كاميليا...القسم الثاني والأخير

1K 71 41
                                    







يحكى في قديم الزمان حيث اللامكان الذي تبارز في ربوعه الليل مع النهار...

وتجادل في سماءه القمر مع الشمس...

وتخاصم على سيادته الظلمة والنور...

عن جواد لن تراه عين إنسان مجدّداً...قد اندثر واختفى عن وجه هذه الأرض يوماً كما لم يكن، فحامت حول وجوده واختفاءه تساؤلات كثيرة...وكانت الإجابة وحيدة ويتيمة...

الحب...

وبهذا قد بدأت القصة...تماماً كما انتهت...

دعي ذلك الجواد الأدهم ب "حصان الريح" وقد كان أسرع وألطف ما عرفه فرس الهنود...لم يعرف الخوف يوماً فلم يكن هناك من إمرء قد يقدم على أذيته يوماً...

وكلّما وجد هندي مصاب...أو بحاجة ماسّة إلى ركب يوصله إلى غايته...كان يظهر من العدم ليرأف بحال المريض، ويعبر بالهائم الضائع إلى أرضه ويودعه بين أحضان ذويه...

وفي يوم من تلك الأيام الغابرة المجهولة حين كان الحصان ينهب بالأرض الشاسعة بحريّة وغبطة، تناهى إلى أذنيه صوت نشيج خافت يتضرّع النجدة بأمل كسير...فما كان منه إلّا أن توجّه كسهم من نار نحو الصوت لتستقبل عيناه مشهد صبي صغير علقت ساقه النحيلة الهشّة بين فكّي فخ دببة حديدي صدء فبترتها بالكامل وتركته ينزف ببطء قاتل فوق تربة الغابة الدغلة...

كان الطفل مشلول الحركة يتأرجح ما بين الذعر من قدر وشيك محتوم...وألم سيطر على كلّ ذرّة في كيانه فطغى على حواسه المتبقية بأسرها...

اقترب الحصان منه وجثى بقربه محني الرأس وشرع بلكزه برفق وعناية حتّى نجح الصبي برمي ثقله على صهوته فتمسّك بعنقه بقبضتيه الصغيرتين بكلّ ما أوتي من قوّة إلى أن اطمئن الفرس إلى ثباته وعاد لينتصب على قوائمه ومضى فيه خارج أسوار الحصن الأخضر المنيع صوب المروج الواسعة والنسمات الحانية التي لم تتردد بمداعبة وجنتي الصبي الشاحبتين علّها تبثّ قليلاً من دفئها بين أوصاله الباردة...

أشرقت ملامح الفتى الباهتة بابتسامة حالمة شاكرة...فكيف حظي برفيق بعد سنوات من الوحدة والحرمان...والآن وقد أمسى بلا ساق فمن سيرغب به؟؟ بيد أنّ تلك الإبتسامة بدأت بالإتساع شيئاً فشيئاً مع تسربل ما يشعر به صديقه الجديد من حريّة و سكينة إلى روحه الذابلة حتّى شعر بالكمال وكأنّه قد اجتمع بعائلته المنسية أخيراً وبعد طول انتظار وعذاب...

كان الجواد على يقين تام بعدم قدرته على إنقاذ الصبي الصغير...فإصابته بالغة ولم يعد يملك من الوقت الكثير، فتوّجه به إلى مكان عرف ذات يوم ب"أرض الصيد الهندية" حيث يحيا جميع من فيها بأجساد كاملة..بأرواح طاهرة...وبسعادة أبدية بلا خوف ولا نقص...

إلّا أنّه لم يسعه سوى الشعور بالأسى المقيت لإصطحابه لنفس صغيرة لم تعرف الحياة بعد لذلك المكان...لكن ما من خيار أو بديل...

كاميليا Where stories live. Discover now