زَهرُة الخَرِيف.

203 14 19
                                    

-

"هُنَاك ضَوءٌ فِي هذَا العَالمِ الأسوَدِ ،لكِن ليسَ الجَمِيعُ يَستضِئُ بِه.

هُنَاكَ أجسَامٌ تَدُور بٍذلكَ الكَونُ دُونَ نَجمٍ تَرتكِزُ عَليهِ ،فقَط تَائهةٌ تَتخبَطُ فِي طَرِيقهَا للمَجهُول

غَيرَ مُدركةٍ لِطُرِقهَا أصَائِبةٌ هِي أم تُخطِئُ ،فقَط هَائِمةٌ تَبحثُ عَن كَونٍ لهَا ؛لكِنَّها لا تَجِد."
بالعَاشرةِ مِن عُمرِي سَمِعتُهَا مِن وَالدِي الذِي استمَر فِي تَقلِيبِ قنَواتٍ الأخبَار عَلى التِّلفَازِ العتِيقِ أمَامَه.

كَان وَالدِي رَجلًا نَبِيلًا بٍنَظرِي ،دَائِمَ السَّعى عَن قُوتِ يَومِه ؛حَتى يُطعِمنَا أنَا وأُختِى سَامِيَة التِي تَكبُرنِي بأربَعِ أعوَامٍ..مَهجُورًا مِمَن جَلبتنَا إليهِ..مُكتَفِيًا بٍنَا.
تَزَوجَ بالعشِرينِ مِن عُمرهِ ،فكَان علَيهِ الجِهادُ مُبكِرًا لعَائِلَتهِ.

لَم أكُن أكثرَ سَعادةً ؛فلدَى عَائلةٌ.
شَجرةٌ تُظِلُّنِي حِينَ أنوِي الرَّاحةَ ،تُؤتينِي ثِمَارهَا حِينَ أجُوع ،تَأوينِي مِنَ المَطرِ حِينمَا يَنهمِرُ عَلى كَتفِي ،أصعَدُ إِليهَا مُلتَحِفًا بأورَاقِها حِينَ أنوِي الهَربَ.

بِمَرةٍ ذَهبتُ أَشتَكِي لأبِي أُختِي بَعدَ جِدالٍ صَغيرٍ بيننَا ليَرُدَ علَى بِكُلِ هُدوءٍ"أبِي أخبرَنِي ألا أُحَادِثَ الأطفَالَ السَّخِيفِينَ"ثُمَّ هَمّ يُدَغدِغُنِي..أهٍ كَم أُحبُكَ أبِي.

لَم أكُن بالطّفِل المَرحِ أبَدًا ،بَل كُنتُ مِمَن يُقَالُ لَهم 'لا تُلقِي كُلَّ هَمِّ الدُّنيَا علَى عَاتِقكَ لا زِلتَ صَغِيرًا'
'لِمَ وَجهُكَ تَكسُوه الحِدَةُ دَائمًا؟ ارفِق بنظَراتِكَ علينَا ،ليسَ وكأننَا نَكِيدُ لكَ'.

بالعَادةِ لَم أكُن مَجمَعًا للأخَرِين أَو بالأحرَى دَائمًا،
فقَط أُختِي الوَحِيدَةُ التِي جَرتنِي خَلفهَا ،هِيَ مَن كَانَت تَجعَلُنِي أُدرِكُ صِغرَ عُمرِي فَألهُو بَينَ أَركَانِ أعيُنِهَا.

لَستُ قَويًا لِذَا كُنتُ أَحيَانًا أُدفَعُ جَانبًا..وَحِيدًا..ضَعِيفًا.

"لَستَ ضَعِيفًا فَهد! أَنتَ فقَط تَجهَلُ مَوضِعَ قُوتِكَ،
أتعلَمُ أينَ خَاصتِي؟ لأُعطِينَّكَ تَلمِيحًا..لَن تَجِدَ أبدَعَ منِي فِي إِطلَاقٍ الرِّيحِ!"كَانت تَقُولُهَا لِي مِن حِينٍ لآخَرٍ ولَكم كَانَت مُضحِكَةً وهِيَ تَلِيهَا بإِطلَاقِ وَاحِدَةٍ فِعلِيًا..ولَكِن أَظنُ أَن قَلبِي مَن ابتَسمَ لِجمَالِ مَا كَانت تَقصِدُه وليسَ فقَط وَجهِي هُوَ مَن ضَحِكَ وَقتهَا.

فِي الثَّانِيَةِ عَشر..هَرِبَ وَالدِي مِن عَالمِي ؛قَررَ التَّحلِيقَ بَعِيدًا عَنّا إلَى عَالمٍ أخَر ،مَاتَ أبِي.

تُوفِيَ أبِي عَن عُمرٍ لَا يُنَاهِزُ السَّادِسَةَ والثَّلَاثِين ،
دُفِنَ بِالوَاقعِ ولَكِن لَم أدفِنهُ أنَا بِدَاخِلي مُتَأمِلًا أن يَصطَحِبَنِي مَعَهُ.

زَهرُة الخَرِيفWhere stories live. Discover now