9-صدمة ومفاجأة

14.9K 361 48
                                    

تسللت أشعة الشمس الفضية الباهتة عبر الستائر وانحرفت على الوسائد ، ففتحت غرايس عينيها متنهدة بنعومة . منظر وجه خافيير القريب جدا من وجهها جعل قلبها يقفز من مكانه ، تماما كما يحصل كل صباح طيلة الشهرين الماضيين .

الشهران اللذان أمضتهما غرايس في قصر الأسد مرا بسرعة . لكنها عوضا عن ان تتمنى مرور الأشهر العشرة الباقية بالسرعة نفسها ، وجدت نفسها تتمنى لو يقف الزمن في مكانه . ما الذي يفعله بها هذا الساحر الذي أوقعها تحت تأثير لعنته؟ حدقت غرايس بخافيير ملاحظة كيف تحتك رموشه الطويلة السوداء بخديه . بدا خافيير خلال نومه أكثر استرخاء، بل يكاد يكون صبياني الملامح ، فأحست بقلبها ينتفخ بالاحاسيس . عندما التقته لأول مرة اعتقدت أنه أحد أفراد عصابة الشيطان ، لكنها ادركت منذ الشهور الاولى لزواجهما ان الدوق دو هيريرا يمتلك قلبا بالفعل ، لكنه ببساطة يبقيه مخفيا تحت قشرة ظاهرية من اللامبالاة الباردة .
رفعت جسمها لتستند على مرفقها حتى تدرس ملامح وجهه بوضوح أكبر . أقرت حينها أنه ليس باردا تجاهها ، فهو يمضي الكثير من الوقت برفقتها رغم انشغاله الدائم في مكتبه او في مكاتب مصرف هيريرا في غرناطة . غالبا ما كان يأخذ استراحة فيطلب من غرايس ان تتمشى معه في اراضي القصر
أما خلال العشاء كل ليلة فبدا خافيير رفيقا محببا يتمتع بخفة الدم ،وراح يغازلها مداعبا بغير خجل . وهو أمر جعلها تتوق للموافقة على الدعوة الجريئة الواضحة البادية في عينيه .

لكن منذ الصدمة التي تلقاها أثناء شهر عسلهما لم يبذل خافيير أية محاولة أخرى لإقامة علاقة زوجية مع غرايس . كما انه لم يعد يعانقها إلا امام موظفي القصر ، وافترضت انه يفعل ذلك لتدعيم الاعتقاد لدى الآخرين بأن زواجهما حقيقي ، وذلك أيضا هو سبب إصراره على نومها في سريره . أما حالما يصبحان بمفردهما كل ليلة ، فخافيير يحاذر تماما ان يلمسها.
فكرت غرايس بائسة انها لا تستطيع اتهامه بالتصرف الخاطئ . كان يصعد الى السرير ،فيغفو بعد لحظات من اطفاء الاضواء ، في حين أنها تبقى صاحية معظم الليل ، لأن رغبتها بالانزلاق بين ذراعيه تعذبها. الانجذاب الحسي ، الحب .... إنها مرتبكة جدا . ما عادت تعرف أين تنتهي الاولى فتبدأ الاخرى . حين وافقت غرايس على عرضه بالزواج عاهدت نفسها بألا تقع في غرامه ابدا ، أما الآن لم تعد واثقة تماما من ذلك . أقرت بكآبة أن افكارها تأخذ منحى خطيرا ، ثم انقلبت على ظهرها فحدقت الى الاعلى . يوما بعد يوم أخذ خافيير يجتاح قلبها ، لكن لا مجال ابدا لأن يحبها هو بدوره . بعد مرور عشرة اشهر من الآن ، سوف يطردها من حياته بالقسوة الفعالة ، وعدم الرحمة اللتين يتميز بهما .
-صباح الخير عزيزتي . هل نمت جيدا؟
هل سبب هذه النبرة المغيضة نوعا ما في صوت خافيير ، هو ادراكه أنها امضت ساعات وهي تتقلب في السرير ، فيما يعاني جسدها من الإحباط؟ فكرت غرايس بذلك عندما أدارت رأسها لتلاقي نظراته اللطيفة . أكدت غرايس له مبتهجة :" نمت كالميتة ، فقد حظيت بليلة رائعة خالية من الازعاج".
-أحقا؟ ظننت أنك حلمت بكابوس ما، نظرا لكثرة تلويك في السرير .
-لم أكن أتلوى .
جلست غرايس باستقامة وحملقت بخافيير ، فيما اشتعلت وجنتاها عندما لاحظت الوهج الماكر في عينيه . علق خافيير برقة :" لعلني كنت أحلم ، اذا . ليتني لم استيقظ ".
وضع ذراعيه في وضعية الدفاع عن النفس عندما انتزعت غرايس وسادتها فضربته بها .
-حسنا! أنت ترغبين باللعب . أليس كذلك؟
ابتسم لها خافيير ، وفاجأها حين اخذ الوسادة منها بيسر مهين ، ثم قلبها على ظهرها ووهج الإغاظة في عينيه ، لكنه ما إن حدق بها نزولا حتى تلاشت تلك النظرة ، قال :" تبدين جميلة جدا عزيزتي ، وأنا تحليت بالصبر كثيرا بالبقاء على جهتي من السرير".
غمغمت غرايس بصوت ابح :" انت لست على جهتك من السرير الآن ".
أحست بردة فعل جسدها الفورية على احتكاك جسمه بها .
-وأنت كذلك . نحن لسنا في أرض أي شخص ، حيث لم تعد تحتسب قوانين الحرب .
-أنا لست في حرب معك .
سقطت خصلة شعر على جبين خافيير ، فأطلقت غرايس تنهيدة ضعيفة الحيلة ، واستسلمت إلى رغبتها بتمسيدها الى الخلف ، بينما ارتعشت اناملها قليلا وهي تمررها من خلال الشعر الحريري الأسود الغزير . كم هو رائع ووسيم! إنها لا تستطيع أن تفكر بشكل صائب وهي على مقربة منه . يجدر بها ان تدفعه بعيدا عنها ، لكنها عوضا عن ذلك لفت يديها حول كتفيه . ثم همست بخجل :" ظننت أننا أصبحنا صديقين ".
-صديقين؟!
أطلق ابتسامة نحوها جعلت الأنفاس تعلق في حلقها،
وقال :" وشركاء في المنامة. بالرغم من أنه من المنصف ان اقول ان أيا منا لا ينام كثيرا . هل توافقين عزيزتي؟"
من غير المجدي ان تنكر ذلك ، في حين أنها تكاد تذوب شوقا إليه ، فقالت :"نعم" .
ابتلعت غرايس ريقها لدى رؤية الدفء اللامع في نظراته . راقبته وهو يخفض رأسه ببطء ثم يطلق غمغمة خافتة قبل ان يعانقها .
-خافيير ....!
دفنت غرايس وجهها في عنقه حين همست بأسمه .
غمغم خافيير قائلا :" أنت تتوقين إلي غرايس كما أتوق إليك ".
بدت نبرته شديدة الصراحة الى درجة اضطرتها الى التركيز على كلماته ، فتابع :" من يحتاج الى الحب في حين أننا نتشارك بشغف عميق وحاد كهذا؟"
-أنا أحتاجه .
أغمضت غرايس عينيها واجتاحتها موجة من اليأس لرؤية الاحباط القوي البادي في عيني خافيير ، ثم قالت بكآبة :" أنت موهوب في فن الاغواء خافيير ... لا شك أنك حظيت بالكثير من التمرين . لكن من دون الحب والثقة ماذا يبقى لدينا ، سوى بضع لحظات من المتعة الفارغة؟"
صرخت بقوة عندما حذرتها عضلات كتفيه وقساوة تعابير وجهه ، بأنه على وشك أن يفقد السيطرة على ذاته ، فقالت :" خذ جسدي إذا اردت! لن اتمكن من منعك لو حاولت ، كلانا ندرك ذلك . لكنك ستقوض كل ما تبقى لي من الاحترام الذاتي ، خصوصا بعد الاشياء التي فعلتها مؤخرا".
تراجع خافيير الى الوراء كما لو انها صفعته ، ثم سألها بوحشية :" أية اشياء؟ غرايس ، هل تخجلين من زواجك بي؟"
أقرت غرايس بصوت ابح :" أنا لست فخورة بالكذب. ولا افخر بالتعهد بنذور كاذبة في الكنيسة ، في حين أنني أعلم بأنني لن أفي بها مطلقا . لكنني أحب والدي أكثر من أي شخص في العالم . ما كان يجدر به ان يسرق تلك الاموال منك ، لكنني أفهم لما فعل ذلك . عانى والدي الأمرين عندما خسر والدتي ، وكرامتي ليست سوى ثمنا زهيدا أدفعه مقابل أن يسلم والدي من الحكم بالسجن".
زمجر خافيير ساخرا :" أنت تتمتعين بالمبادئ أكثر من اللازم . لعله أمر جيد أنني راحل من هنا لبعض الوقت ".
أرجح رجليه من فوق حافة السرير قبل أن يمشي بخطوات واسعة نحو الحمام المتصل بغرفة النوم .
-راحل؟ إلى أين؟
-إلى مدريد . لدي سلسلة لقاءات عمل في المكتب الرئيسي للمصرف . لدي ايضا عدة دعوات اجتماعية .

شبح من الماضي "شانتيل شاو"... (روايات احلام )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن