ابتسامه

43 9 0
                                    

في الصباح التالي لذلك اليوم يستقيظ الجميع لكي يبدأوا العمل، فتُفرد الأشرعه وتتحرك السفينه نحو الشمال.

الشمس ساطعه للغايه، والجو حار ، فأصبح الرجال يتقاتلون على ما تبقى من عمامات يقوون بها أنفسهم من حر الشمس، فيأتي راكان مسرعاً ليفض القتال فيما بينهم، وبينما هو يحاول يدفعه أحد الرجال فيقع على رأسه، وكانت سمر تراقبهم من بعيد ، وما ان شاهدت ذلك المنظر حتى ابتسمت ابتسامة حاولت أن تخفيها بين أناملها ، فليتفت إليها راكان وهو ينفض ثيابه ويقول : الآن تبتسمين إذاً.
تتغير ملامحها للبرود مجدداً، وتشيح بوجهها عنه وتلتفت نحو المحيط .

المحيط يبدو أنه صديقها الوحيد الآن، صامتٌ وهادىء ، يريح الأرواح، لا يتكلم بشيء لكن صمته يغني عن الكلمات، وأشعة الشمس تداعب بشرتها القمحية ،مظهرةً جمال عيونها العسلية ،والجو الحار قد نثر لونه الأحمر على وجنتيها، بدت متعبةٌ، مرهقةٌ ، بعيونٍ ذابلتينٍ.

يفكر راكان في تلك اللحظة وهو ينظر إلى سمر شاردة الذهن ، يراقب صمتها وحزنها ، هو يعلم أنه السبب في ذلك ، فيذهب ليغيب عدة دقائق ثم يعود .
يربت راكان على كتف سمر ويقول:
"أراكِ لا تفعلين شيئا يا سمر،علينا ان نجد لك ِبعض العمل هنا" .
تلتفت سمر ، محدقة في راكان ،رافعة حاجبيها عجباً من كلماته .
" لقد أتيتم بي الى هنا رغما عني ، أي عمل قد تريدني به الآن" تقولها سمر بحنق
فيرد عليها راكان بسرعة : إن طباخنا متعبٌ هذه الأيام ويحتاج إلى يد المساعدة .
تتنهد سمر وتقول : أيمكنك أن تدعني وشأني.. أنا حقاً متعبةٌ .
- أخشى إن لم تساعديني ، سأطلب منك الجلوس في غرفتك طوال الوقت، بلا طعام .
تستنكر سمر تصرفاته وتقول : أنت حقاً رجلٌ لا يخجل من نفسه.. أتعلم هذا
" سأعتبر هذه الإجابة بنعم ".

ينادي راكان ويقول بصوت عالٍ " لقد وافقت يا جلال"  وفي هذا الأثناء يصعد علو السلالم رجل طويل القامه ،ضخم للغاية ، ذو بطنٍ ممتلئة ،وبشرة سمراء وعيون خضراء ،رأسه مستديرة وشفتاه غليظة، يضع على أحد أذنيه حلقٌ ذهبي دائري ،ويكاد يهتز المكان في كل خطوه يخطوها ،تفزع سمر عند رؤيته و تتساءل أين كان هذا الرجل الضخم طوال هذا الوقت .

يتقدم الرجل الضخم لسمر، منحنياً بجسده حتى يصل مستوى عينيه عند مستوى عينيها لشده، ويقول بنبرة صوته الغليظه : أهلاً..
ثم يتوقف عن الكلام، ويستمر في التحديق في سمر، بينما هي تقف متعجبة من أمره، ثم تقول له وهي تبتعد خطوات عده للوراء: من أنت ؟
فيرد ذلك الرجل الضخم بصوت غليظ للغاية: اناااا.. انا هو جلال... فلتأتي معي .
فتنظر سمر بحنقٍ إلى راكان، فيشير لها وهو يضحك بأن تتبعه ،فتقوم سمر باللحاق به على مضض ،وينزلون على السلالم، ويقوم جلال بفتح غرفه مليئه بكل المؤن والطعام، حيث يوجد صناديق من ،التفاح والخوخ ،واللحوم المجففه ،والعديد من أنواع الطعام المجهزة، لهذه الرحله التي على ما تبدو انها ستكون طويله، ثم يقول لسمر : انا مرهق للغايه ، أعاني من ألمٍ في المعدة ، ولا أستطيع القيام بالطهي لبضعة أيام، وأريد منك مساعدتي .
تقول سمر بتردد: لكن ..أنا لا أجيد الطهي .
- أحقاً لا تستطعين ذلك !لكن... لكن راكان قال بأنه سيجلب لي من يساعدني، أيكذب علي راكان؟
فتستعيد سمر رباطة جأشها، لتلقي باللوم على راكان وتقول ببرود: ربما..!

يستدير جلال نحو راكان ويمسك قميصه وبيديه الضخمتين يرفع راكان إلى الاعلى ، ويقول جلال بصوتٍ عالٍ : أتكذب علي يا راكان لقد قلت انها ستساعدني؟
- ارجوك لا تغضب يا جلال وأنزلني أرضا ،أهكذا تعامل من جلب لك هذه الوظيفة؟
تكتم سمر ابتسامتها مجددا، وتحاول أن تشيح بنظرها عن راكان  وهو معلقٌ بين يدي جلال، بينما راكان ينظر إليها بنظرات العتاب، فتقول سمر لجلال :
أنا حقاً متأسفة ، لكن راكان قد تصرف بعشوائية دون أن يدرك الأمور، لن أستطيع مساعدتك.
يحزن جلال وتصيبه خيبة أمل، ويُنزل راكان على الأرض ،و تترقرق عيونه بالدموع .
تُصيب سمر الدهشة فكيف لرجلٍ عملاقٍ مثله ان تترقرق عيناه بالدموع ومن ثم يقول جلال حزيناً : لا أحد يود مساعدة جلال ، ولا أحد يحب جلال ، جلال وحيد .. جلال وحيد..
تتجمد سمر في مكانها وتشعر بالإحراج ،فلم يكن في الحسبان أنها ستجرح مشاعر رجلاً بحجم الدببه، فتستدرك الأمر، وتحاول أن توقفه عن البكاء ، وتخبره بأنها ستقوم بمساعدته إن قام هو بإرشادها ،ومدت يدها لمساعدته على النهوض بعدما جلس حزيناً على الأرض .
" انظري ماذا فعلتِ ، ان جلال مفرط الحساسية "
فزادها كلام راكان تأنيباً في الضمير ،وأخد راكان يراقبها وهي مرتبكة تقوم بمواساة جلال، مبررةً له بأنها لم تقصد شيئاً .
ينهض راكان من مكانه تاركاً الاثنان معاً، متجاهلاً نداء سمر المتتالي له، ويبتسم لها ابتسامة حمقاء ،ويخبرها بسخرية بأنه يود تناول طعاماً لذيذاً اليوم ، بينما سمر تنظر له كما لو انها تود أن ترميه من على متن السفينة.
يتبع ..

المدينه البيضاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن