1- القصر

179 11 0
                                    

رواية #هومكا
#الفصل_الأول
"القصر"

بدأ الاحتفال مُبهجًا إلى حد كبير؛ فقد بدأ في التاسعة صباحًا في حديقة القصر الكبير الأبيض المُبْهِر في حجمه وتفاصيله التي تُوحي بثراء صاحبه الشديد. لم يكن المدعوون من أصحاب الثراء لكنهم كانوا أهل البلدة الريفية الكبيرة التي يوجد بها القصر والذي يملكه أحد أبنائها الذي عاد لها فاحش الثراء بعد سفر لأوكرانيا دام خمسة عشر عامًا فبنى ذلك القصر الجميل وخلفه بنى مصنعًا كبيرًا يعمل به أجانب وعُمال من خارج البلدة ولا أحد يعلم ما نوع المنتجات التي يُنتجها، الغريب أن صاحب ذاك القصر يفعل الخير بشكل كبير ولكنه لم يقبل أبدًا أن يعمل في مصنعه أو بيته أي شخص من البلدة، ورغم ذلك كلما قصده أحد ليجد عملًا كان يتوسط له في وظائف جيدة.

اليوم هو يوم الاحتفال السنوي بتخرج الأطفال من مدرسة الروضة التي أنشأها لتعليم الأطفال الصغار القرآن والقراءة والكتابة، وكالعادة يَحْضَرُ الاحتفال من الصباح للظهيرة الأمهات والأطفال والفتيات فيلعبون ويمرحون ويلتقطون الصور في هذا المكان الرائع، وبعد الظهيرة يأتي الرجال بعد أن ينتهوا من دوام وظائفهم والشباب أيضًا فيُقدم للجميع وجبات غداء فخمة لكل أسرة على طاولة منفصلة وبعدها يبدأ الاحتفال الفعلي؛ والذي يبتدئ بفقرات يقدمها الأطفال ثم يُقدم لهم هدايا ويتم تكريمهم، وبعدها يعود الكل لبيته سعيدًا. كالعادة المتبعة في كل عام يرتدي النساء فساتينًا حريرية ذات اللون الوردي المبهج، وترتدي الفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد سواء كُنَّ شابات أو مراهقات فساتينًا ذات لون سماوي هادئ، أما الرجال جميعهم من سن الخامسة عشر عامًا فما فوق فيرتدون بذلات رسمية سوداء، وكان الأطفال الصغار صبية وصبايا يرتدون سراويلًا كحلية اللون وقمصانًا برتقالية. في بداية الحفل كان الأطفال يلعبون معًا في ركن في الحديقة مليء بالألعاب، واجتمع الأمهات ليلتقط  لهن المصور صورة جماعية مبهجة وهُنَّ واقفات مقتربات بجوار بعضهن البعض. كانت الفتيات يصورهن مصور آخر في جانب آخر والشباب كذلك، كان كل من هم قريبون بالعمر يتصورون معًا؛ فالحفل مليء بالمصورين. بعد الغداء وقبل بدء الحفل النهائي، كانت مجموعة من الأمهات واقفات يتحدثن معًا بالقرب من باب القصر وكل واحدة منهن تُمسك بطفلها في يدها، فوجئن بفتاتين -يرتديان زيًا كالذي ترتديه الممرضات لونه بين الأبيض والأخضر أقل درجة من الأخضر- يهبطان من السلم الخارجي للقصر بنفس السرعة التي هبطن بها من السلم الداخلي تاركات خلفهما على درجات السلم آثارًا لسائل شفاف أزرق لم ينتبه له أحد من النسوة ولكنهن انتبهن أنهما تمشيان بسرعة باتجاه الطريق الطويل المجاور لحائط القصر والمؤدي للباب الفاصل بين القصر والمصنع، فظلت النسوة يراقبنهما حتى اختفيا عن الأنظار وقد اندهشن من الرائحة الغريبة المنبعثة من الفتاتين والبخار الخفيف الأخضر اللون المنبعث من ملابسيهما. ظلت النساء تتهامسن وتتساءلن عن تلكما الفتاتين ولِمَ يهرولان، ولم ينتبهن لأطفالهن وما حدث لهم؛ فقد استطالت أقدامهم وأصبحت بطول المتر! ولكن ظل باقي جسدهم كما هو؛ جسد أطفال في عمر الروضة!!

لم يلحظ أحد كذلك تلك الفتاة الفضولية ذات النظارات التي كانت تقف بعيدًا عن باقي أقرانها وعن النسوة اللواتي رأين الفتاتين، كانت تتأمل القصر والمزروعات عندما رأت الفتاتين هي الأخرى فتحرك الفضول داخلها وذهبت خلفهما بهدوء شديد حتى لا يلحظانها، فدلفت خلفهما من الباب الذي نسياه مفتوحًا من شدة اضطرابهما. رأتهما يدخلان من باب مبنى كبير مكون من طابق واحد يوجد في نهاية المنطقة التي بها المصنع، بعيدًا وحيدًا عن المصنع وطريق العمال، لم تدخل وراءهما لكنها دارت حول المبنى حتى استقرت إلى نافذة خلفها جلبة كثيرة فوقفت لتُنصت وتروي ظمأ فضولها الشديد لمعرفة بمَ يعمل هذا الرجل الثري ومن أين أتى بكل أمواله تلك. كانت تقف في الخارج مختبئة خلف حائط تنظر من النافذة -التي أُزيحت ستائرها البيضاء السميكة قليلًا من الداخل- إلى ما يفعله هؤلاء الأطباء الذين يلتفون حول عدد من الطاولات ويرتدون ملابسًا غريبة بيضاء تُشبه تلك التي يرتديها أصحاب المناحل وقت وجودهم في المنحل ولكن هؤلاء يرتدون أقنعة زجاجية على رؤوسهم بها شيء صغير من الخلف يبدو أنه خزان أكسجين صغير جدًا قد لا يتجاوز العشرين سنتيمترًا عرضًا وطولًا والعشرة سنتميترات ارتفاعًا وهو ملتصق بالقناع من الخلف وليس محمولًا على الظهر مثل رواد الفضاء، يا لها من بذلة غريبة لم ترَ تلك الفتاة مثلها من قبل في التلفاز أو الواقع! ولكنها أقل غرابة مما يفعلونه! فقد كان يوجد على طاولات أمامهم جثثًا حديثة لبشر وأسماك ضخمة وكانوا يفتحون فمها ويخرجون منه لفائفًا غريبة، لكن ما كان غريبًا أكثر من كل هذا أنهم عندما يفتحون الفم البشري كان يتسع بشكل كبير حتى يُصبح بحجم فم السمكة الضخمة، وأسنانه كذلك.... إنه مُرعب!!!

يُتبع إن شاء الله....
#سلسلة_المحققان_تقية_وسليمان
#العددالأول
#هومكا
#هبةالله_رزق_عيسى

هومكاWhere stories live. Discover now