-جوزيف-

74 3 10
                                    

28 من كانون الاول كانت شوارع نيويورك انذاك مزدحمة تشع منها اضواء باهتة وسط ظلمة حالكة، و قد اضيئت كل مصابيحها لتنير الاجواء. كان الليل قد اسدل ستاره و الناس يسرعون الخطى و يحتمون بالجرائد تحت تلك الدموع التي تذرفها السماء. كان يجول ببصره وسط ساحة مليئة بناطحات السحاب و باللافتات المعلقة على جدرانها ويتمعن البنايات و ماكينات بيع المشروبات المرصفة حذو الرصيف وينصت الى قطرات المطر و هي تنهمر برقة لتصطدم بالارض و تبعث البهجة في المدينة التي لا تنام . انها لحياة صاخبة مليئة بالضوضاء تعج بالحركة. كان يخطو في أناة و يحدق بذلك المطعم الذي اعتاد والده ان يصطحبه اليه. هذه اول خطوات يخطوها وسط الوجوم بعيدا عن القضبان التي قبع خلفها و ألف تلك الخربشات التي تملا جدرانها و تلك الاسرة البالية التي يغفو عليها. ها هو جوزيف يلج الحياة من جديد بعد 14 سنة من السجن ليترك خلفه ماض حافلا بالاجرام.لم يطرأ على المكان اي تغيير.المدينة على حالها :حشد من الناس متجمعون عند بائع الاكلات السريعة المتنقل و السائقون يقودون على عجلة من امرهم محدثين صوت ازيز خفيف مختلط مع هتافهم المزعج و صوت النسيم يداعب مسمعه ليضفي على روحه الصداة راحة و يفعمها حبورا و يزيح عنها تلك الغلالة السوداء التي تاصلت فيه و جردته من انسانيته.لقد رفع يديه الى السماء العاتمة و سمح للمطر بان يطهر كيانه و يعيد اليه ذكريات مضت لا اوبة لها .كان يسترجعها و صراخ العم "كارلوس" الرجل العجوز صاحب المطعم يمتع أذنيه و يسيل من جفنه دمعة باردة على وجنتيه.ذاك هو جوزيف :شاب في مقتبل العمر, ذو مروءة, يعيش في دعة و يحتذى بابائه و رفعة اخلاقه يحوله القدر الى قطيعة اجتماعية منبوذة شريدة الوجدان.و لكن عقله لم يكن يفكر الا في شيئين يقوده الحنين اليهما:الكنيسة التي كانت امه ترافقه اليها كل عيد عندما كان غلاما والخطاب الذي كان الكاهن"جون"- َأوأبي مثلما كان يلقبه- يلقيه في عيد الفصح.ولعل رغبته الملحة في الاستغفار و التطهر من الدنس هي التي استدرجته الى ذاك المكان المقدس .وقف امام الكنيسة و في نفسه شيئ من الاحترام و الحنين لصوت الاجراس وهي تقرع و للشمعدان الذي كان يوضع على حافة المذبح.داس برجليه النحيفتين على عتبة البوابة الرئيسية ثم قرع الجرس معلنا للاله قدومه و مبعدا بذلك ارواح الشياطين الشريرة ليتفرغ للعبادة.مشى داخل الصحن و توقف عند الخورس فجثا على ركبتيه و اشعل شمعة و بقي يترنم باغنية اعتادت الراهبة ان تغنيها له كل عيد ميلاد.وبينما هو منهمك في العبادة ياتيه صوت مألوف ابح قائلا"

_لا تخف فالرب يصفح خطايا من يعترف في قرارة نفسه بانه مذنب و يقطع جذور الخطيئة لكل من زاغ بصره و انحرف عن جادة الصواب عند طلبه الهداية و الموعظة. بالمناسبة كيف حالك يا جوزيف ؟ لا تزال تحمل تلك الملامح الطفولية و الشعر المجعد نفسه حتى بعد مرور دهر على رؤيتك . أعجب لهذه الحياة, لقد هيئت لنا اللقاء مجددا بعد كل هذه السنين."

karmaحيث تعيش القصص. اكتشف الآن