١.مَاْ وَرَاءَ الْجِدَار.

9 1 0
                                    


◤النوع: غموض
◤عدد الكلمات: 800+

الكل قد سار على نهج السابقون، أجدادنا وأجداد أجدادنا السابقون وها نحن ذا في عام عشرين تسعين ولم يتغير شيءٌ البتة، كما ولو أن أحدهم قد طمس أعيننا عن الحقائق أو كمن صرخ في آذاننا حتى أصبحنا صُمًا إلى متى سنبقى على نهج حديثهم؟ أنّى لي بتصديق هذه التراهات؟

قبل مليون سنة قيل أن الوحوش الضخمة مجهولة المصدر قد اجتاحت البلاد وأكلت الأخضر واليابس وكانت البشرية على المحك ولكن بفضل الإمبراطور آرثر استطاع التغلب على هذه الآفة وصد تلك الهجمات حتى قيدوا البشر داخل جدران ضخمة كما أنها مرتفعة عن مستوى سطح الأرض كما أن آباءنا الأولين قالوا أن كل من غادر هذه الجزيرة الطائرة وخرج من بين هذه الجدار لم يَعد بعدها أبدًا، فتلك الوحوش تنتظر فريستها في الخارج دومًا.

في صباح يوم ممل حيث أشعة الشمس الحارقة أخذت حقيبتي وملئتها بالطعام فاليوم هو يوم استكشاف الحياة! اليوم الذي سأجعل فيه التاريخ يذكر اسمي بين سطور الأبطال، انطلقت بضع خطوات حتى وصلت إلى ذاك الجدار العملاق والذي كان يبلغ طوله ستين مترًا تقريبًا، كنت أتساءل بداخلي إن كانت التكنولوجيا قد تطورت لصنع هذه الجدارن الضخمة فلماذا لا تقوم أيضا بالقضاء على الوحوش خارج هذه الجدارن؟ هذا ليس منطقي! ولا أحد يستطيع إجابتي بطريقة صحيحة كما أرغب، لذا علي أن أجازف بحياتي من أجل ازاحة ذاك الستار الغامض.

أخذت بطاقة أحد حراس البوابة العملاقة واستطعت الخروج ومغادرة تلك الجدارن الضخمة للمرة الأولى في حياتي، ولأني كنت متهورًا نسيت إغلاق الباب خلفي وما إن إلتفت الحارس حتى رآني عبر فتحة صغيرة من الباب فخرج للحاق بي وهناك التقت بالتوأمين الذان خرجا بالطريقة نفسها منذ مدة وجيزة، وساعداني على الإطاحة بذلك الحارس.

أخيرًا يمكننا مغادرة هذه البلدة مزعجة الأضواء، فلا ضياء الشمس نستطيع أن نرى بداخلها ولا نور القمر في ظلمة الليل لأنهم قد أحكموا إغلاق كل المنافذ حتى لا يهرب أحدهم أو يسترق النظر خارج هذه البلدة هربنا مسرعين عبر جهاز ناقل افتراضي متطور وهبطنا للأرض بسلام ، وهناك حدّقنا ببعضنا بعد أن صُعقنا من من رأته أعيننا! كانت أرض صالحة للعيش! بل وفيها أقوام وأناس في أسواق قديمة يبيعون ما لذ وطاب من الخضار والفواكة تحت مظلات صغيرة من قماش مهترئ تحملها أربع عِصي من الخشب، كانت ملابسهم رثة والتراب يغطي الأرض فلا يسعنا الرؤية بوضوح إثر الرياح التي تهب لترمي حبات الرمال فتصنع الغبار.

أشكالهم بسيطة، ولا يتطال الآخر على غيره بل بينهم مودة وإخلاص! أنّى لهم بهذه القيم ومكارم الأخلاق؟ أنّى لهم في ثقتهم ببعضهم ووضع البضاعة هكذا أمام الملأ؟ حقا تعجبت منهم ومن حياتهم التي أدهشتني، حينها اصطدمت بشخص كان يرتدي عمامة بيضاء فوق رأسه وكانت تعابير وجهه باسمة تريح القلب انحنى وجَثا على ركبته اليسرى وقال بصوت هادئ:

"اعذرني أيها الغلام فلم أرك تسير أمامي، دعني أعبّر عن اعتذاري بتفاحة حمراء لك ولصديقيك التوأمين. "

ثم غادر بعد أن ألقى تحية السلام، كان مثل الحُلم حقًا! فأنّى لرجل في مثل عمره أن ينحني إلى مقامي ويعطيني جزء من وقته فقط ليعتذر ويقدم لنا التفاح الأحمر الطازج! أريد معرفة المزيد عن هذا العالم! أخذت التوأمين خلفي أجرهما بتلهف حتى وصلنا إلى مكان قد رُتب بشكل أنيق يبدو مثل منزل أو قصر حاكم هذه البلدة المتواضعة، أفلت التوأمين يداي وبدأ في قرع البوابة متوسطة الحجم أمامنا! كانت بلا حُراس حتى.

حاولت إيقافهما ولكنهما لم ينصتا إليّ حتى، شعرت بيد دافئة تمسك بكتفي من الخلف فنظرت بسرعة خوفًا من أن يكون أحد الحُراس ولكن صدمت بأنه كان الحاكم نفسه! فقد كان يرتدي ملابس متواضعة خضراء نظيفة، ولديه تاج صُنع من النحاس فوق رأسه وابتسامة ذات طابع متسامح، وضع الحاكم يده الضخمة على ظهري التي غطّت جزء كبير من ظهري وبدأ في دفعي للأمام حتى دخلنا أنا والتوأمين معه لداخل القصر، كانت المرة الأولى لي في رؤية قصر بلا ستائر فخمة أو حتى سُجاد أحمر يتوسط القصر.

جلسنا بالقرب من كرسي الحاكم الذي قام باستضافتنا والتحدث معنا عن بعض التفاصيل:

"أيها الفِتية، من أي بلاد قد قدمتم؟ أرى بشرتكم بيضاء مشرقة، وعيون ملونة نظرة، وشعوركم شقراء متوهجة ، وثيابكم بأناقة مزركشة، فلا يسعني القول إلا أنكم قد قدمتم من بلاد تفوقنا تقدمًا وحداثة. "

أومأ التوأمين وتحدثا في تزامن واحد:

" قد جئنا من بلاد تدعى بلاد (ما فوق البِساط) هي تلك التي تعوم فوقكم!"

أطلق الحاكم ضحكة عفوية تلتها سعال طفيف، وقال بتعابير مستسلمة:
"كنت ذات يوم أحد أبناء تلك المدينة، ولكن أَبَيت أن أكون أحد كلابها الضالة فلا أرى منهم إلا البُخل والحسد والغيرة والتكبر والتنافس على المال والبنون، ولا أرى أن لي مستقبل بينهم لذا أصبح بيننا وبين العائلة المالكة هناك صراعات عُظمى حتى تفككنا وها نحن ذا ننظر إليهم من الأسفل، الرفعة التي هم فيها الآن هي رفعة النفوس المتجبرة وليست النفس الطاهرة النقية."

أجبت على كلام الحاكم مستفهمًا:

"ماذا عن الوحوش؟ التي كانت ستبيد البشرية جمعا؟ "

قهقه الحاكم بسخرية ثم وضع يده أسفل ذقنه واتكأ بها حيث قال:

"إن كانت هناك وحوش خارج تلك الجدارن، وحداثة التكنولوجيا فأنى لهم بالبقاء داخلها إلى اليوم؟ هذه مجرد كذبة توارثتها الأجيال يومًا بعد يوم وها أنت ذا تكتشف حقيقة العنصرية التي شهدتها بأم عينيك."

حينها قررت أن أبقى في هذه البلاد الغنية بالصدق والكرم والتواضع، ونقلت لأهلي كل الأخبار عن حقيقة تلك البلاد المزيفة فليتمتعوا بنعيمهم المصنع و ليتركوا أصحاب مكارم الأخلاق يعيشوا ما تبقى لهم في الحياة بعزة النفس ورضى القدر وعلوا العِلم .

________
انْتَهى..

❖|| قِــصَصِيَّة.Where stories live. Discover now