أملٌ وحياة

14.4K 1.1K 986
                                    

خلف قضبان حديدية مصبوغة بلون السماء وتحت لفحة هواء المكيف المحتدمة تسابقت ستة أرواح في لفظ أنفاسها الأولى لتبدأ رحلتها العويصة بين كثبان الحياة، تماماً ككل قط يعيش الإنسان عليه وليس معه؛ كأنّ غلطته أن لم يكن بشراً!

هناك من بين تفاوت ألوانهم فارهة الجمال، تفردت إحداهن بفرائها قاتم السواد كليلة عارية النجوم.
تغمرها البهجة إثر روتين متواضع؛ لعق أمها لفروها الناعم بعد الرضاعة، والركض المترنح بفوضوية خلف إخوتها متخذين من جسد الأم جسراً لهم، وحتى استنساخ حركات والدتهم بالأكل والنوم وعادات التنظيف اليومية.
رغم ضآلة حجم القفص، وإرهاق أمها المتزايد نتيجة إهمال مالكها التاجر، والرائحة النتنة الصادرة من رمل حمامهم، لم تمانع تلك السوداء الصغيرة بإيجاد الراحة في أبسط التفاصيل مع أمها...
إلى أن بلغت عمر الشهر ألا وهو نصف مدة الفطام، آنها احتدت لأنْ تفارق دفء أمها وحليبها المشبع لتتكدس مع أشقائها في قفصٍ آخر، وفي مكانٍ آخر!

إضافةً لفجعة التغيير المفاجئ، واجهت الهرة السوداء رعب عويل الكلاب المربوطة والمحبوسة، ومواء ذوي نوعها المستنجد من مجرمي هذا السوق: حراج الحيوانات.
آلمتها أرضية القفص الحديدية، وصفعتها حُرقة شمس الظهرية، تسلقت صندوق الرمل -حمامها- القذر مضطرة لتمدد أطرافها تبحث عن نفحة تلبسها بالبرودة ومخالفةً لفطرتها الطاهرة كارهة القاذورات، راقبت إخوتها يفارقونها واحداً تلو الآخر مقابل أوراق نقدية زهيدة، جاهلةً حاضرها ومصيرها.

انتُشلت الصغيرة السوداء من قبل مراهقة مرت برفقة أبيها وأعجبت بشكلها الظريف وسنها الصغير، أخذتها إلى منزلها لتبدأ صفحة جديدة لا يُعرَف لونها، وقررت أن تسميها بلاك نسبة إلى اسوداد لونها. رفضت والدة الفتاة وجود بلاك متحججة بالخرافات الواهية كأن القط مسببة للعقم والصلع لتجد بلاك نفسها تبيت في مستودع خلف باحة المنزل دون تهوية وتقضي يومها في غرفة صاحبتها متقبلةً تلك الأربطة الملونة الخانقة حول عنقها والفساتين الزاهية بتصاميمها فقط لتلتقط صوراً لها وتتفاخر بها بين معارفها ووسائل التواصل الاجتماعي.

تحملت بلاك جل التحكم ذاك فقط ولأنها سعيدة بوجودها بجانب صاحبتها البشرية، إلى أن بلغت الشهرين ونمى شعرها أكثر مما صب في جنون والدة الفتاة وهي ترى أن الأمراض تزيد بازدياد طول شعر القط لتجبرها على التخلي عنها.

بلاك لم تكن تعلم لماذا وضعتها صاحبتها في صندوق بفتحات تبيح للهواء الدخول ومربوط بشريطة هدايا لماعة، ولم تعلم أيضاً لما أرفقت معها غلافيّ طعام قطط رطب وبعض مستلزماتها المهمة، حتى وجدت نفسها في منزلٍ جديد وعائلة جديدة وصاحبتها السابقة تخاطب الأخرى التي استلمت بلاك:
"هدية يوم ميلادك، اسمها بلاك اهتمي بها جيداً"
بلاك كانت تشعر بالسوء لفراق صاحبتها، رغم أن الأسوأ أنها عوملت كسلعة تشترى وتهدى كيفما ومتى ما أراد الإنسان.

آشاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن