال : على خير ان شاءالله.
.
قفّلت منه وهي متأكده أن الزواج هو الحل الأنسب
صح ماراح تنسى سند بسهوله لكنها بتلقى شيء
يطلّعها من اللي هي فيـه.. وصلتها رسِالة وناظرت لجوالها شافت الرسالة من " سيّاف " ورجف قلبها
بلعت ريقها والخوف سيطر عليها ، فتحتها بيدين راجفه
كان كاتب لها " أفتحي لي الباب ، ضروري اشوفك الحين"
ردت له بيدين راجفه : هلا سياف ، معليش بس انت عارف اني لحالي بالبيت ليش بتجي ؟
سيّاف : ماراح اكلك ارتاحي ، عندي كلمتين لازم تسمعينها
رنّ الجرس قبل ترد عليه وعرفت انه حطها امام الأمر الواقع
قامت وهي ترجف دخلت غرفتها واخذت ولبست عبايتها
وتحجبت وطلـعت ، فتحت له ودخل بسرعه ، وقف قبالها
ونزل نظاراته الشمسيّه وبانت عيونه اللي تلمع بشـر.
نوف وهي تخفي نبرات خوفها : خير وش بغيت؟
سيّاف بصوت صارم : أظن انك تعرفين !
نوف : خلاص فلوسك بترجع لك بس أصبر علي
ترا ماصارت هذي كل يوم وانت رايح جاي ومزعجني !
سياف : الى متى أصبر عليك؟ انتي تحسبيني حمـار ؟ادري انك تكذبين وتتهربين ، لكن نذر يانوف وهذا ربي فوقي ويشهد علي ، معك شهر واحد بس ، اذا مارجعتي فلوسي والله لأطيّن عيشتك
واخليك تاكلين نفسك من الندم !
سكت شوي وهي تترقّب ملامحه وشروده ، قرب لها وقال بصوت خافت : واذا صار لأخوي شيء ، واللـه ثم والله مايكفيني راسك ، لإن لو مات اخوي ماراح يموت من إهمال او تعب ، راح يموت من تأخيرك عليـه !
نـوف بربكه : طيب هد أعصابك ، حنا متفقين اتبرع له بكلية مقابل 300 الف ، لكن الله ماكتب وطلع عندي مشاكل بالكلى ، وفلوسك طيّرتها بالمشروع اللي قلت لك عليه ، والحين مامعي
اول مايصير معي برجع لك فلوسك!
سيّاف بصوت حاد ألجم برودها : وانا اقعد انتظرك تدبرين فلوس لين يموت اخوي ، تسلفي اطلبي سوي اي شيء لكن عطيني ، عطيني بعالج أخوي حسبي الله عـليك .. زدتينا فوق الهم هـم !
سكت شوي ، تنهّد بضيق وتردد من اللي بيقوله لكن قاله : اسمعي ، لي كم يوم امر من بيتك العصر ، واشوف وحده تدخل عندك
شكلها فقيرة وحايسه بعمرها !
نوف تذكّرت ورد وقالت بضيق : شفيها ؟
سيّاف : اقنعيها تتبرع بكليتها لأخوي
والفلوس اللي عطيتك تعطينها لها
_
سـنـد ؛

سحابة لو حملت جبال و حلوة لو شربت المُر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن