لمسة

80 6 1
                                    

أتخيلت في إحدى لحظاتك المتأملة أنَّ ما تلامسه أناملاك..قد لامسته أنامل شخصٍ فان.

*****************
كالعادة..صرخاتٌ متحمسه انبثقت من أفواه الأطفال السذج...رحلةٌ أخرى إلى تلك الملاهي المملة..أكره الازدحام و التدافع..أحياناً أفكر بكم السخافه التي تحمله عقول الأطفال..

-إذاً جاك هل ستبدأ الحكايه ذاتها؟؟
-أمي..لا شيء مثير في ركوب الأفعوانه أو تلك الأشياء التي لا أعلم ماذا تدعى..ماذا لو سقطت من هذا الارتفاع..سأفقد حياتي بسبب سخافات الأطفال هذه.
-هه..و كأنك شخصٌ بالغ جاك..طفلٌ في العاشرة من عمره يتكلم عن سخافة الأطفال..
- تعلمين أنني مختلف.
ابتسامةٌ شقت طريقها على شفاه والدة جاك..قابلتها انعقاد الغضب الطفولي على تقاسيمه...
والدة جاك: حسناً إذاً..اذهب و ارتدِ ملابسك...
بغيضٍ امتلأت به نبرته: لااا أصدق أمي..لا أصدق..و كأنني أكلم الحائط..
لتردف والدته أثناء سيرها مبتعدةً و كأن كلام جاك لم يكن : لا تتأخر..

**************
حقاً...تافهون عديمو الوعي لا يفقهون شيء متخلفون...أااااه...كيف لطفلٍ مثلي أن يذهب إلى هكذا أماكن...لست طفلاً حتى...فقط ذلك العقل اللعين الذي أحمله يرهقني بشده..لا يكف عن التفكير في الحاضر و الماضي و كيف سيصبح الحاضر ماضياً و المستقبل حاضراً و كيف كان الماضي حاضراً...لم أعد أرى اختلافاً بالأزمنه...إنها فقط ما نراه..فمثلاً الآن أثناء جلوسي في هذه السياره المتحركه...أرى بعض الأشجار المصطفة على قارعة الطريق...إنها متشابهه تماماً..لكن رؤيتي الزمنيه لها تختلف..فلو أغمضت عيني..لما رأيتها..إذاً لَما شكلت لي حاضراً أو ماضياً...فلو نظرت إلى الأشجار التي ستأتي..هل ستكون حاضراً أم مستقبلاً..تلك الأشجار البعيده..إنها زمن مستمر...سأراها قبل أن أصل لها..أعتقد أن الأعمى لا يسير عليه قانون الزمن..لا يرى شيئاً...افففف...هذا مربك..

-جاك..ماذا تفكر؟؟
- لا شيء..فقط أتأمل الأشجار..تبدو جميله.
بنظرة شك: حقا جاك!!
يتنهد..: أجل أمي...
أومأت الأم بعدم تصديق..فهي تعلم و كم هي تعلم!! بأن جاك ذو فكرٍ عميق..فلو ألحت بسؤالها..لروى لها مالا تستطيع مجاراته..لا تعلم هل امتلاك طفلٍ عبقري نقمه أم نعمه..أن تشعر بأنك أقل قدره من طفلٍ في العاشره..أم أنك لا تستطيع أن تفهمه..و أنت الموكل بهذا..يالا معاناتها.
*****
-ها قد وصلنا..نطقت بها والدة جاك فور وصولهم إلى الملاهي.
ليتهافت الأطفال...مارك جوليا و إلينور..أما جاك فلابد له من ملامح الامتعاض و التنهد باستمرار.

جوليا بدلع: أمي..أرجوكي لنلعب بهذه.
مارك بلهفة:لا أمي لا..لنلعب في تلك.
إلينور بصراخ: أمي...أصغي إلي.

و هكذا استمر الحال..كالعاده..أما جاك..فلا زالت تلك التنهيدات تنبثق من فيهه يائسةً قانطه..تلامس أنامله مستشعرةً ما حوله..ذلك السياج الصدأ الملتف حول تلك الأرجوحه..تمنع الأطفال من الاقتراب أكثر من الازم...

هل تصدقون أن ما تلامسه يداي الآن قد لامسته آلاف الأيدي..يد طفل ٍ صغير..يد امرأة..يد رجلٌ مسن..يد شابٍ أو شابة..آلاف البصمات التي ازدحمت حتى طغى بعضها على بعض على هذه السياج المعدني...أكثر ما يشغل تفكيري هو تلك البصمات التي تعود لشخصٍ فاضت روحه إلى السماء..لقد ترك بصمته هنا في مكانٍ ما...فقط شعور أن تلامس شيئاً قد لامسه شخص يرقد تحت التراب أمر يدعوك إلى التأمل..سيحين دوري يوماً ما..كيف كانت حياة ذلك الإنسان..ماذا كان يفكر حين لامس هذا الشيء..لو أن بإمكان المشاعر و المشاهد أن تنتقل عبر ملامسه البصمات..لحلت معظم جرائم العالم..و لاحتفظت ببصمات أحبائك في صندوقٍ خاص..فحين يفيض شوقك عن أسوار قلبك..تلامسها..فتشعر و كانهم بينك...أنا أفكر بالشخص الذي سياتي بعدي..بالشخص الذي سيلامس هذه القضبان التي ألامسها الآن...هنا أنا أضع يدي..يا ترى كيف سيكون حالي حينها..هل سأكون على قيد الحياه..أم لا..

-جاااااااااااااااااااااااااك.

و بين مسؤولو الملاهي..أن عدم تثبيت البراغي بشكل صحيح  تسبب بسقوط القطعه المعدنيه فوق راس الفتى..و اتهمت الشرطه المحليه المسؤولين عن هذه الحادثة المروعه..بينما نفى مسؤولو الملاهي علاقتهم بالصيانه الحاصله..إنما تتهم شركه ال..

بعد عامين.

- أمي..أريد ركوب الأرجوحه.
-ماذا عنك دانيل..هل تريد الركوب.
-لا أمي سأبقى هنا عند السياج.
-لكن..
بدأت تشدها من طرف قميسها: هيااا
أمي.
-الأم و هي تسير مبتعدةً مجذوبةً من قبل كريستن الصغيرة: لا تقترب أكثر من السياج..تذكر ما حدث لذلك الفتى.
إيماءاتٌ غير مباليه اكتست وجه دانيل...
ذلك الفتى أمره غريب..'وضع يده على ذلك السياج'..يالحظه العثر..هل كان عليه أن يقف هنا بالذات و في تلك اللحظه بالذات و قد وقف مئات الاشخاص هنا قبله و بعده و لم يمت أحد سواه لتلك البراغي بالذات..ياللعجب.

و تلاقت تلك الأيادي...حينما كان صاحبها يتساءل كيف سيكون حاله عندئذ.

************
دنت الحياةُ بقطوفها..لتنثر عبير ثمارها بين جنبات ساكنيها...و تذبل ميتةً عند مُستحقيها..

🎉 لقد انتهيت من قراءة فلسفة الحياة 🎉
فلسفة الحياة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن