I

82 12 37
                                    



ما الحُب في المُعلَّقاتِ إلا كذبة، خُدعة لاستقطابِ العُشاق المجاذيبِ لأرضٍ بور، لشجرٍ طرحهُ لاذِع وفاكهته سامة. أنا رجلٌ مسموم في ساحةٍ غبراء والحياةُ ترفض شفائي، بل تسكُب فوقَ جروحِي نارًا وتنتظرُ مِني استقبالًا حارًا وأن أطالبها بالمزيد، وأنا أُطالب بالمزيد.

لقد نفرتني الحياة، ولكنِّي ما نفرتُها؛ تشبثتُ بِها وما تشَبثت بِي بل زجتني في زنانةٍ مِن فولاذٍ وكبلّتني بأغلالٍ مِن أسفل سافلين. أنا رجلٌ مُكبَّل بالعِشق، والفِتنة هي دائي ودوائي سرابٌ لم يُعد لهُ وجود. أنا الذي تغنيتُ بكلماتِ الشُعراء، مَدحتُ الغرام في أوجه وسخطتُ عليهِ حينما أذلني. إنِّي أُناجي نفسِي على ضوء القمر، وأنظِّمُ فيها أبياتًا مِن الهجاء تحت سطوة الشمس.

في استلقائي سمفونية نجاة سمفونية تعزفها أنامِلي بلا جدوى، فلا أنا بعازفٍ ولا أملك آلة موسيقية تتحدثُ عن دواخلي. تعلَّقت عيناي بيميني، بقلبِي الذي حدَّق خارِج النافِذة الحديدية، الحُرية المُزيفة المؤقتة التي تُمنح لكل سجينٍ يُقاسِي عذابًا، إلا أن عذابِي انبثقَ مِن جذورِ الألم مشوبًا بالجوى والأشواك فيه قاتله.

"قُل لِي شيئًا لا أعرفه."

نَبسَت ونظرها يتحاشاني تمامًا، كأنِّي دميمَ الخِلقة أو تفوح مِني رائحة الخُبثُ وهي لا تقوى على مواجهة شري.

"أنتِ نجاة، ولكنَّكِ مُهلكة. في قُربكِ موتٌ وفي بُعدكِ حياة ولا يجتمع الاثنان قط. ولكنَِّي في سبيلكِ سأبذل كُل شيء يا نيسا."

هرعت الحروف مِن فمِي دون تفكير، إنَّ نيسا هي حياتي، قد أهديت هواها قلبِي طواعية قبل سنواتٍ، والآن أهُديها أخر أنفاسي طواعية.

"ماذا إذا كلَّفك سبيلي حياتك؟"

تملَّكت المرارة مِن حلقِي وعيناي تأبى مُغادرة كيانها القابِع فوقَ الفِراش الذي يتخذُ مِن أحد أركان الزنانة الصغيرة محلًا، كانَ سؤالها مُفجعًا؛ أنَّى لها أن تجهل أنَّها ملك الموت الذي يحوم حولِي؟

""سأُقدمها طوعًا."

أتاها جوابِي مُحملًا بدموعٍ مِن علقمٍ، ثُم استأنفت:
"لكنَّي أعلمُ أنَّكِ ستبخلين عليَّ في المُقابل ولن تُكرميني ولو بزفرةٍ من العطف."

عاقبتني بصمتٍ مُدقع، وأنا الكليمُ في ساحاتها، أطوق لجملةٍ أخرى، لكلمة، أو لحرفٍ حتى. أردتُ أن أقترب مِنها، أن أمحو المسافة محوًا أزليًا، لكنَّها كانت تحولُ بيننا، وهي الأبية الساخطة عليّ لا تُهديني رمشة حتى.

جُلِ ما شجعتُ جسدِي عليه كان الاعتدال، وقد جلستُ سامحًا لعيني أن تتخذُ مِن وجهها مسكنًا. آهٍ مِن ذاك الحُسن الآخاذ وتلك السِهامُ القاتلة، عينيها. وردني ذات يوم أن نظرة مِنها تساوي عمرًا كامِلًا، وقد كان. في كُل نظرةٍ ضلت عن سبيلها حياة بأكملها.

مُدنسWhere stories live. Discover now