الـفـصـل الـرابـع - الأخـيـر

444 16 1
                                    


الـفـصـل الـرابـع - الأخير:

بعد مرور أسبوعٍ كـامـل، عـادت جـنّـة إلى المنزل مجددًا ولكن هذه المرة غير أول مرة دخلته، فقد كـانت كالوردة الذابلة التي تم إهمالهـا من قِبل صاحبهـا، كـانت جالسة في فراشهـا تطلع أمامهـا للاشيء بشرود فهذه هي حالتهـا منذ أن عـادت، حزينة ... حبيسة غُرفتهـا، فُتح بـاب الغُرفة بعد طرقهِ له ثم دلف للداخل وترتسم على ملامحه الإرهاق الشديد، فإتجه إليهـا وجثى على رُكبتيه أمـام الفراش وهو يُواسي ألم قلبه بقوله في نفسه " كن ثابتًا من أجلهـا "، أمسك يدهـا ومسد عليهـا برفقٍ وسألهـا بهدوء، هدوء يحمل في طياته الكثير من العتاب واللوم على ما تفعله بنفسهـا:
_هتفضلي كده لحد إمتى ؟
تأملت ملامحه المُرهقة بألم فهو يُحاول إخراجهـا من حالتهـا الحزينة ولكن باءت جميعهـا بالفشل، لمحت نظرته المُعاتبة واللائمة على إهمالهـا لذاتهـا وإصرارهـا على البقـاء في تلك الدائرة الحزينة المُحاطة بهـا، ملامحه هادئة نوعًـا مـا ولكنهـا مُرهقة فقد أصبح هناك هالات سوادء أسفل عيناه العسليتان التي دائمًـا مـا تأسرهـا وشعره الأسود المائل لّلون البُنيّ وبشرته الخمرية وذقنه التي إستطالت قليلًا فزادت من وسامته الجذابة،
أجابته بهدوء مُماثل ولكن بنبرةٍ يائسة ونظراتٍ زائغة:
_ لحد أما أمو..
قاطعهـا وضعه ليده على شفتيهـا يمنعهـا عن إكمال مـا تقوله، رمقهـا بغضب ممـا تفوهت به، تلك الحمقاء تتفوه بالترهات !! ألا تعلم أن الموت أرحم إليه من تجربة ذلك الشعور القاسي الذي لن يقدر على تحمله ؟!!
دق جرس البـاب فرمقهـا بنظراتٍ حانقـة ثم ولج للخـارج حتى يرى من الطـارق، أمـا هي فـلم تُبالي بنظراته بل ظلت على حالتهـا الشاردة.
فتح البـاب لتُقابله إبتسامة تُزين ثغر والدته وخلفهـا تقف فتاة مـا، يا إلهى إنهـا هي " سُندس " إبنة خالتي !! تلك الفتـاة المُتعجرفة، ومصطنعةِ اللطافة، لمـاذا جاءت إلى هنـا ؟!
قطع أفكاره وتساؤلاته سؤال والدته التي كـانت نبرتهـا أقـرب للخبث:
_ مش هتدخلنـا ولا إيه ؟!
حمحم بحرجٍ لشروده وتركهم يقفون على البـاب، فأشـار للداخل وهو يبتسم بحرج مُجيبًا:
_ لا إزاى إتفضلوا.
ففعلوا ذلك ودلفوا للداخل، فجالت سُندس ببصرهـا في أنحـاء الشقة تلتهمهـا بعينيهـا فقد كـانت تتمنى أن تكون هي زوجته وأن تكون صاحبة هذه الشقة الملونة بألونٍ مُتناسقة وفي نفس الوقت هادئة تبعثُ الراحةَ في الأنفس حيث كـان الحائط مدهون باللون الورديّ ويتداخل معه خطوط رفيعة من اللون الأبيض و قبل أن تدلف إلى الطرقة وتسير فيهـا يوجد ستائر معلقة من اللون الأبيض منقوشة بزخارف أضافت لمسة من الأناقة للمنزل فكان ملمسهـا ناعم وخفيف، وقعت عينيهـا على صورة زواجهمـا فاشتعلت نـار الحقد في صدرهـا، تشعر بالغيرة تنهش قلبهـا فقد كـانت ملامحهمـا تدل على فرحتهمـا وحُبهمـا الظاهر بـوضوح ، أشاحت بوجههـا بعيدًا عنهـا حتى لا ترتكب جريمة الآن، وهي قتل تلك " السارقة " كمـا أسمتهـا، لاحظت حمدية " والدة مـالك " قسمات وجههـا المُمتعضة بسبب تلك الصورة فبادرت مـالك بسؤالهـا مُحاولة تشتيت أفكارهـا ونسيْ هذه الصورة مؤقتًـا وجذب إنتباههـا لهـا:
_ هي فين جـنّـة يا مـالك ؟!
أشار نحو غُرفةٍ مـا وهو يُجيبهـا بإقتضاب لوجود إبنة خالته:
_ في الأوضة دي.
حدث مـا أرادته حمدية أن يحدث وهو جذب إنتباههـا فتحرك بصرهـا تلقائيًـا تجاه الغرفة التي أشار إليهـا وإبتسمت بشرٍ دفين ثم قـالـت بحزنٍ مُصطنع:
_ أول مـا عرفت إللى حصل جيت علطول، إن شاء الله ربنـا هيعوضكوا.
أومـأ بعدم إقتناع فلابُد أن مجيئهـا وراءه شيءٌ مـا غير مـا تُخبره بـه، فتمتم شاكرًا بنبرة حـادة مُقتضبة:
_ مُتشكرين، دي الأصول برده.
وشدد على كلمةِ " الأصول " ليُوصل لهـا رسالـةً مـا.
إرتجف جسدهـا لا إراديًـا مع جملتهِ تلك وكـأن رسالتهُ قد وصلت إليهـا ولكنهـا نفت وهي تقول بداخلهـا بإرتباك:
_ أكيد ميعرفش إللى حصل، هو بيتكلم عادي مش قصده حـاجـة ... أه عـادي.
فإستأذنتهُ قائلةً وهي ترمق خالتهـا بنظرةٍ ذات مغزى:
_ عن إذنك هروح أشوف جـنّـة.

بين البهجة والألم ©️ - كاملة ✅حيث تعيش القصص. اكتشف الآن