في ظرف النسيان 🇵🇸

112 33 90
                                    




























«دعوني أمر، رجاء، عذرا.. آسفة..»
أعتذر من هذا و أتحدث مع هذا ليسمحوا لي بالمرور، مجانين بحق هؤلاء!، سيخرج الرئيس قريبا، و عليّ طرح بعض الأسئلة عليه كي تعرض على القناة التي أعمل بها، و على ذكر حضرته، ها هو ذا يخرج وسط هتافات و أصوات عالية صدحت بالمكان.

هاهو الرئيس قد خرج يوزع الإبتسامات و التحيات هنا و هناك لشعبه، شعور بالغثيان و الإشمئزاز إكتسح قلبي، كأني أرى ما لا يسر و يرضي، و هذا طبعا لا يرضي ذاتي، دفعت الجميع و تجاوزتهم متناسية أنه علي التحلّي ببعض الأنوثة، لكن مع هؤلاء؟! مستحيل!

هاقد وصلت للحاجز أخيرا، أناظره يقترب منا نحن الصحافيّون الذين تهافتو عليه بالأسئلة حول المشاريع المهمة التي سيقدّمها خدمة للوطن أوليس هذا واجبه! إذن..!

بالنسبة لي فإن كل هذا لا يهم، لن أقيّد نفسي بما أُمليَ عليّ من مديري، و سأخرج كل ما يؤرق خافقي.
«سيّدي الرئيس! سيّدي الرئيس!»
إنتبه لي و رمقتي بنظرة جانبيّة و إبتسامة لاحت على ملمحه الهادئ، تقدم نحوي بخطوات ثابتة مجرّدة من الخوف و التزعزع.

«سيّدي الرئيس! أرجو من حضرتك أن تجيب على أسألتي بكلّ وضوح من فضلك!»
أومأ لي ببعض من الإستفهام يحثّني على الحديث، وضعت مكبر الصوت عند ثغري لأنطق بكلمات جعلت كل ضجيج يختفي، و فقط أنظار الجميع حولي، لكنها آخر إهتماماتي.

«سيّدي الرئيس! ماذا تعني كلمة فلسطين لك؟!»
رمقني بنظرة كلّها إستغراب و إستفهام ليخفيها حالما توجهت الأنظار و الأصوات نحوه، و إجتمعت عليه أضواء الكاميرات، ليعيد إبتسامته مجددا و يتحدث بثقة
«فلسطين البلاد العربية الطاهرة و أختنا الشقيقة، بلاد العز و الكرامة، و هذا لا يحتاج لسؤال يا ابنتي!»

أجل أجل.. ألم أسمع هذا قبلا؟! أظنني سمعته آلاف بل ملايين المرّات، يا للسخرية!
«لا يحتاج لسؤال سيّدي الرئيس، إذن ما قولك عمّا يحدث بها الآن؟! من إستعمار و دمار، من شهداء و قتلى و تعذيب و إبادات؟!»

أبصرني بنظرة تقول 'إلى أين تريدين ان تصلي؟'، و قد لاحظت أيضا نظرات عدم الرضا من حاشيته لكنّه بحركة منه منعهم من التقدم، فتجهّمت ملامحهم ناظرين لي بسخط و لم أهتم أيضا، لأعيد أبصاري نحو الذي أمامي و ها قد نطق رده بملامح يكسوها الحزن و الضيق
«فعلا مؤسف ما نراه، غزة تعاني من ظالم مستبد حسبنا الله و نعم الوكيل!..»
قاطعته قبل أن يكمل
«إذا مابال حضرتكم ساكنين هكذا؟ لم لا تفعلون شيئا؟!»

تجهّمت ملامح وجهه و لم يرد علي، ألا يملك جوابا، أُحسني أختنق من هذه الإجابات، حقا؟!! أهذا ما تملكه أفواهكم للتحدث به! لم لا تدعون أفعالكم تتحدث عنكم!! يا أسفاه، على شعب عربي رَايته الإسلام! الأخوة و التضامن، دموعي تنزل بغير إرادة منّي، حتى أنا أشعر بالعجز لعدم قدرتي على فعل شيء، واقفة مكتوفة اليدين، لكني صحافية و واجبي إظهار الحقائق، شنيعة قاسية و إن كانت!
كان السيّد سيهم بالرحيل بعد صمتي الطويل، لكن هتافات الصحافيين حولي أوقفته، و الكاميرات المسلطة عليه جعلت في ملمحه بعضا من التوتر و عدم الإرتياح، إستطاع إخفاءها بين ثنايا بسمته.

فتحمحت أنا أرفع من صوتي جاذبة إهتمامه مجددا.
«اسمح لي بإطلاعك السبب سيدي!»
قاطعني أحد أفراد حاشيته بنبرة غاضبة و ملامح باردة، نظراته تود لو تقتلعني من مكاني و ترميني خارجا، لكنّي منك لن أخاف!
ربي و خالقي من أخاف منه!

«حضرتكم خائف من القيام بأية أفعال قد تدمرّه، أجل تدمره من تخال نفسها أفضل من بالعالم! حليفة الطاغي الفاسق! ذبلت ضمائركم و دُمرت، قيدتم إرادتكم الحقيقية متناسين الرابط الذي يجمعنا كعرب و مسلمين!! كإخوة متعاضدين، متعاونين مع بعض ضد الشر الفاسق، أهانت عليكم الحبيبة! أتضحكون هنا و تحيّون بعضكم بسعادة، تفرحون و مبتهجون، ألم تأخذ و لو القليل من تفكيركم!! ألم تعطوها و لو بنت ذرّة من حقها! تموووت!! تتعذب!! أمام أعينكم و أنتم تبصرون، بالله أخبرني على هذا كيف تقدرون! ألستَ من له سلطة و يستطيع فعلا! و نحن شعبك سنسندك و نقف مع أختنا! إذن فلِم؟!! لِم هذا الجمود و السكوت؟!! لم الصمت عن الحق؟!! لِم الوقوف و المشاهدة؟!، سُرقت الكلمات منّي يا سيّدي و لم أعرف ماذا أقول! ألا تخافون ربكم! تحاسبون يوم الدين! غضضتم ببصركم عن الحق،!!»

قوطعتُ عن كلامي بسبب إقتراب تلك الحاشية منّي، كنت أبصرهم بضبابيّة ، و لم أدرك حتى الآني كنت أبكي، و دموعي خانتني وسط حديثي، قلبي يؤلمني و غصتي تخنقني، لن أخفي الحقيقة و لن أكون ضعيفة كأمثالهم، لكنّهم لا يريدون منّي ذلك!، الحقيقة تخيفهم لا بل ترعبهم، و في ظل الكذب و الخيال يعيشون، بأنّه لا بأس، يصدّقون النفاق و الخداع المتنكر بهيئة الحقيقة، و الحق.
سُحبتُ للوراء بعيدا عنهم، و أنا أشعر بنظرات الجميع نحوي، أبعدوني عن المكان و أنا أصرخ، أصرخ شاعرة بأحبالي الصوتيّة ستتقطع عمّا قريب، سُحبتُ و رُميتُ بعيدا، لكنّي الآن راضية ، قهَرهم ضعهم و كشفتهم كلماتي بل و أهلكتهم، أضهرت ما يكنّوه من ضعف و جبن، شعرت بي و أخيرا، شعور الرضا بأني فعلت شيئا مفيدا لنصرتك، فقول الحق بلسان رطب، دون خوف من النتائج، ممّا سيحدث لي بعد أن كلمت رئيس البلد هكذا! تطلّب شجاعة كبيرة، بفضل الله إكتسبتها و بـحت بما يخالج خافقي و يؤرق فؤادي الهش.

واجب الصحافيّ ينص على كشفه للحقائق و إزالة الستار عنها، لشدّة قوة الحقيقة في بعض الأحيان، سيخاف الكثير من التفوّه بها، و القلّة من سيتشجعون لنطقها، شرف لي أني كنت من القلّة الأخيرين، أني فعلت ما لم يفعله أي أحد، و قلت ما لم يقله أحد، و لم أنتهي بعد، لن أنتهي حتما، فلازال بجعبتي الكثير، و الحقيقة لم تظهر بعد، سأفعلها، ستستيقظون من غفوتكم بإذن الله، عليك ذلك، عليكم ذلك بأسرع وقت، بأسرع وقت ممكن!.

نهضت من مكاني، عدّلت حجابي، و إبتسمت،
«لم ينتهي الأمر بعد»
أردفتها بعد أن تلاقت عينيّ بعيني سيادته المحترم، و أظنّه فهم ما لفظت شفاهي، فصد ببصره عنّي مكملا طريقه في سجاد أحمر، فها أنت ذا تمشي عليه، و إخوتنا بغزّة يمشون على أرضٍ الملوّنة بأحمر قاني، ها أنت تركب سيارتك بابتسامة، و هم يودّعون أحبابهم بابتسامة فخر! لأنّهم شهداء في سبيل الوطن! لأنهم على الأقل دافعوا عن أرضهم و عن إسلامهم و دينهم!

فداكم القلب و الرّوح يا أهل العز و الشرف!























تـمّـت بِـإذن الـلّٰـه تـعـالـىٰ.



لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 18 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

فـي ظـرف النـسيـانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن