يهوا

163 4 9
                                    

... وكلما توسلتُُُ لساعة البينِ أن تدُقَّ بيننا و لدمعة الفراق أن تُذْرَفَ وجدتُ نفسي أقترب منها أكثر .
لذيذةٌُ شفتاها كقطعة سكر تنسيني من أكون و تلهيني عن توراتي : أحيانا يضيع بصري بين أسطر اﻷسفار و ينشغل فكري بظفيرتها الذهبية و لكْنَتِها العربيةِ التي تزيدني فتورا .
إنه حب الأغبياء .. مقابلاتٌ سريةٌ تحت زخات رصاص عدوها و عدوي ، قبلاتٌ ليليةٌ تُذيبُ بندقيتي التي أحملها على كتفي فتسيل قطرانا يفقع عيون الحرب و يصلب جنودها . تضع كفيها على صدري فتنهار ديانتي و معتقداتي . تعاتبني بعنين حوراء فأقرأ لها قصيدة ريتا ...آه ريتا من قال أن درويش لم يكتب عني و عنها كأنه يرى فتاتي الكنعانية تعشِّشُ مساءً بين أحضاني : تحتضن البندقية التي ستقتلها ، تقبل فوهة الدبَّابة التي سترديها أشلاء ، تستسلم للسهم الذي سيمزق صدرها الرطب .
إنني أخاطر يوميا و أقترب من ديارها التي نبؤونني أنها ملكي ، أغض البصر عن أورشليم و أصبه كله على نهديها ، أتحسس يديها فأستمع إلى دقات قلبي تستنجد "يهوا" (أيها الرب) و أعجز عن منع ابتسامة من اﻹفلات أمام رحمة عينيها .
حبيبتي الكنعانية كالثلج أنت في كأس خمرة ؛ نقية ، ناصعة . عدوتي الكنعانية كصوم يوم الغفران أنت ؛ متعبة، مرهقة ، قاسية ...
أراك أينما ذهبت و متى تحت شجر الزيتون قبعت .في قبة الصخرة أرى شعرك اﻷملس يتهادى و في زخاريف نوافذها الزرقاء أرى صفاء حدقتيك ..
حبيبتي الكنعانية ، كم يشقى الشاعر لنظم بيت واحد في حق كفيك ؟ كيف لي أن أحدث الناس عنك في ألف سطر؟ أليس ظلما أن أكتب عنك ألفا فقط؟
حقا، وددت لو أنني أكتب عنك كتبا إذا ما وجدها قارئ على الرفوف المهجورة حرقته الكلمات المبعثرة هنا و هناك و جعلته يستشعر أنسام أورشليم و عطر حبيبتي و يتأمل حقبة من الزمن بخِلَ التاريخُ عن خطّها و تخبَّطَ فيها اثنان بين حبٍ أسير ٍّفي وطنٍ أسيرٍ وبين  عالم لا يهنأ فيه إلا من تدفَّى على أوراقه النقدية الملتهبة .
سقط الهيكل في حضرتها و في غيابها و غرفت سفينة نوح لحظة تلفظها بنغم أعجمي هادئ .. فلماذا تلومونني إن لمحت عنها ؟ و لماذا تهددونني لو ثرت عن ديني من أجلها؟ من قال أن حبي لها جريمة تعاقبنا عليها الفطرة؟ من قال أن عقم الحرب اﻷبدي لا يمكن أن يلد من رحم اﻷعداء حبيبين ؟ من قال أن المستعمر لا يجوز له أن يلمس يد مستعمره في لحظة قاتمة يغشاها ظلام دامس لا يسمع فيه غير حفيف اﻷوراق و زفير الصراصير و دقات قلوبنا ؟
إنني لم أجد فسحة من الزمن أنتشل فيها جسدها الطاهر من تحت الركام لأزيح المسيح عن صليبه و أجعلها محله فأحدث الخلق عن مصيبتي !
لم أجد الفرصة حقا و قبع ذهني في شرفة الجنون ينتظر أمْري لكي ينتحر ثم هاج و ماج و جعل يسأل " أين الله ؟ ماله؟ ألم يعشق في حياته قط ؟ لماذا يجلس على عرشه وحيدا؟"
فلما ما وجدت مجيبا قط قررت بعد تمحيص أن أشرب كأسا أذيب به كيان دولتكم تاركا رسالتي إليكم أيها العرق السامي ..."اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد "(آية التوحيد عند اليهود)

وُجِدَتْ هذه الرسالةُ في مخيلةِ صهيوني انتحر بشرب كأس من القطران بعد ان فجَّرَ خطأً منزل حبيبته الفلسطينية ووُجِدَت أشلاءً تحت الركام .

"يهوا" Where stories live. Discover now