10-لا تبعدني عنك!

14.6K 303 30
                                    

-يجدر بي البقاء في مدريد لبضعة أيام ، وفكرت بأنك ربما تودين تمضية بعض الوقت في المدينة قبل ان نعود إلى القصر .
أخبر خافيير غرايس بذلك عندما أوقف السيارة في مرآب السيارات السفلي التابع للمبنى حيث تقع شقته، ثم قاد غرايس إلى داخل المصعد .
فكرت غرايس بصمت أنها لا تمانع طالما هي مع خافيير ، آملة أن تخفي ابتسامتها الباردة ذاك الحماس الهائج الذي أخذ يتصاعد في داخلها منذ ان صعدت على متن طائرته الخاصة .افتقدته كثيرا خلال الاسابيع القليلة المنصرمة التي امضياها منفصلين ، لكن فقط الآن ادركت تماما كم تاقت له ، فيما تمعنت بملامح وجهه الخشن . كيف تراها ستحيا من دونه؟ تساءلت غرايس بخوف فيما أقلهما المصعد . بعد تسعة اشهر من الآن سوف تنتهي مدة عقدهما فيذهب كل منهما في طريقه ، لكنها لن تتحرر منه ابدا . لقد عرفته روحها كنصفها الآخر ، وحين يفترقان سوف تمضي بقية حياتها وهي تشعر بالفراغ وعدم الاكتمال . غمغمت وهي تنظر نحو خافيير عبر البهو الواسع الخالي من الحياة نوعا ما :" أصبح الوقت متأخرا ولا بد أنك متعب ، فقد أمضيت معظم يومك في الفضاء . أين وضعت حقيبة اغراضي؟ أفترض انها في غرفة النوم الرئيسية ".

أضافت جملتها الأخيرة وقد أحست بارتعادة تعبر جسدها لدى تفكيرها بمشاركته السرير مجددا . هي لم تشاركه ابدا السرير في الشقة . لا بد أن خافيير سيتبع الليلة الوعد الظاهر في عينيه ، فيأخذها بين ذراعيه .
تمشى خافيير عبر البهو قليلا ، ثم قال :" وضعت حقيبتك في غرفة النوم الموجودة في نهاية الرواق ، حيث نمت من قبل ".
تمهل برهة ، ثم تابع :" قررت من الآن فصاعدا ان تنامي في غرفتك الخاصة ، هنا وفي القصر ايضا ".
أحست غرايس كما لو ان قلبها سقط دفعة واحدة حتى أصابع قدميها لدى سماعها هذا التصريح غير المتوقع ، فغمغمت :" فهمت!"
هذا يوضح لها تماما بأنه ما عاد يريدها ، ولا بد أنها أخطأت حين رأت الشوق في عينيه . حدق خافيير بعزم ثابت خارج النافذة ، ثم قال لها بخشونة :" كنت مخطئا حين طالبتك بمشاركتي سريري ... وحين توقعت منك أن تضحي بقيم هي ذات أهمية بالنسبة إليك . لا بد أن تفهمي أن سبب ذلك يعود الى حقيقة انني لم أتعرف أبدا إلى أمرأة تتمتع بالمبادئ من قبل . انت لست مثل النساء الاخريات . أليس كذلك ، عزيزتي؟"
التوى فمه في ابتسامة لم تصل الى عينيه .
-لا يمكنني أن أوافقك على إيمانك الأعمى بالحب الأزلي وبالنهايات السعيدة الشبيهة بقصص الجنيات الخرافية ، لكنني أدركت انه لا يحق تدمير معتقداتك، أو افساد براءتك اللطيفة بسخريتي . أعدك أنك من الآن فصاعدا سوف تمضين كل ليلة في غرفتك الخاصة .
رمشت غرايس عينيها وقد ضاعت منها الكلمات ، ثم نعقت أخيرا قائلة :" شكرا لك ".
لم تسمح لها عزة عينيها أن تقر أن فقدان تلك الحميمية التي تشاركا بها من قبل سوف يدمرها .
تساءل خافيير :" أنت لا تبدين سعيدة جدا ، ما الخطب الآن؟"
ضاقت عيناه وهو يلاحظ الذبول المفاجئ في فمها ، فيما تذمرت غرايس قائلة :" أنا فقط أشعر بالفضول حيال تغييرك المفاجئ لرأيك . أفترض أن للأمر علاقة بعشيقتك التي أقامت هنا معك حين تركتني وحيدة في غرناطة؟"
ارتفع حاجبا خافيير جزئيا وقال :" ليس لدي عشيقة".
-آه! ما بالك؟ قد أكون بريئة لكنني لست مغفلة . ففي كل مناسبة اتصلت فيها كانت امرأة ترد على الهاتف ... ولم تكن تلك لوسيتا.
أضافت غرايس الجملة الاخيرة بحدة ، وهي غير قادرة إخفاء الغيرة البادية في صوتها .
وافقها خافيير برصانة :" لا! لوسيتا تقيم مع نسيبتها في الجانب الآخر من المدينة . المرأة الوحيدة التي جاءت إلى هنا هي بيلار .... مدبرة المنزل".
أضاف خافيير كلماته الأخيرة مفسرا حين عبست غرايس .
-فهمت!
تذكرت حين دخلت إلى شقة ريتشارد كوينتين ، لتجده في السرير مع مدبرة منزله . يومها أحست بالدمار والاحباط التام لدى اكتشافها الخيانة الفظة لرجل اعتقدت أنها تحبه . أما الآن ، فرغبت بأن تتقيأ لمجرد تصورها لمنظر خافيير وهو يتقلب على اغطية الفراش مع مدبرة منزله الجميلة . قالت بصوت ثخين :" بيلار .... أهي جميلة بمقدار اسمها؟ وهل تلبي كل رغباتك ، خافيير؟"
بدا عليه الارتباك والحيرة بوضوح لعدائيتها ، فأجابها :" إنها حتما طباخة ماهرة ، لكنني اخشى ان التهاب مفاصلها بدأ يسوء الى حد يجعلها ترغب بالتقاعد قريبا ، والانتقال للسكن مع ابنتها وأحفادها . إنها تقيم معهم الآن لعدة ايام ".
ثم اضاف :" لكنها أعدت لك سريرك قبل مغادرتها ".
تمنت غرايس لو ان بمقدورها أن تزحف فتختبئ تحت صخرة ما . قالت :" أشكرك لإيضاح ذلك . أعتقد أنه يجدر بي ان اذهب الى الفراش قبل ان أحرج نفسي اكثر . عمت مساء ".
أنت بصمت دلالة على عدم رضاها عن لمحة التسلية التي التمعت في عيني خافيي .
-عمت مساء ، عزيزتي . نامي جيدا .
حياها خافيير بصوت مغيظ جعلها تتلوى من شدة خجلها ، فأومأت بسرعة وحثت الخطى في البهو متجهة الى غرفتها .
استحمت غرايس وجففت شعرها بمجفف الشعر الكهربائي ، ثم انزلقت الى السرير حيث غفت بتململ لا يعرف الراحة . استيقظت قبل ساعة من طلوع الفجر . وما إن استرجعت ذكرى الاتهامات الجامحة التي قذفتها نحو خافيير ، تأوهت وجذبت الوسادة فوق رأسها . كيف استطاعت ان تكون بهذا الغباء ؟ لا بد ان خافيير حلل الأمر ، وأدرك انها تكن له المشاعر. أقرت بتشاؤم : وأي مشاعر هذه! منذ اللحظة التي وقعت عيناها عليه في منزل العمة بام ، بدأ جسدها الخائن يضج بأحاسيس من الشغف الحامي ، وحده خافيير يستطيع إثارتها فيه . إنها مشتاقة إليه الى حد جعل الشوق ينبض في عروقها بضربات بطيئة هادئة . اطلقت غرايس أنة أحباط ، ثم رمت الأغطية الى الوراء وسارت نحو الحمام ، آملة ان تخمد المياه الباردة حرارتها الحارقة . فكرت بشعور من الحتمية أنها وجدت في خافيير قدرها ، وان كان قدرا قصير الأمد .أقرت بذلك بألم وهي تفكر بالطلاق الذي سيحين موعده بعد تسعة اشهر . لكنها تحبه! إن الوعود التي قطعتها يوم زفافها لم تكن اكاذيب ، فهي قصدت كل كلمة قالتها ، بالرغم من أنها لم تدرك ذلك حينها . سوف تحب خافيير في المرض وفي الصحة ولبقية حياتها، كما انها تتوق لأن تكرمه بالحصول عليها كل ليلة من الأشهر المتبقية لزواجهما.

شبح من الماضي "شانتيل شاو"... (روايات احلام )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن