7-لا.....أرجوك!

15.5K 311 13
                                    

-سيدي ، حان وقت الذهاب.
الصوت القادم من مدخل الباب أزعج تأملات خافيير الصامتة للمنظر الممتد أسفل برجه العالي، فتصلب ثم تمتم وهو يخطو بعيدا عن النافذة ، موجها الى كبير الخدم ايماءة موجزة :" شكرا توريس. هل بات كل شيء جاهزا؟"
-نعم. لقد اجتمع الضيوف في الكنيسة .
-والآنسة بيريسفورد؟
-انها تنتظر في غرفة الاستقبال . وانا سأرافقها الى الكنيسة كما اتفقنا .
-جيد.
سعل خافيير لينقي حلقه، ثم قال مخاطبا كبير الخدم :" أخبرني توريس، كيف تبدو السنيوريتا بيريسفورد؟"
لم يقو توريس على اخفاء ارتباكه ، فقال:" كيف تبدو سيدي؟"
-نعم... هل تبدو.... سعيدة؟
حدق خافيير بالرجل الآخر بنفاد صبر ، أشرق وجه توريس ، وقال :" بالطبع .... قريبا سوف تصبح الدوقة الجديدة ، ومن الطبيعي أن تكون في نشوة من السعادة. و.....اذا كان بمقدوري أن اضيف ، فهي تبدو جميلة جدا".
أطلق كبير الخدم ابتسامة ذات دفء أصيل حقيقي، لكنها لم تسهم في تهدئة مزاج خافيير. فهو يشك بأن غرايس تشعر بالسعادة لاحتمال ان تصبح عروسه . انها ابعد ما تكون عن ذلك .
لا شك في انها تبدو متميزة جدا في فستان عرسها . لكن خافيير شعر بشيء من الغرابة لأن كبير خدمه عبر عن اعجابه بها بمثل هذه الحماسة . هو لم يكن حتى بقدرة توريس على الابتسام قبل وصول غرايس الى قصر الاسد. لطالما بدا القصر مكانا بشعا ومروعا الى حد ما، وكذلك بدا الموظفون فيه . لكن يبدو ان ذلك تغير بشكل ما خلال الاسابيع الثلاثة المنصرمة . والفضل في ذلك يعود الى تأثير الوردة الانكليزية الرقيقة، التي بدت قادرة بابتسامتها الناعمة على تفتيت قساوة هذه القلعة . اقر خافيير بعبوس انها لم تكن تبتسم له . بدت غرايس لطيفة مع موظفي القصر ، واستطاعت بتصرفاتها الهادئة ان تستحصل على رضاهم الفوري. لكنها ظلت باردة متزمتة معه، في حين ان حذرها منه راح يزداد يوميا أصبح وقت العشاء كل مساء محنة بالنسبة اليه ، بالرغم من توقه الى كسر تحفظها حتى يتلقى هو بدوره احدى ابتساماتها الخجولة التي كانت توجهها بطيبة خاطر الى كل شخص سواه في هذا القصر.

-سيدي ،هل يمكنني ان احضر لك شيئا ما؟
توريس متدرب على عدم اظهار نفاد الصبر ، لكن خافيير ادرك انه يخشى من ان يشعر الضيوف الذين ينتظرون في الكنيسة بالضجر. فكر خافيير ، ما الذي قد يظنه به كبير الخدم لو علم ان غرايس تتزوجه فقط لأنه اجبرها على ذلك؟
صعق خافيير لأدراكه انه لم يفكر حتى بمصرف هيريرا لعدة ايام. أليس السبب الوحيد لاهتمامه بهذا الزواج هو كونه وسيلة للحصول على مايحق له بالولادة؟ تذكر كيف تعلقت بوالدها لدى نهاية رحلتهما القصيرة الى إيست بورن ، التمعت عيناها الزرقاوان الكبيرتان بالدموع ، فيما ارتعش صوتها وهي تخبر انغوس بيريسفورد بمقدار حبها له . اقر خافيير بتثاقل ان غرايس مستعدة لفعل اي شيء لأجل والدها ، حتى الزواج من رجل تمقته بوضوح.
-سيدي؟
-حسنا! أنا قادم .
لا جدوى من ان يعاني هجوما غير ضروري من قبل ضميره الآن . إنه وغرايس عقدا اتفاقا ، وهو وفى مسبقا بجانبه منه . ذكر خافيير نفسه بذلك فيما مشى عبر الغرفة وتبع توريس . من الافضل ان يتذكر ان الفضل يعود إليه لأن والد غرايس الغشاش النصاب ليس قابعا في السجن بأنتظار محاكمته بتهمة الاحتيال .
بعد رحلته الى ايست بورن، ادرك خافيير ان انغوس لم يعد يشبه البتة الرجل الهادئ الرصين الذي كان قد عينه لإدارة الفرع البريطاني من مصرف هيريرا منذ ثلاث سنوات . بدا والد غرايس مثيرا للشفقة بوجهه الهزيل ويديه المرتعشتين . كما ان خافيير صدم فعلا لرؤية اضطرابه النفسي الواضح . ما الذي جعل انغوس يفكر بالاختلاس؟ لم تكن هنالك دلائل واضحة على انه استفاد من الملايين التي سرقها . بدا رجلا منكسرا ، بعيدا عن حياة البذخ والرفاهية ، وقد أجبر على اللجوء الى شقيقته لكي توفر له المسكن . ما الذي فعله اذا بتلك الملايين ؟ هل تراه صرفها كلها على غرايس ؟ قبل ان تدخل غرايس حياته ، كان خافيير يظن صدقا بأن ابنة انغوس بيريسفورد عي فتاة مدللة متواطئة مع والدها المحتال . لكنه اجبر بعد مرور الاسابيع القليلة الماضية ان يتقبل حقيقة ان غرايس لا تشبه البتة ما تصوره عنها .
نظر الى صورة الدوق السابق ، فيما عبر صالة الدخول الواسعة . منذ لحظة وصوله الى القصر وهو صبي يافع ، لقنه كارلوس هيريرا مبدأ الاعتقاد بأن القوة هي كل شيء ، وان المشاعر كالحب والتعاطف هي للضعفاء فقط ، اما أسد آل هيريرا فصلب قوي ، ويمشي دوما بمفرده . اقر خافيير بتثاقل ان لا مكان في قلبه لغرايس بيريسفورد ، لكنه لم يستطع اخراجها من ذهنه . انها مجرد فتاة غير ملفتة للنظر بملامح وجهها الرقيقة وشعرها البني الناعم لو قورنت مع عشيقاته العديدات . مع ذلك سيطرت على افكاره وطاردته في احلامه . لكن الانجذاب الحسي هو الشيء الوحيد الذي يشعر به تجاه غرايس . ذكر خافيير نفسه بذلك بحدة . انه يرغب بها ، وسوف يحصل عليها الليلة.... ليلة زفافهما .
طمأن نفسه وهو يعبر الباحة الخارجية متوجها نحو الكنيسة بأن غرايس تدين له . لم يفهم لماذا اختلس والد غرايس تلك الاموال ، لكن تصرفات انغوس ادت بكارلوس هيريرا الى التشكيك بإحكام خافيير، فأضاف شرط الزواج الى وصيته. لذلك من المنصف ان تحترم غرايس جهتها من الاتفاق فتصبح زوجته وتؤكد له حصوله على موقعه في رئاسة مصرف هيريرا .
******************
إنها الآن متزوجة! حركت غرايس بتوتر الخاتم الذهبي البسيط في إصبعها ، فوجدته عالقا بأحكام . كان خافيير قد وضعه في اصبعها بسهولة في وقت سابق من هذا النهار ، لكنها في ذلك الوقت كانت تشعر بالبرد بسبب اعصابها المتوترة. أما الآن فهي تشعر بالحر بسبب جلبة الاصوات المنبعثة من ارجاء قاعة الاستقبال. يا له من نهار طويل! بالكاد تطيق صبرا حتى ينتهي هذا اليوم. لكن اللمعان الدال على الترقب في عيني خافيير الكهرمانيتين يتوعدها بأن يكون الليل اكثر مشقة من نهار زفافهما . جعلت هذه الفكرة معدة غرايس تتقلص .
بعد انتهاء العشاء ، راح الضيوف يتبادلون الاحاديث. كان خافيير يقف برفقة مجموعة من الاشخاص الذين لم تلتقهم غرايس من قبل، وخمنت ان معظمهم على الارجح شركاء في اعمال خافيير. قدمها خافيير الى بعض افراد عائلته ، وبالتحديد الى نسيبه لورنزو بيريز، اي الرجل الذي سينتزع منه رئاسة المصرف اذا ما فشل في ايجاد عروس يتزوجها . تساءلت غرايس هل يدرك لورنزو السبب الحقيقي لزواجهما المتسرع؟ هل يعلم بذلك اي شخص آخر هنا بأستثناء المحامي رامون أغويلار؟
كان خافيير قد اصر على ان يكون الامر سرا . إنه رجل فخورا جدا ، واستشعرت غرايس ان هذا الشرط جرحه. راحت تنظر إليه غير قادرة على انتزاع نظراتها عن وجهه الوسيم . حين رأته واقفا بأنتظارها أمام المذبح بدا لها باردا وبعيدا لكنه رائع الى حد الدمار ، فأحست بجاذبيته القوية تغمرها بالكامل . فجأة بدت رجلاها غير قادرتين على حملها ، فتعلقت بذراع توريس وهو يرافقها الى داخل الكنيسة .
بدت مراسم الزفاف مؤثرة جدا ، فملأت الدموع عينيها حين تلت عهودها بصوت مرتعش لشدة تأثرها
لطالما حلمت بالزواج من رجل يشكل توأم روحها ، وها هي عالقة في اتحاد خال من الحب مع رجل غالبا ما يتكلم عنه موظفوه بلقب أسد آل هيريرا .

شبح من الماضي "شانتيل شاو"... (روايات احلام )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن