بين الشمس والقمر

321 15 5
                                    

في اللحظة التي ينخدع بها الشخص بالكراهية والإنتقام والخصومة التي يشاهدها بين امواج البحر وصخور الشاطئ من شدة التلاطم بينهما ،في لحظة اخرى سيدرك ان ذلك التلاطم ليس ب إنتقام بل هو حب و شوق وعناق عندما يشاهد لقاء حبيبين ، هكذا هو كان اللقاء الأول للشاب الريفي بِحبيبتهُ .

حلمتُ بك البارحه كانت يداي على وشك أن تلمس أناملك ، شعرتُ بأنفاسك ومتأكده من ذلك جيداً لكن لا أعلم ماذا حصل بعد ذلك و استيقظتُ منتفضة بقلب ينبض بقوة ، كنت خائفة وفمي كان جاف ، تذكرت ما حصل وكيف كان المكتوب اقوى من أحلامنا ، جلت الغرفة كالكفيف أبحثُ عن قابس المصباح ولكي أسهل الامر على عيناي رميتُ بيدي على لوحة مفاتيح الحاسوب فأنارت الشاشة بصورتك ، أجل تلك الصورة التي أرسلتها لي ، لم أجد شيئاً افعله بعد ذلك سوى الشرود في عيناك ، حاولت الدخول لصفحتي وكتابة هذه الكلمات لعلك تدخل يوماً وتجدها ، جربت الكتابه لكنني توقفت عند كلمة حلمت... أتدري ما أوقفني ياعزيزي لاحظتُ تواجد إيقاعك في صفحتي ، كنتُ على علم إنك تزور كتاباتي يوماً لكن لم أكن أطمع في شيء اكثر من رائحة عطرك التي تتركها خلف خطواتك ب إستمرار ، احببتك بقدر المدى أقسم لكن القَدر كان أقوى من كفاحي ، وأسفه على كل ذلك يا ألطف خلق الله ."هكذا كانت هي أخر رساله وأخر سجال من البنت لحبيبها"

في ظل إنتشار هذه التقنية الالكترونية وإتساع نوافذها وهي تقيد عوالم الإنسان بهذا الشكل ، كان في إحدى القُرى الشمالية فتى بعمر العشرين عاماً هو أشبه بذئبٌ هائم يبحث عن فريسته وسط العراء وما يميزه عن ذلك التشبيه طيب قلبه وحسن خلقه ولطف نفسه ، يبذل مجهوده مع الأهل والاصدقاء ،كان ذكياً بشكلٍ عاطفي ،معتدل الخطوات حين يمشي بين حقول قريتهُ ويقضي سحابة نهارهِ على الجدول الرقراق الذي ينساب في وسط القرية التي يعيش فيها ، وبين تصفحهُ لحساباتهِ الألكترونيه على الأنترنيت على سبيل إدمان هذه العاده وتفقده لكل ما هو جديد دون هدفٍ ولا غايه ، واكثر من ذلك إدمانهُ بإحدى الألعاب الألكترونية على الهاتف ، وفي احد اشواط تلك اللعبة عنطريق صدفة مثل عاصفة حين تأتي دون ترتيب وبكسر حواجز الزمان والمكان تحدث مع بنت غريبة عليه تعيش هي بأحياء بلدهٍ وبين المساجد القديمه التي ينتهي بها كل زقاق  من مدينهٍ تحرسها الأنهار هي البصرة الفيحاء.
كان تواصلهم الأول بدائي تقليدي كان يرسل احدهم في الوقت بعد الأخر رسائل اطمئنان ، فأن لم يبادر احدهم بالسؤال تقتل انانية الاخر تلك المبادره ، دون ان يعلموا ان هذه المبادرة هي بذرة حب ستتحول بعد حين الى شجرة يسقونها من دموعهم بعد الفراق ، وبعد كل ذلك التأَني أصبحت علاقتهم مفعمةٌ ب الاعجاب إذن هكذا تورطا في الحب دون أن يدركان كيف حدث ذلك تحولت جميع رسائِلهم إلى احاسيس ملتهبه وعبارات حب وغرام وغزل يغلب عليها أللهفه والحنين فقد كان سريعاً تحول علاقتهم من هلالاً الى بدراً يُنير وأصبح بينهم حباً عظيم يمثل صدمة الإنعاش التي تجعلنا نحيا حياة جديده.
كل هذا جاء من مبداء المغامره الرائعه تبداء بالفضول بعد أن قتل فضول ذلك الولد أحلامه حين دخل إلى صفحتها وتفاجئ ب سيماء كلمةً إنكليزية ( Engaged ) حيث يُعنى بها مخطوبة لفلان ... يقول حينها أصفر وجهي اصفرار وجه ميت وارتجف جسمي ارتجاف اوراق شجرٍ في مهب الريح بعدها اصبح وجهي كالقطن ناصع البياض من شدة الصدمة ، هي أخفت ان تقول لهُ الحقيقه خوفاً من إبتعاده حتى أكتشف ذلك بِنفسِه.
فكانت الشجاعة من الطرفين هي الانسحاب لعدم توافق الأحلام مع الواقع ، بداء كل طرف منهم يحارب على حده ، ولأن الحرب هي حرب النفس كانت كلما تشعر بحزن دخلت غرفتها وأغلقت الباب وبداءت بتمارين السعادة ،تغمض عيناها وتتخيل موقفاً سعيداً معهُ من وحي الخيال لِتوهم نفسها وتخفف من طبيعة الحال وتخدع عقلها الباطن الذي لايفرق بين الحقيقةَ والخيال ، ولأننا تعلمنا ان في الحرب لايوجد مُنتَصِر لم تستمر تلك الفجوه إلا بضعة ليالي حتى شعرت بحزنٍ شديد وذهبت لتغتسل وتُطفِئ النار المضطرمة بداخلها بالماء... مكثت لساعةٍ تبكي تحت الماء وتحدث نفسها حتى ركبت شجاعتها وحزمت أمرها وحملت قلمها وكتبت لهُ بما لاتستطيع عشرة ألسنه التحدث به هي كتبت وبلهجة لسانها وبساطتهِ « يول كنت اريدك ان تكون اكثر من مجرد صديق (حبيب) لكنك أنسحبت منذ معرفتك بإحتلالي من قبل غيرك تلك الكلمة التي لازمت لساني منك ، سأكتفي بالنظر لأحوالك دون علمك ، يوماً ما سأكون طبيبتك التي لو جئتها على وجع خفيف كأن تؤلمك ذرة صغيرة دخلت عيناك ، اتصور بعدهه راح تعرف منو اني؟»
وبعد سؤالها الأخير له عادة غيمة أحلامهُ إلى سابق عهدها حتى نَوى مع بروز شمس إحدى الليالي وظهور إحمرارها أن يقطع مسافه من شمال البلاد إلى أَقصى جنوبها ويحقق أبسط أحلامه هي رؤية ذلك المحبوب... وبعد أن وصل مع الإتفاق نزل من سيارته مستوحشاً وسط الاضطراب النفسي وغرابة المكان ، فقد سبقت كل هذا مسؤولية العواطف وبُعده عن الأهل إلى أن حَسَّ ب الأمان حين سمع صوت رساله على الهاتف ،فتح تلك الرساله كي يقرائها بينما هو يسير إتجاه حبيبتهُ
قالت في الرساله : رؤية المحبوب قد فاح عطرها وعند لقائك سأنتزع منك كل ما يحجبني عن جميع أعضائك ، سأُقبلُك من ذلك الإرتفاع في عنقك سأمزج أنفاسي بأنفاسك ولا بأس إن أصابتني رغبة الموت بين يديك ، اشتقت لرائحتك كثيراً الى تلك الدرجة التي تجعلني بلقياك أستنشقها من كل جانب ، ان تتصاعد انفاسك بين أذرعي ، ان أشعر بدقات قلبك تتسارع ويتصل قلبكَ مع قلبي  وكلما تذكرت كيف أصابني الشوق إليك ألصقتُ نفسي بكَ اكثر حتى اتحسس أوردتكَ النابضه ، تعترينا الرغبة في ان نتجاوز حدودنا... يداك تمتلك من القوه ما لا يكفيها صراخي و تمايلي على جسمك من الآلم وشدة الرغبة بك ، الغدرُ أنتَ بِسماته إن جئت خلفي ، تتغلغل وتَعبر حدودكَ بي تعرف أنت طرق موتي ولا تأخذني إليها... كلما أقتربت منك لأحارب تهزمني اكثر ، لاطاقة لي لمجابهة ذلك التصلب ، يغريني ويغريني الإتزان بين الموت والحياه و يغريني أن تسلب قدرتي على الوقوف ثم يغريني اكثر عندما يكون القيد هو يديك والغذاء فمك والآلم منك ، اقاومك احاول و احاول أن ارد لك الأذى أبادئك بقوة أنجح في المجابهة الأولى وافشل في الأخيره... .وهو مستمر بالقراءه حتى وصل إليها .

وعند اللقاء ، في هذهِ أللحظة تماماً زامنَ  الكاتب مُلتقاهم و إحتظانهم لبعض بشدّة تلاطم امواج بحرٍ بصخور شواطئهِ  .
وقال شاعر تعبيراً لقول إحداهم لأخر: احظني واني ضلوعي مشتاگه لديك      وابقى حاظني وابد لتعوفني      لاتذب روحك    اذب روحي عليك    وخلي هاي الناس كلهه تشوفني   ،  ابقى حاظني وابد لتعوفني .
جلس بعدها ليصف لها مدى الفرحه وهو يقول  لا أظنها حقيقة كيف ذلك لقد حدثت المعجزة وغادر القمر سماءهُ ليجالِسَني الحديث ...
كان يتحدث ثم يلتفت ليرئ عيناها تتحملقان به تراقبان  ردود افعاله تلاحقان تعبيرات وجههُ الجميل وضحكاته ، قال لها ايضاً لأنني منحتكِ كل العشق الذي ادخرتهُ في قلبي ولأنني أفرطتُ بجنوني بهذياني بكِ حتى النخاع أصبحتُ فقير عاطفه إتجاه كل النساء .
أثار ذلك مشاعرها لتقطع حديثهُ وتقول "كيف لك أن تحبني وانت تعلم إنني مخطوبة".
للأسف لم يطل اللقاء بعدها ،ليتها طلبت منه لقاءاً ثاني . فمن حبهُ لها وخوفهُ عليها غادر بصمت .
تحول بعد مغادرتهِ ذلك القمر المنير إلى محاق وبدا كل شيء مظلم .

"هكذا هي العلاقات دوماً أشبه بالدورة القمرية من هلال الى بدر مكتمل بعدها تتحول إلى محاق نصف وجههُ مُظلم في حين نحنُ نُريدها أن تكون مثل شمساً يدور الكون بأِرضهِ حولها لِتبقى هي ثابته وهي تحرق كل شيئا يقتربُ منِها"

:ابراهيم خلف الشيخ

اللقاء الأولOù les histoires vivent. Découvrez maintenant