عائلة

129 9 2
                                    

   صرخة دَوتْ في الصف لحقها سعال، مع قلق مَن بالصف بِما فيهم "رشاد" المعلم، تبعها شهقة قوية وقيام صاحبها مُهرولا للخارج واضعا يده على فمه، نظر رشاد للطلبة بتردد ثم أشار بعشوائية إلى أحد الطلاب يجبره على التحرك خلف زميله، فذهب المعنيّ على مضض. امتلأ الصف بالأحاديث الجانبية: اسمه مازن، ربما يتعرض للتنمر؛ يوجد كدمات على ذراعه، نهرهم رشاد يخرسهم مكملا شرحه. عاد مَن أرسله رشاد وحده، سُئل عن مازن فقال إنه في العيادة بسبب كدمات ذراعه وعلامات ضرب على بطنه.

   انتهت الحصة، واتجه رشاد لغرفة المعلمين مُقررا البحث في شأن مازن؛ فهو يشك أنه يتعرض للتنمر. سأل أحد الأساتذة فأخبره أن مازن يتيم والمتكفل به هو لطفي الشُروجي كما أن لطفي أحد ممولين المدرسة، وأكد له أنه ليس تنمرا.

   عاد مازن للمنزل، أفرغ كل ما بجوفه قبل ساعات، ولم يتناول شيئا، إنه على حافة الانهيار الآن، اتجه لغرفته، فتح أحد أدراج مكتبه والتقط قطعة خُبز كانت بداخله، تناولها ثم تحرك إلى المطبخ وعاد بأُخرى ووضعها في نفس المكان ثم تحرك للسرير والتفّ في غطائه محاولا النوم.

   وصل مازن للمدرسة وأتاه أمر بالتوجه لغرفة المعلمين، فذهب وجلس أمام رشاد الذي حدق بوجهه، وجهٌ لم يحظ بنوم مريح لفترة طويلة، عينان منتفختان إما من البكاء أو الإرهاق، أهذه علامات ضرب على وجهه؟ قطع مازن تفكير رشاد قائلا:
- إن كان بشأن درجاتي سأحاول التحسن

رد رشاد:
- ليست درجاتك.

-: نومي في الصف وخروجي منه دون أخذ إذنك؟

-: لا. أتتعرض لأي نوع من "عقاب" في البيت؟

   رفع مازن أنظاره لرشاد بتفاجؤ تحول لأمل للحظة لكنه أخفض رأسه قائلا:
- أي أب بيعاقب ابنه لخوفه عليه ويريده الأفضل.

   أحس رشاد باهتزاز صوت مازن بتلك الجملة، فلم يجبره على التحدث أكثر.

   وصل مازن لمنزله بعد يومه الدراسي، شعر بدفء في المنزل، دفء أرسل الرعب لقلبه، ذهب للمطبخ، هناك رجل في عقده الرابع يقف أمام الفرن، استدار له الرجل وابتسم، فابتسم مازن بأخرى خفيفة، اقترب منه الرجل وسأل:
- وجهك مُصفِر متى أكلت آخر مرة؟

   رفع مازن رأسه بسرعة وقال:
- في آخر مرة حضرت لي الطعام.

  تلقى صفعة قوية على وجهه مع اللحظة التي أنهى فيها جملته أوقعته أرضا، قال الرجل:
- كذب! انت كنت تسرق ما أخبزه وتخبئه رغم أنك كنتَ معاقبٌ بعدم الأكل، تركتك أسبوع لتتوقف لكنك لم تفعل وظللتَ تسرق!

   كان مُحقا فمازن فعل هذا، استدار الرجل للفرن يبحث عن شيء ما، لاحظ مازن هذا فقام مهرولا لغرفته قبل وصول الرجل لمراده، أغلق الباب بالمفتاح وجلس خلفه يضع يديه على أذنيه يبكي، يحاول منع صوت صراخ الرجل من الوصول إليه، يعلم جيدا أنه سيفشل في منع الرجل من الاقتراب منه.

عائلة "ونشوت"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن