الفصل الأول

38.1K 928 62
                                    


الفصل الأول

ربما أنا واحدة من مئات الزوجات المصريات اللاتي يعانين في صمت، يتجرعن الظلم والقسوة ويصمتن، لا مجال للشكوى في حياتهن المريرة، كل شيء يهون فقط من أجل صغارهن، فاض بي الكيل فقررت أن أبوح بما لا أستطيع في دفتر أوراقي علِّي أجد بين السطور السُكنى لأوجاعي، كنتُ كغيري من الفتيات الحالمات اللاتي يأملن أن يصرن زوجات لأزواج يغدقن عليهن بالحب والحنان، أن يعشن في كنف أزواجهن ويؤسسن بيتًا على أساس المودة والحب، فأنا ابنة لأحدهم عانت من انفصال الأبوين في سنٍ صغيرة، ورغم ذلك ظلت والدتي على عهد الوفاء مخلصة، لم تسيء إلى أبي، ولم تملأ صدورنا بمشاعر البغض والكراهية، فحياتها عند نقطة ما استحالت معه فقررت الانفصال عنه بهدوء، ومكثت أنا وأخوتي معها فلم تتزوج ولم تأتِ لنا بزوج أم يذيقنا قسوة لن نتحملها، معذرة لقد نسيت في غفلة ما أقول لكم أن أعرفكم بشخصي، لنقل أني أدعى "نهلة"، امرأة متزوجة ولي طفلان، لكني لا أظن أن ذلك الزواج سيستمر طويلاً، خاصة وأنا أعيش حياة مهددة بسبب والدة زوجي، أتصدقون؟ هي وأبنائها يسعون بسعادة شيطانية مخيفة لتدمير أسرتي بغض النظر عن الخراب الذي سيحل بي بعد ذلك، المهم أن يشبعوا ذلك الإحساس المريض المتفشي فيهم.

*****

لم يكن معروفًا عني – مثل بعض الزوجات – بأني زوجة كئيبة، بل كانت الابتسامة والضحكات المرحة سمة مميزة لوجهي البشوش، فأنا شابة رزقني المولى بقدر وافر من الجمال، ولم أغتر به يومًا، بل كنت أحمد الله على نعمة منَّ بها عليَّ دون غيري، تقدم لخطبي الكثير لكني وافقت على من دق الفؤاد لأجله، تحرى والدي عنه وعنه عائلته، لم يجد ما يمسه، لكن أقلقه ما نما إلى مسامعه من أمور تخص شقيقاته اللاتي تعدد خُطابهن، تغاضى عن ذلك معتبرًا إياهم شائعات تطال بعض الفتيات ممن ينهين الخطبة لأسباب تخص أصحابها، تم الزواج على خير وأنفقت عائلتي بسخاءٍ لتشتري لي الثمين والغالي، وأصبح منزلي مثالاً حيًّا لكل فتاة مقبلة على الزواج لتلقي نظرة على محتوياته فتختار ما يماثله، كنت معروفة لدى الجميع بأني العروس الجميل المرحة المحببة، لكن أثار ذلك الغيرة في نفوس بعضهم، لم أكترث لأحاديثهم الجانبية عني، فقد أخذت العهد أن أتقي الله في زوجي وأهله علَّ بذلك أفوز بالدارين.

ومع مرور الأشهر، اختفت البسمات المستبشرة وحل الاكتئاب والحزن، وكل ذلك بسببها هي؛ سليطة اللسان والدة زوجي، تغاضيت عن الكثير من أفعالها وكلماتها المستفزة - ومن تصرفات بناتها الوقحة - آملة أن تتحسن الأمور بيننا رغم أني لم أعادي إحداهن يومًا، كنت أبذل ما في وسعي فقط لإرضائهن، ووالدته تحديدًا كنت أتقي الله فيها كي يُرد لي معروفي معها حينما يغزو الشيب رأسي وأبلغ الكبر، لكنها اعتبرت ذلك ضعفًا مني، واستمرت في إذلالي، في إشعاري بالدونية لتتحول حياتي تدريجيًا إلى جحيم مستعر، مر ببالي ذكرى جلوسي في إحدى المرات بمنزلها على مقعد خشبي ولم انتبه لوجودها خلفي، فجلست باسترخاء عليه مولية إياها ظهري، فبدا لها الأمر كما لو كنت أتجاهلها عمدًا، يومها تلقيت أفظع إساءة على مرأى ومسمع الجميع، اغرورقت عيناي بالعبرات وهي تهينني قائلة:

وسقطت ورقة التوت ©️ - كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن