-

222 17 8
                                    

تذكرتُ أحدهم قبل قليل، إنهُ صديقي الذي عرفتهُ من خِلال الإنترنت، كانت صداقتنا مُختلفة جدًا حيثُ أننا لا نعرف سِوى أسمائنا المُستعارة، ولا نعرِف في أيّ بقاع الأرضِ يقطن الآخر، هوَ كان مُهووسًا بالحواسيب وألعاب الكمبيوتر، بينمَا كُنت انا مُهتمة بالمانجا والأنمي .. هوَ كان نشيطًا يُحادِثني مُعظم الأوقات، ويُبادر في السؤال دائمًا، أما أنا على الرُغم من إتصالي بالإنترنت أربعة وعشرون ساعة لكنيّ لم أكُن كثيرة الحديث، أكتفي بمُحادثتِه فقط حينَ يبدأ هوَ بذلك .. كل ما كان يجمعنا هو صندوق الدردشة ذاك، ومع ذلك فإنهُ كان ضِمن قائمة الأصدقاء المُفضلين وأعلاهُم أيضًا، كان يُشاركني بألعابهِ المُفضلة، ويحكي لي بشغفٍ عن أحدث إصدارات الحاسوب، كُنت أتجاوب معه على حدٍ ما، وأشاركهُ أنا أيضًا ببعض من مُختارات الأنمي الرائعة، والمانجا التي قد تُهمّه .. ذاتَ مرة غِبت بِسبب بعض الظُروف، وقد طالت مُدّة غيابي ما يصِل إلى أربعةِ أشهر وعِندما عُدت كنت قد نسيتُ أنهُ على قيد انتظاري، تفاجأت بالكمّ الهائل من الرسائل المُتكدسة التي لم يتوقف عن إرسالها ولو ليومٍ واحد، ولم يمل من ذلك أيضًا رغم إنه لم يضع احتمالًا لعودتي ولا واحد في المئة .. أدركتُ حينهَا أنهُ ليس مُجرّد مُستخدم إلكتروني قد يتخلّى عنيّ في أي وقت، بل هوَ صديق حقيقيّ لم تجمعني بِه الصُدفة أبدًا، مُنذ ذلك الحين توسّعت علاقتنا وأصبحتُ أفصح في بعض الأحيان عن سبب إختفائي وأُخبره ببعض من الأحداث اليومية التي أعيشها .. طلَب منيّ ذات مرةٍ أن نُحادث بعضنَا عن طريق مُكالمات الفيديو، كانت فِكرة جيّدة نوعًا ما فأنا كُنت فضوليه بشأنه كثيرًا، كيف يبدو شكله، وهل تسريحة شعرِه كما أتخيّلها، أيضًا اعتقدت أنهُ يعيش في غُرفةٍ تعُمّها الفوضى، لا أعلم لما كُنت أُفكر بهذه الطريقة، المُهم هوَ أن هذا ما حصل ..إنها الثانية بعد منتصف الليل، فتحت حاسوبي وانتظرت اتصاله، كنت على سجيتيّ ولم أُبالي بِمظهري، رأيت إشعارًا منه فقبِلت المكالمة وقد ظهرت هيئته أمامي، كان يضع السماعات ويرتدي كِنزه عليها بعض الكتابات والرسومات الغريبة، اه في الحقيقة تمكّنت من رؤية سريره الفوضوي، كان كما تخيلت تمامًا .. اعتنقتنَا لحظات من الصمت،ثم بعد ذلك أفرطنَا في الضحك حتى ذرفنَا بعض الدموع، تحدثنا في تلك الليلةِ لوقتٍ طويل جِدًا ولم نشعر بتِلك الثلاث سَاعات سِوى أنها ثلاث دقائق، كانت ليلة مُميزة بالنسبة لي، وأظنّ أنهَا كانت كذلك بالنسبة لهُ أيضًا .. منذ تلك الليلة أصبحت صداقتنا أعمق من قبل، هو أصبح يعرف كيف يضيف قوس المطر إلى يومي الغائم حيث أنه يشاركني ببعض أفلام الأنمي الرائعة، وانا بدأت بمشاركته ببعض الأشياء التي يغفل عنها كالكتب والموسيقا وبعض الفن، أصبحت الكتب اهتمامه الأخر غير ألعاب الكومبيوتر وقد جعلني ذلك سعيده .. في يومٍ ما لاحظت أن الهالات تحت عينيه ازدادت عُمقًا، مما أثار ذلك قلقي، سألتهُ ما إن كان بخير فأجاب أنهُ ليسَ شيئًا جديدًا، وأنه سيُصبح أفضل حالًا مع مرور الوقت، لا أعلم وقتها لما لم أُصر على سؤالي، لما لم أجعلهُ يُفصح قليلًا عن حياتهِ كما فعلت أنا ، أنا لم أرغب بالتطفل وقتها .. مرَت بِضعة أيام، أصبح إتصالهُ أقلّ من ذي قبل، وعِندما اسألهُ عن ذلك يقول انهُ أصبح يستمتع بِقراءة الكُتب أكثر من مكوثِه على الحاسوب، شعرتُ بشيءٍ من خيبة الأمل، حيثُ أن بعضًا من الأفكار السلبيهّ تواردت في عقلي، لم أعرف ماذا أفعل حينهَا، هل سيأتيّ يومٌ ويتخلّى عن حاسوبه بالكامل؟

شريحة من الحياة..Where stories live. Discover now