1 - العطلة المخطوفة

1.4K 17 0
                                    

بدات تظهر من بين الأشجار الكثيفة معالم لافاليز ، احد المنازل القديمة ، وساشا تقود سيارتها الستروين الصغيرة وتقترب من نهاية الرحلة.
وإرتسمت على شفتيها إبتسامة وهي تمسك بعجلة القيادة ، فكان الطريق في هذه المنطقة وعرا الى حد ما ، ودخلت في السيارة احد المنحنيات وقد انساها شعور الوول الى المنزل الذي تقصده لقضاء عطلتها متاعب الرحلة بالطائرة الى مطار نيس ثم الرحلة الطويلة التي اعقبت ذلك في السيارة التي إستأجرتها من المطار ، وتساءلت ساشا إذا كانت ستجد السيدة كاسيل في إنتظارها وقد إعتادت السيدة كاسيل أن تقدم للقادمين عصير الليمون المثلج وربما وجبة خفيفة من اللحم المقدد والزيتون.
كان الطريق وعرا ، فقد كان ممرا حجريا يصل المنزل بالطريق العام وكان الجو حارا للغاية بالنسبة الى هذا الوقت من العام في نهاية شهر ايار / مايو ، وقد بدت السماء كانها على وشك ان تمطر ، وتمنت ساشا أن تمطر السماء أن تمطر فعلا حتى يخفف ذلك من شدة حرارة الجو ، وأخرجت منديل ورق من حقيبتها ومسحت وجهها الذي إمتلأ بحبات العرق وهي تتعجل الوصول الى المنزل لتأخذ حماما باردا ، صحيح ان المنزل القديم لم يكن يحتوي حماما بمعنى الكلمة ، ولكن كانت فيه غرفة صغيرة مزودة بدوش ، وبدا لساشا وهي تمشي في الممر الضيق المؤدي الى المنزل ، أن الأسوار الحجرية العالية التي تحيط به على وشك السقوط لكنها تذكرت أنها كانت هكذا دائما منذ ثمانية اعوام ، حين جاءت الى المنزل لأول مرة وكانت في ذلك الوقت في الرابعة عشرة من عمرها.
وحوّلت نظرها لحظة عن الطريق وهي تنظر الى طير جميل وقف على احد النتوءات الحجرية البارزة في السور ، وعندما إلتفتت الى الطريق من جديد فوجئت بشيء غير متوقع ، دراجة بخارية تندفع مقبلة بسرعة من ناحية المنزل ثم تدور لتقف فجأة على بعد خطوات من سارتها ، فضغطت بقدمها بطريقة لا شعورية على كابح السيارة لتوقفها.
وأعقب ذلك فترة من السكون يشبه ذلك الذي يسبق العاصفة وبعدما تمالكت أعصابها من جديد نظرت من نافذة السيارة، فرأت شابا ينزل عن الدراجة البخارية ويتجه اليها.
كان الشاب فارع القامة يصل طوله الى حوالي ستة اقدام وكان قوي البنية بدرجة واضحة ، اما وجهه الذي لوّحته الشمس فإكتسى باللون الأسمر الجذاب فظهر قويا بوجنتيه البارزتين وعينيه السوداوين وقد تهدل شعره الأسود فوق جبينه ، وكان يلبس سروالا قصيرا أزرق اللون ، وقميصا تركه مفتوحا في هذا الجو الحار وقد إنتعل حذاء من احذية الرياضة الخفيفة ، وبدت ساقاه وذراعاه وقد كساها الشعر الكثيف ، كان مظهره بوجه عام ينم عن القوة والرجولة.
ونظرت ساشا الى وجهه فلم تلمح اية مظاهر للغضب ، بل بدا لها كأنه يبتسم ، وفتحت ساشا باب سيارتها لتقف في مواجهة الشاب الذي بدا فارعا بالنسبة اليها برغم كونها لم تكن قصيرة وإبتسم الشاب وهو يقول بالفرنسية:
" انا آسفة يا آنسة وأرجو ألا أكون قد سببت لك أي إزعاج ، لكنني لم أكن اتوقع ان أرى أي شخص هنا فهذا الطريق كما ترين ممر خاص".
فأجابت ساشا بالفرنسية ايضا:
" نعم.... اعرف أنه ممر خاص".
قاطعها الشاب قائلا بالإنكليزية :
" أوه .... أنت إنكليزية !".
نظرت ساشا اليه وقد بدت على وجهها معالم الحيرة وهي تقول :
" نعم... إنني إنكليزية .... ولكن ... كيف... عرفت ذلك؟".
فضحك الشاب الأسمر وبدت اسنانه ناصعة البياض وسط وجهه الذي لوّحته الشمس.
" عرفت ذلك من لهجتك... لا يستطيع أحد ان يخطىء في معرفة اللهجة الإنكليزية .... اليس كذلك؟".
ونظرت اليه ساشا من جديد وكان واضحا لها أنه لا يمكن باي حال من الأحوال ان يكون هذا الشاب الجذاب الذي يقف مواجهتها إنكليزيا أو فرنسيا وودت لو عرفت جنسيته ، لكنها لم تساله وإكتفت بالرد قائلة:
" نعم هذا صحيح .... لكنني آسفة ايضا.... فلم أوقع ان أقابل أي شخص في هذا الممر لأنني أعتقد أنه يؤدي فقط الى المنزل الذي اقصده".
ورد الشاب قائلا:
" هو كذلك فعلا.... ولكن لماذا؟".
ولمحت ساشا في وجهه لحظة تعبير ينم عن الضيق ولكنه إختفى سريعا فردت قائلة :
" لآنني متجهة الى هذا المنزل".
ونظرت اليه ساشا وهي تبتسم فقد كان شابا وسيما ولو انه كان بادي الرجولة والخشونة وشعرت ساشا وهي تنظر اليه برجفة خفيفة ولكنها لم تستطع ان تعرف سبب ذلك.
ورد الشاب وقد بدأت الإبتسامة تغيب عن وجهه:
" لا بد أن هناك خطأ ما، فإنني اقيم في هذا المنزل ايضا".
وتوقف قليلا قبل أن يضيف:
" مع عائلتي ، وسنمكث فيه لعدة اسابيع ، ثم اضاف وهو يهز كتفيه بطريقة بدت لها جذابة ، ولذلك لم تدعه ساشا يكمل كلامه فقد بدأت تشعر بالضيق فردت عليه في لهجة حازمة:
" لا... لا... إنني ىسفة ... ولكن معي رسالة هنا في حقيبتي".
وإنحنت ساشا تبحث في حقيبتها عن الرسالة لتريها للشاب، ولذلك فقد فاتها ان ترى أحد الرجال يأتي من ناحية المنزل ، وفوجئت وهي تعبث بمحتويات الحقيبة بصوت رجل ينادي على الشاب بإسم مارك ثم يقول شيئا بلغة لم تعرفها.
ونظرت ساشا الى اعلى لتفاجأ على بعد خطوات منها برجل رمادي الشعر أتى على ما يبدو من المنزل في حيرة ينظر اليها وكأنه فوجىء بوجودها مع الشاب.
وإلتفت الشاب الى الرجل وتحدث اليه بضع كلمات سريعة غاضبة بلغة لم تكن غريبة على مسمعها وإن لم تكن تعرف ما هي فإتجه الرجل ناحية المنزل من جديد وهو يلوح بيديه كانه يعتذر ويقول أنه لم يكن يعرف.
وإلتفت الشاب الى ساشا وفي هذه اللحظة إكتشفت ساشا سببين مهمين أولهما أن وجه الرجل الرمادي الشعر ليس غريبا عليها وربما تكون رأته من قبل مرة واحدة ، والثاني أن هذا الشاب الذي يقف معها إسمه مارك وبدا لها هذا الإسم جذابا.
وبدا لساشا أن شيئا ما حدث وإن لم تكن تعرف ما هو وبدا الشاب نافذ الصبر وأشار اليها بيده وهي ما زالت تبحث عن الرسالة في حقيبتها بما يعني أنه لا داعي للبحث فالمسألة لم تعد تهمه.... ثم مد يده ليمسك بذراع ساشا وهو يقول:
" إسمعي يا آنسة ، يبدو واضحا أن هناك سوء تفاهم ، تعالي معي الى المنزل لنبحث هذا الأمر بينما نتناول بعض الشراب ، فالجو حار هنا".
وشعرت ساشا بيد دافئة تكاد تحرق ذراعها فنظرت اليه وإلتقت نظراتهما وفي هذه اللحظة رأت في عيني الشاب شيئا افزعها قليلا وجعلها تدرك على الفور أنه يجب عليها ان تمضي من هذا المكان ، ولم تكن تعرف تماما ما هو هذا الشيء ولكن كل ما تعرفه ان شعورا قويا بداخلها كان يحذرها من هذا الشاب ويدفعها الى الهرب بعيدا عن المكان.
حسنا حاولت ان تتماسك وان تبدو طبيعيةب قدر الإمكان وهي تقول له:
" حسنا ، ربما كنت على حق .... وربما يكون حدث خطأ ما... في أي حال لي عمة تقيم في كان ويمكنني ان اذهب اليها وزيارتها و....".
ولم يدعها الشاب تكمل حديثها ، بل قاطعها سريعا وهو يقول في لهجة لطيفة.
" لا.... لا أعتقد أنه يمكنك ذلك ، فليس من العدل أن ادعك تعودين أدراجك بعد كل هذه الرحلة الطويلة ، تعالي الآن".
ثم اضاف وهو يهز كتفيه بالطريقة الجذابة نفسها قائلا:
" سنعود الى المنزل الآن ، حيث نقرر ما يمكن أن تفعله ، وانا اكرر لك أسفي".
وإإلتفتت ساشا الى سيارتها وودت لو أنها عادت أدراجها فورا برغم مشقة الرحلة فقد إزداد هذا الشعور الغامض الذي يدفعها الى الإسراع بالهرب.
وإتجهت ساشا الى السيارة ومدت يدها الى الباب لتفتحه وهي تنظر الى الشاب بدا لها الآن كما بدا لها لأول وهلة جذابا الى درجة كبيرة ، هناك شيء آخر يبدو عليه الان ، لا تستطيع ان تصفه ولكنه يملأها بالخوف ، ونظرت اليه وهي تحاول أن ترسم على شفتيها إبتسامة وهي تقول:
" لا بد أن اذهب الآن...".
لكن الشاب المدعو مارك تقدم بسرعة لينحني داخل السيارة ويخطف المفاتيح ثم يطوّح بها في في الهواء ليلتقطها من جديد قائلا:
" لا... ليس الان".
كانت ساشا فتاة شجاعة واسعة الحيلة وقد تمكنت مرة من القبض على مجرم كان يحاول مهاجمة إحدى السيدات وسرقتها فضربته ساشا بكل قوتها واوقعته على الأرض الى أن تمكن الناس من الإمساك به ، ولكن شيئا ما بداخلها كان يقول لها ان هذا الشاب يختلف تماما عن المجرمين وربما يكون نوعه فريدا ، لذلك حاولت التماسك ورفعت رأسها في تحد واضح وهي تقول له:
" أنا لا أدري تماما ما هي هذه اللعبة التي تحاول ان تقوم بها... ولكنني اريد مفاتيح السيارة.... الآن.... لو سمحت".
ومدت اليه يدها وهي تنظر في عينيه الداكنتين ولكنه نظر اليها وقد لاحت على شفتيه إبتسامة وهو يقول في تعجب:
" لعبة.... إنني آسف فأنا لا أفهم ما تقصدين بذلك... كل ما اريده...".
ولم يكمل حديثه فقد مدت ساشا يدها بسرعة في محاولة منها لإختطاف مفاتيح السيارة التي كان يمسك بها بغير إكتراث فأسرع الشاب يمسك بيدها بلطف ولكن بحزم وقوة ، فتخلصت منه لتطلق يدها وقد تسارعت دقات قلبها وسرت في جسمها قشعريرة الخوف وظلت لحظة لا تدري ماذا تفعل ثم فجأة وجدت نفسها تندفع لتركض مبتعدة عن الشاب ، لتهبط الممر الحجري الضيق متجهة الى الطريق الرئيسي الذي كان يبعد نحو ميل.... أدركت في هذه اللحظة ما يحدث حولها وادركت أنه يجب عليها أن تهرب باسرع ما يمكن وليحدث ما يحدث ، ولم تكن ساشا تدري وهي تجري على الممر الحجري وقد أحاطت بها الأسوار العالية ، إذا كان ما يحدث لها مجرد كابوس سرعان ما يزول أم هو حقيقة واقعة ، ولكنها أفاقت الى الشاب يتبعها ويمسك بها بقوة ، وحاولت ساشا التخلص منه واخذت تركله بعنف وتضربه بيديها في محاولة لإبعاده بدون فائدة... وكانت ساشا تعرف انها لن تفلت فقد كان قويا ، لكنه على الأقل كان يجب عليها أن تحاول.
واخيرا قال الشاب:
" أرجوك ... لا داعي للمقاومة... إنك بذلك لن تؤذي غير نفسك... تعالي يجب ان تأتي معي الآن ... الا تدركين ذلك ، لو انك لم ترني ... لو أنت جئت في وقت آخر... لو...".
ثم توقف الشاب فجأة عن الحديث كانه أدرك انه أفصح أكثر مما يجب.
وسحبها معه الى اعلى الممر في الطريق الى المنزل وهو يحيطها بذراعه بقوة ، وفكرت ساشا في مرارة بان أي شخص يراها الان وقد إلتصقا ببعضهما وهو يحيطها بذراعه لا بد سيعتقد انهما عاشقان ، وتمنت ساشا لو ان الأمر كان هكذا فعلا.
وحاولت ساشا إلتقاط أنفاسها وهي تقول في عصبية:
" ابعد يديك عني".
وأبعد الشاب يديه عنها فورا وهو يقول:
" حسنا... ولكن إذا حاولت الهرب مرة أخرى لن استمع الى كلامك بعد ذلك ، وارجو أن تفهمي هذا جيدا".
وإقتربا في هذه اللحظة من المنزل وبدا لساشا مألوفا لديها ويوحي بالأمان كما عهدته من قبل ، اما الان فإن الوضع يختلف ولم تكن تعرف ما ينتظرها فيه
ولم تدهش ساشا هذه المرة وهي ترى رجلا آخر يقف أمام باب المنزل ، وعندما إقتربا منه إستطاعت ساشا أن تراه جيدا ولم تدر لماذا شعرت بخوف مبهم ، وسمعت ساشا الشاب المدعو مارك يهمس اليها قائلا:
" لا تخافي... إنه لن يؤذيك".
وأخذت ساشا تفكر بسرعة انه لا بد ان السيدة كاسبل موجودة في مكان قريب ، فإنها تتولى إدارة المنزل دائما في حال تأجيره لي شخص ، واخذت تطمئن نفسها بان السيدة كاسيل ستضع الأمور في نصابها ويجب عليها ان تفعل ذلك.
وافاقت ساشا من أفكارها على صوت الشاب وهو يقول لها:
" تفضلي بالدخول".
ولاحظت بشيء من الراحة إختفاء الرجل الذي كان يقف في الباب ، ولم تجد ساشا مفرا من الإنصياع لأمر الشاب الذي فتح باب المنزل لتدخل ، وشعرت في هذه اللحظة وهي تخطو الى داخل المنزل وكانها تساق الى حتفها ، وتوقفت للحظة فقد كان المكان مظلما للغاية بالمقارنة مع ضوء الشمس الساطع في الخارج ، وشعرت وهي تطأ عتبة المنزل بان المكان ما زال مألوفا لديها كما كان دائما وان المنزل القديم ما زال كما هو على الرغم من وجود بعض الأغراب فيه.
وتيقظت من جديد على صوت الشاب وهو يقول لها:
" أرجوك.... أجلسي.... هل ترغبين في قدح من الشاي او القهوة؟".
وعلى الرغم من ساشا كانت تشعر بعطش شديد إلا ان الخوف والشك كانا يملآن نفسها فردت بسرعة وبدون تفكير :
" حسنا ، ولكن شرط أن أقوم أنا بإعداده".
وضحك الشاب بطريقة لطيفة وبصوت عال وقال وهو يرجع برأسه الى الخلف.
" هل تعتقدين أنني سأضع لك مخدرا في المشروب ... حسنا تعالي معي".
قال ذلك وهو يشير الى المطبخ الذي يفتح على غرفة الجلوس الكبيرة الرئيسية في المنزل ، وإتجهت ساشا معه الى المطبخ وهي تتلفت وتجول ببصرها في أنحاء المكان لترى إذا حدثت بعض التغييرات لكن كل شيء بدا لها كما كان دائما حتى كان بوسعها ان تقسم أن حزمة البصل المدلاة على الحائط ما زالت مكانها منذ قامت بزيارة المنزل آخر مرة.
وتنهدت ساشا وهي تتجول ببصرها في انحاء المطبخ ، لون الحائط كما هو لم يتغير ، الموقد القديم نفسه والخزانة الضخمة... كل شيء كما هو وكأن شيئا جديدا لم يحدث على الإطلاق.
وإنحنى مارك ليلتقط علبة من الخزانة وفتحها وهو يقول:
" هل ترغبين في شرب الشاي... أعرف ان الإنكليز يحبون الشاي ، اليس كذلك ؟واعتقد أنك أيضا تفضلينه".
واجابت ساشا بالإيجاب وقبل ان تصل الى الأبريق الموضوع فوق الموقد ، كان مارك قد سارع برفعه وتوجه الى الحوض يملأه بالماء.
ووقفت ساشا تراقبه وهو يتحرك بسرعة ليشعل الموقد ويضع الابريق فوقه ثم سألته وهي ما زالت تشعر بملمس ذراعه حول خصرها.
" من أين أتيت؟".
فإلتفت مارك اليها وهزراسه وهو يقول:
" دعينا نشرب الشاي أولا .... ثم أجيب على اسئلتك".
" ولكني أريد ان أعرف الآن".
وفي هذه اللحظة رات ساشا قضيبا من الخشب يستند الى الخزانة وفكرت انه ثد يصلح سلاحا فعالا لو أنها ضربت مارك بقوة ، ولم يكن الخوف يمنع ساشا من تنفيذ هذه الفكرة ولكن ما كان يقلقها هو أنه لم تكن تعرف بالتحديد عدد الرجال الآخرين الموجودين في المنزل.
رأت حتى الآن رجلين يبدو انهما الان بعيدان عن المنزل ولكن مارك أبلغها من قبل أنه يقيم مع عائلته.
واخذت تعمل ذهنها بسرعة ، ربما لا يكون احد الرجال في المنزل الان ولكن ماذا لو رآها احد وهي تهرب بمفردها بدون ان يكون مارك معها.
كان احد الرجلين الذي قابلته في الممر الحجري يناهزالستين من عمره اما الآخر الذي كان يقف بباب المنزل فإنه أصلع وبدين ولن يمكنه الركض بسرعة للحاق بها ، وعندما وصل تفكير ساشا الى هذا الحد نظرت من جديد وبحذر شديد الى القضيب الخشبي ، فقد كانت تخشى أن يلاحظ مارك شيئا برغم إنشغاله في اعداد الشاي إذ كان يبدو لها يقظا أكثر من اللازم.
ترددت ساشا لحظة لكنها كانت تريد مغادرة المكان باسرع ما يمكن .... اين وضع مارك مفاتيح السيارة وتذكرت انها رأته يضعها في جيب السروال القصير الخلفي ، واخيرا قررت ساشا ان تنفذ خطتها وتضرب مارك بقضيب الخشب ثم تأخذ المفاتيح من جيبه وتهرب بالسيارة الى منزل العمة ماري في كان حيث يمكنها أن تتصل برجال الشرطة بعد أن تشعر بالمان وتبلغهم بأمر الرجال المجانين الذين يحتلون المنزل.
وإرتجفت ساشا وهي ترى مارك يلتفت اليها فجاة وهو يسالها:
" هل تريدين بعض السكر؟".
وتلعثمت ساشا وهي تجيب بالنفي فالأمر لا يهمها الان إذ قررت الهرب ولن تشرب الشاي في أي حال.
ووضعت ساشا حقيبتها على المائدة بصورة بدت طبيعية وإتجهت الى الحائط القريب من القضيب الخشبي الذي اصبح في متناول يدها.... لكن الموقف لم يكن قد حان بعد أن كان مارك يلتفت اليها قائلا:
" الماء يغلي في الأبريق ... هل تضعين الشاي؟".
فردت ساشا بالإيجاب وإتجه مارك الى أحد الرفوف ليحضر الاقداح وفي هذه اللحظة اسرعت ساشا بإلتقاط القضيب الخشبي وقد ملأها الخوف واليأس بالقوة ووجهته الى رأس مارك في ضربة قوية ، ولكن القضيب لم يصب رأسه بل أصاب كتفه الأيسر وتنبه مارك في اللحظة الخيرة لما تجرأت لما يحدث خلفه وأمكنه تلافي الضربة القوية على رأسه.
ولم تشعر ساشا إلا والقضيب الخشبي يختطف من يدها بسرعة ويسقط على الأرض بعيدا ، ووجدت نفسها فجأة وجها لوجه مع رجل تملّكه غضب جنوني وحشي ، وشحب وجهه وسقطت ذراعه اليسرى الى جانبه.
وتجمدت الدماء في عروق ساشا التي إندفعت تركض الى باب المطبخ في محاولة للهرب ، لكن مارك تبعها وأمسك بها بها وهو يصر أسنانه وبدت على وجهها علامات الألم وهو يزمجر قائلا:
" هكذا.... في الوقت الذي تحاولين أن تقنعيني فيه انك بريئة".
قال مارك هذه الجملة المبهمة التي لم تستطع ساشا أن تفهم لها معن ، وهو يسحبها الى غرفة الجلوس ويدفعها فوق أحد المقاعد ، ووقف مارك مواجهتها وهو يدلك كتفه اليسرى بيده اليمنى ، وإنكمشت في مكانها فوق الكرسي تنظر اليه ولكن شعورها بالخوف بدأ يخف الى حد ما ، لأنها أقنعت نفسها بأنه لو كان كان مارك يريد الإنتقام منها لفعل ذلك في لحظات الغضب الأعمى التي أعقبت محاولتها ضربه في المطبخ.
واخيرا قال مارك:
" والان اريد أن أعرف منك كل شيء ، من أنت ومن اين اتيت ، وحاذري ان تقولي غير الحقيقة ، اين جواز سفرك؟".
" في حقيبتي في المطبخ".
قالت ساشا ذلك وهي لا تقوى على الكلام إذ شعرت بحلقها يجف فجأة وبدا لها ، وكأن الجو إزداد حرارة وتوجه مارك بدون ان ينطق بكلمة أخرى الى المطبخ وعاد حاملا الحقيبة التي قذف بها على ركبتيها وهو يقول:
" إففتحي هذه الحقيبة ، وأخرجي منها جواز سفرك فقط ولا شيء غير ذلك ، هل تفهمين؟".
وفتحت ساشا الحقيبة بصمت وقد شعرت ان فرصتها الوحيدة الآن للهرب من هذا المكان هي الإحتفاظ بهدوئها والتصرف بطريقة متزنة غير متهورة قدر الإمكان.
واخرجت ساشا جواز سفرها وسلّمته الى مارك فأخذ هذا يدقق النظر في الصورة الملصقة به ثم نظر اليها كأته يريد التأكد من ان هذه صورتها بالفعل ، وأخيرا نظر اليها وهو يقول في لهجة اقلقتها بعض الشيء:
" جواز سفرك يقول أنك صحفية".
فتلعثمت وهي ترد قائلة:
" نعم ، ولكنني صحفية في....".
كانت تود أن تقول انها صحفية في صحيفة محلية صغيرة ، لكن مارك لم يدعها تكمل حديثها بل سارع بمقاطعتها قائلا:
" إذن انت تريدين إيهامي بأنك حضرت الى هنا لقضاء عطلتك؟".
ونظرت ساشا اليه والغضب ما زال يملأ عينيه ، لكنها في هذه اللحظة رات فيهما شيئا آخر فقد بدأتا تزدادان بريقا بصورة جعلت الفزع يتملّكها من جديد وهي لا تدري تماما ما الذي يحدث من حولها فردت قائلة:
" نعم... هذا حقيقي ، معي رسالة من السيدة كاسيل يؤكد كلامي".
" لا يهم هذا الآن .... ارجوك ان تفرغي محتويات حقيبتك كلها على الأرض".
وشعرت ساشا بغضب مفاجىء ، فاجابت وهي تنظر اليه بتحدّ:
" لا لن أفعل ...من أنت بحق الجحيم ،حتى تامرني بذلك؟".
" اعتقد انك تعرفين الآن الإجابة على هذا السؤال... والآن هل تقومين بفتح حقيبتك ام اقوم انا بذلك؟".
" لن تجد فيها ما يهمك ".
" حسنا ، الأمر لن يستغرق طويلا ، والانا رجوك ان تفعلي ما طلبته منك".
قال مارك ذلك بلهجة هادئة ، لكنها تنطوي على رنة تحذير فأذعنت ساشا وفتحت حقيبتها ثم اخرجت جميع محتوياتها ووضعتها على الأرض ، وكان فيها تذاكر طائرة وإيصال إيجار السيارة من مطار نيس ورخصة قيادة وبعض الأدوية المهدئة للصداع الى جانب بعض أدوات المكياج.
ونظر مارك الى محتويات الحقيبة التي وضعت على الأرض وهو يسال:
" هل هذا كل شيء؟".
ولم ترد ساشا عليه بل إكتفت بفتح حقيبتها واخذت تنفضها وقرّبتها من وجهه ليرى بنفسه أنه لم يعد فيها شيء فقال:
" حسنا يمكنك الان وضع حاجياتك في الحقيبة من جديد".
وبدات ساشا تشعر بالإرهاق إذ تكاتفت عليها عوامل الخوف والغضب والحرارة الشديدة لتصيبها بصداع شديد ، وبدات أصابعها ترتعش وهي تدفع بحاجياتها من جديد في الحقيبة فأخرجت قرصين من الأسبرين وهي تتحاشى النظر الى مارك لكنها قبل ان تضعهما في فمها سمعت مارك يسالها:
" ماذا تفعلين؟".
فاجابت ساشا:
" إنني أشعر بالصداع... ثم اردفت وهي تنظر اليه:
" واريد أن آخذ قرصين من الأسبرين ... هل تمانع في ذلك؟".
فاشار اليها براسه موافقا ولمحت ساشا عضلات فكه ترتعش وهو يقول وقد إرتسمت على وجهها إبتسامة خفيفة:
" أرجو الا يكون صداعك مؤلما كما هو الحال مع كتفي...".
ثم أضاف بلطف:
" تعالي الآن .... لنننتهي من إعداد الشاي ... إسبقيني في السير فإنني افضّل أن اراك أمامي....".
ودخلا المطبخ ووقف مارك في فتحة الباب يراقبها وهي تقوم بصب الماء المغلي في ابريق الشاي وكانت ساشا تدرك تماما حتى بدون ان تنظر الى مارك أنه يقف متحفزا للإنقضاض في حالة قيامها باية حركة.
وقال مارك:
" لا يوجد هنا حليب ، بل يوجد بعض عصير الليمون الطازج".
فردّت ساشا وهي تصب قدحين من الشاي:
" هذا يكفي".
ثم وضعت بعض قطرات من زجاجة عصير الليمون في الاقداح وقال مارك:
" سنشرب الشاي هنا في المطبخ .... ضعي الأقداح على المائدة".
وفعلت ساشا ما أمر به مارك الذي سحب مقعدا ليجلس في مواجهتها حول المائدة الخشبية الكبيرة التي تتوسط المطبخ ، ثم أخرج من جيبه علبة سكائر وهو يسالها:
" هل تدين التدخين؟".
فاجابت ساشا وهي تأخذ رشفة من الشاي لتبلع بها الاسبرين بأنها لا تدخن.... وأخذت تراقب مارك وهو يجلس امامها يدخن سيكارته واخذت تسائل نفسها ما هذا الذي يحدث حولها وإنتابها شعور بالحيرة لم تعف مثله من قبل طوال حياتها .... كانت تتمنى الوصول الى هذا المنزل لقضاء ثلاثة أسابيع في هدوء حيث يمكنها ان تمارس هوايتها في الرسم والسباحة والتمتع بأشعة الشمس والإبتعاد عن نيجل في محاولة لإقصائه تماما عن حياتها ، ولكن الآن ، إنها لا تود شيئا أكثر من الإبتعاد فورا وبأسرع ما يمكن عن هذا المكان ، وتذكرت العمة ماري وتمنت في هذه اللحظة أن تذهب اليها في شقتها في كان التي كانت تبدو لها كمرفأ آمن في هذه الظروف التي تمر بها ، وكانت قد وعدتها بالزيارة ، أما الان فإن هذا الأمر يبدو مستحيلا.
وتوقفت ساشا عن الإسترسال في تفكيرها ونظرت الى مارك تسأله فجأة :
" ارجوك... لو سمحت اريد ان أعرف لماذا تحتجزني هنا... لم افعل شيئا ....وقد حضرت الى هذا المكان لقضاء عطلتي".
وإمتلت عينا ساشا بالدموع وهي تقول هذا ، وربما كان بسبب إرتشافها جرعة كبيرة من الشاي الساخن ، لكنها لاحظت ان وجه مارك بدا يلين قليلا وهو ينفض دخان سيكارته في المنفضة الزجاجية الموضوعة امامه ثم نظر اليها قائلا بعد لحظة:
" أميل الى تصديقك ، وأتمنى ان اصدقك بالفعل ، فإنني اشعر أنه ليس من المناسب إطلاقا الإحتفاظ بك هنا في المنزل ، لكنني اجد نفسي مضطرا لذلك إذ لا يمكنني المجازفة ، في أي حال ستتمكنين من قضاء عطلتك بعد بضعة ايام ولكن حتى يحين ذلك الوقت ستقيمين في هذا المنزل كضيفة".
وشعرت ساشا في هذه اللحظة بياس شديد وإنتابتها برودة مفاجئة ، وظلت تنظر اليه بعض الوقت وهي لا تقوى على الكلام ، واخيرا تساءلت في صوت خافت:
" ولكن لماذا.... لماذا؟".
" إذا كنت تعرفين السبب كما أعتقد فلا حاجة بي الى الرد على سؤالك ، وإذا لم تكوني تعرفين حقا فمن الأفضل لك أن تظلي كذلك".
وهزت ساشا رأسها في ياس واحست بالدموع الحقيقية تندفع الى عينيها ، إذ كانت مرهقة وجائعة وحضرت الى هذا المكان طلبا للراحة بعد المشادة العنيفة التي وقعت بينها وبين نيجل فإندفعت تقول:
" صدقني.... إنني لا أعرف شيئا.... والسيدة كاسيل ستؤكد لك ذلك ، أنا أحضر الى هذا المكان كل عام في تموز / يوليو مع والدي لقضاء العطلة وقد حضرت هذا العام مبكرة".
وكانت ساشا على وشك أن تضيف انها جاءت بمفردها ، ولكنها توقفت فقد خطرت لها فجأة فكرة ، فإستطردت تقول:
" السيدة كاسيل ستشهد بانني أقول الحقيقة ، ولكن اين هي".
فرد مارك وهو يبتسم لها:
" ذهبت لزيارة إبنتها في فريجي".
" لا.... ليس هذا صحيحا فالسيدة كاسيل لا تترك المنزل أبدا في حالة وجود احد فيه....".
ثم توقفت فجأة ، وبدا مارك كأنه قرأ افكارها .... إذ هز رأسه برفق وهو يقول:
" لم نمسها باذى وهي تقيم فعلا عند إبنتها في فريجي وفي صحة جيدة ".
وإزداد إضطراب ساشا وإشتد الصداع عليها ، لكنها صممت على معرفة ما يدور حولها فمضت في تساؤلها قائلة:
" ولكن لا يمكن أبدا للسيدة كاسي لان تترك المنزل خاصة إذا كانت تنتظر وصول بعض الضيوف".
" ارسلت السيدة كاسيل رسائل الى الأشخاص الذين كان من المفروض ان يستاجروا المنزل خلال الشهر الحالي ومن بينهم انت لتبلغهم بإلغاء الحجز بسبب مرضها".
ثم إستطرد مارك وهو ينظر اليها مبتسما:
" وبعد ذلك تريدين إقناعي بانك لم تتلق مثل هذه الرسالة".
فهزت ساشا رأسها بالنفي وبدت عليها مظاهر الحيرة وهي تقول:
" لا افهم شيئا ، ولم استلم منها مثل هذه الرسالة ، بل إستلمت منها رسالة تؤكد لي أنها في إنتظارنا".
" المسالة في منتهى البساطة ، ابلغت السيدة كاسيل أنني حضرت الى المنزل لقضاء شهر العسل مع عروسي وأننا لا نرغب في وجود احد معنا في المنزل ، ثم أعطيتها مبلغا كبيرا من المال ، وقد صدقت قولي بالفعل فانت تعرفين ان الفرنسيين عاطفيون كما انهم عمليون أيضا".
" ولكن هل انت حقا تقضي شهر العسل هنا؟".
فضحك مارك ووجدت ساشا نفسها رغما عنها تنظر اليه بإعجاب إذ كان وجهه يبدو جذابا للغاية عندما يضحك ثم نظر اليها وهو يسال:
" هل تعتقدين ذلك؟".
فتلعثمت ساشا وهي تجيب قائلة:
" لا اعتقد ذلك مع وجود هذين الرجلين في المنزل".
وفجأة تنبهت ساشا من جديد الى حقيقة الوضع الذي وجدت نفسها فيه وتذكرت قول مارك لها انه سيحتفظ بها في المنزل لبضعة أيام ، فشعرت بالإضطراب ولم تدر ماذا تفعل وتركت مقعدها وإتجهت الى النافذة واسندت راسها اليها وقد بدا عليها الياس الشديد وهي لا تدري ماذا يمكن أن تفعل.
وسمعت ساشا صوت مارك يسألها:
" الا زلت تشعرين بالصداع".
أغمضت ساشا عينيها وهي ترد بالإيجاب ، لم تكن ساشا تريد ان تعترف بانها تشعر بالخوف ، ولكن ماذا يمكنها ان تفعل وأي فرصة لها في الهروب مع وجود الرجال الثلاثة في المنزل ، كان الرجل الكبر ذو الشعر الرمادي يبدو لطيفا وطيبا وأما الرجل الاخر الأصلع فلا يبدو لها كذلك.
وبدات ساشا ترتعش وإنتبهت الى يد مارك وهو يلمس ذراعها برفق ويقول لها:
" لن يصيبك أي أذ أثناء وجودك هنا" ولكن لم يكن بمقدورها ذلك فإلتفتت اليه في توسل قائلة:
" ولكن .... لماذا ...لماذا ... اريد ان أعرف".
فنظر مارك اليها في صمت لبضع ثوان ثم اجاب:
" لأنك رأيت بمحض الصدفة ما لم يكن مفروضا أن تريه.... وهذا هو السبب في أنني إحتجزتك هنا... حتى لو كنت صادقة فيما تقولين وتركتك تذهبين ما الذي يضمن لي انك لن تقولي شيئا".
" أعدك بذلك.... لن اتفوه بكلمة...".
ولكن مارك هزّ رأسه وهو يقول:
"لا....فالمسالة لا تحتمل المجازفة أبدا .... حضرت للإقامة في هذا المنزل ....وهذا ما سيحدث بالفعل ولكنك ستضطرين الى البقاء لبضعة ايام في صحبة اشخاص آخرين".
فإندفعت ساشا تقول في يأس محاولة إيهامه أنها لم تحضر بمفردها :
" والدي سيحضر الى المنزل الليلة".
وتوقف مارك لحظة ثم هز كتفيه وهو يقول:
" إذا حضر والدك فسيكون على الرحب والسعة".
ثم إستطرد وقد إرتسمت على فمه إبتسامة ساخرة:
" ولكنني اعتقد انك لا تقولين الحقيقة.... لماذا تكذبين؟".
فأجابت ساشا في تحدّ دون أن تجرؤ على النظر في عينيه:
" سنرى إذا ما كنت صادقة أم لا؟"
مد مارك يده ليمسك بذقنها ويرفع وجهها الى أعلى ونظر في عينيها قائلا:
" ربما كنت صادقة ....والان أنت تبدين مرهقة... هل تريدين أخذ حمام.... إنتظري هنا وسأحضر حقائبك من السيارة".
وخرج مارك من المطبخ وقد أمسك بالمفاتيح في يده ونظرت اليه ساشا وهي تدرك انه برغم إصابة يده اليسرى ما زال أقوى منها بكثير ، ثم سمعته ينادي أحد الأشخاص في الطابق العلوي .... وإنضمت ساشا وفجأة أدركت انه لا يتكلم الإنكليزية أو الفرنسية وعرفت أنه يتحدث الروسية مما زاد من شعورها بالقلق.
وبعد قليل عاد مارك الى المطبخ وهويقول:
"لن يستغرق إحضار حقائبك من السيارة وقتا طويلا.....هل تريدين أن تأكلي شيئا".
فسألته ساشا بطريقة مفاجئة:
" هل اجد عندك كافيار؟".
نظر اليها مارك قائلا وهو يجلس في مواجهتها:
" إذن أنت تعرفين.... هل تتحدثين اللغة الروسية؟".
ردت ساشا بالنفي فكانت تعرف أنه يتحدث الروسية ولكنها لم تكن تعرف اللغة ، وكانت تدرك أن مارك لن يصدقها.
وفعلا هزّ رأسه قائلا:
" حتى لو كنت صادقة في قولك يجب أن ناخذ حذرنا في الحديث".
ولم ترد ساشا بل أدركت في هذه اللحظة انها اخطات إذ جعلت مارك يعرف انها إكتشفت جنسيته وساءلت نفسها كيف لم تكتشف ذلك من قبل فملامح وجهه السلافية بوجنتيه البارزتين وعينيه الغائرتين تنطق بذلك ، وصممت ساشا على مغادرة المكان في أسرع وقت ممكن بمجرد ان تتاح لها الفرصة لذلك ، ولكن عليها أن تفكر في هدوء ، والتظاهر بعدم الخوف وبأنها قبلت الأمر الواقع ثم تفكر في طريقة للهرب عندما تنفرد بنفسها في غرفتها.
وبالفعل بدأت ساشا تنفيذ هذه الفكرة فتظاهرت بالإسترخاء وهي تتحدث مع مارك وسألته وهي تسمع صوت الرجل الاخر يعود بالحقائب من السيارة .
" هل يمكنني أخذ المزيد من الشاي وبعض الطعام ... أحضرت معي بعض الطعام من نيس واشعر بجوع شديد".
فوقف مارك قائلا:
" حسنا..... إنتظري هنا".
ثم عاد يحمل حقيبة من البلاستيك كانت ضمن حقائبها ، وسمعت صوت اقدام ثقيلة تصعد الدرج المؤدي الى غرفة النوم ، وتنفست ساشا الصعداء ، إذ كان وجود الرجل الأصلع الذي يحمل الحقائب يملها بالرعب.
وكانت ساشا تشعر بجوع شديد ، ولكنها إضطرت الى الإنتظار حتى يخرج مارك جميع المأكولات من حقيبة البلاستيك وهو يفتش كل شيء بدقة ، وبعد أن إنتهى من ذلك قال لها:
" حسنا يمكنك الآن تناول الطعام... ولكن لماذا لا تغتسلين أولا ! يوجد حمام في الطابق العلوي".
" اعرف ذلك فقد حضرت الى هذا المنزل من قبل كما أخبرتك".
ثم أضافت في لهجة حاولت أن تبدو لطيفة:
" ساصعد الآن .... اين حقائبي؟".
"هنا.... بالداخل....تعالي سأحملها لك الى الطابق العلوي".
ولم تستطع ساشا ان تمنع نفسها من التساؤل كيف يمكنه أن يحمل الحقائب وذراعه اليسرى مصابة وأقنعت نفسها أنها لا تهتم كثيرا بذلك فكل ما تريده الآن هو الخروج من هذا المنزل في أسرع وقت ممكن حتى لو إضطرت الى ترك متاعها كله وراءها.
وحمل مارك الحقائب وقد امسك بأخفها وزنا وفي يده اليسرى المصابة وأومأ اليها برأسه وهو يرشدها الى الطريق.
ونظرت اليه ساشا وشعرت بأنه على الرغم من ان يديه كانتا مشغولتين في حمل الحقائب ما زال متحفزا لأي حركة قد تقوم بها.
وأوصلها مارك الى حجرة في مقدمة المنزل إعتادت على النوم فيها عندما كانت تفد الى المنزل في المرات السابقة ، ودخلت ساشا الغرفة حيث عاودتها الذكريات من زياراتها السابقة للمنزل كان كل شيء كما هو في الغرفة وتوقفت ساشا ساكنة وقد تملكها شعور بالحزن والياس معا ، لم تكن تفكر أبدا في انها ستضطر الى مواجهة مثل هذا الموقف في وقت من الأوقات.
ويبدو أن مارك لاحظ علامات الإنفعال التي إنعكست على وجهها في هذه اللحظة فبدا التساؤل على وجهه وهو يقول:
" ماذا حدث؟".
" لا شيء.... هل هذا المكان الذي ساقضي فيه الليل؟".
"نعم .... وأنت تعرفين مكان الدوش في الغرفة الصغيرة المجاورة".
" بالطبع أعرف ذلك".
ثم نظرت اليه وهي تسأل:
" ولكن هل تنوي البقاء في الغرفة بينما أستعد للإغتسال؟".
إبتسم مارك وهو ينظر اليها وقد لاحت ملامح وجهه الأسمر الذي لوّحته الشمس ، فبدا لها أكثر جاذبية ورجولة ، ولكن ساشا لم تكن في هذه اللحظة في حال يسمح لها بالإهتمام بذلك ، فقد كانت تشعر بالخوف وتحاول جاهدة إخفاءها .
ورد مارك قائلا:
" بالطبع لا انوي البقاء.... ولكنني أحذّرك من محاولة الهرب مرة اخرى ، فالغرفة كما ترين لا يوجد فيها سوى نافذة صغيرة جدا تستحق عناء محاولتك الهرب منها".
نظرت اليه ساشا بطريقة ساخرة وهي قول :
" كنت اعتقد أنني ضيفتك ".
" كنت أعتقد انني ضيفتك ".
ثم اضافت وهي تميل براسها قليلا:
" والضيف لن يحاول الهرب.... اليس كذلك؟".
فردّ مارك ويده على مقبض الباب:
" بالطبع لا... لا تؤاخذينني".
ثم أحنى لها راسه بالتحية ونظر اليها وقد بدا لها في عينيه ، تلك اللحظة ، تعبير غريب وهو يقول لها:
" إنك تبدين جميلة جدا وانت غاضبة ... إنك جميلة حتى وانت غير غاضبة".
وتركها بعدما أغلق الباب وراءه ووقفت ساشا وسط الغرفة وقد اثارها كلامه وأخذت تسائل نفسها من هو هذا الشاب الروسي وماذا يفعل مع رفاقه في هذا المنزل؟
ولما لم تجد إجابة على هذه التساؤلات إنحنت ساشا على حقيبتها في يأس وأخذت تعبث بمحتوياتها بانامل مرتعشة.

... وعاد في المساءDonde viven las historias. Descúbrelo ahora