3- الدراجة النارية

563 7 0
                                    

شعرت ساشا برعب شديد وهي تنظر الى السكين في يد مارك وخيّل اليها ان ساقيها لا تقويان على حملها ، فتشبثت بحقيبتها وأستعدت لقذفها في وجهه إذا حاول طعنها ، ولكن مارك وضع السكين في جرابها الجلدي في هدوء ،ثم مدّ يده اليها قائلا ببساطة:
" خذي.... إحتفظي بها معك".
وتلعثمت ساشا ولم تقو ى على الرد ، ونظر مارك الى وجهها وقد إكتسى برعب كبير ، فقال لها وقد ضاقت عيناه وإمتلأ وجهه بتعبير غريب:
" ما بالك...هل كنت تعتقدين انني سأطعنك بهذه السكين؟".
هزّت ساشا رأسها بالإيجاب ، فلم تكن تقوى بعد على الكلام ، ومدّ مارك يده فأمسك بيدها وفتح راحتها ووضع السكين فيها ثم اغلقها وهو يقول وقد إرتسم على وجهه شبح إبتسامة:
" هذه السكين لك... لتدافعي بها عن نفسك.... لو انني حاولت مثلا الإعتداء عليك".
وأخيرا بدأت ساشا تستعيد هدوءها فتنهدت بعمق وهي تقول:
" أنت تعني .... انه يمكنني ان.... ان أحتفظ بها".
ونظرت ساشا الى السكين بخوف ثم سحبتها من جرابها فلمع نصلها الحاد في الضوء وشعرت بالرعب وسارعت بوضعها في الجراب من جديد بيد مرتعشة ، ثم نظرت الى مارك متسائلة:
" ولكن كيف تضمن أنني لن أستخدم هذه السكين لأطعنك بها حتى اتمكن من الهرب".
" اعرف أنك لن تفعلي هذا".
وإلتقت نظراتهما لفترة ثم اضاف قائلا:
" انت لا يمكنك إستخدام هذه السكين ضدي وانت في حالتك الطبيعية ، لكنني أعتقد أنه يمكنك ذلك في حالة الدفاع عن نفسك".
وبعد فترة صمت اضاف مارك وهو يهز كتفيه بالطريقة الجذابة التي اعجبتها منذ إلتقته.
" ولكن .... هل تعتقدين انني قد احاول ان أفعل أي شيء.... لا تخافي ، ستكونين في امان معي وستشعرين بالمزيد من الأمان وانت تحتفظين بهذه السكين معك ، أليس كذلك؟".
ونظرت ساشا اليه وهي تحس أنها امام شخص غير عادي ، يمكنه ان يفهم تماما كل ما تفكر فيه ولم تدر كيف أمكنه ذلك وبهذه الدقة وبدأ الياس يزحف الى نفسها إذ اصبح واضحا لها الان أنه لن يمكنها الهرب من مارك ، فهو لن يتيح لها ابدا الفرصة لتحقيق ذلك .... رفعت يدها ووضعتها على عينيها حتى لا يرى مارك دموع الياس والإرهاق التي بدات تتجمع فيهما .... واخذت تفكر فيما كان يمكن أن يحدث لو ان نيجل حضر معها الى المنزل وماذا كان يفعل في مواجهة مثل هذا الموقف ، ثم فكرت في والدها .... لا بد أنه سيشعر بالقلق عليها إذ إعتادت الإتصال به هاتفيا او كتابيا بعد وصولهما ، لكنها تذكرت أنه منهمك في رسومه ولن يشعر بمضي الوقت قبل يومين أوثلاثة ... لكن ما الفائدة ، فإن مارك سيكون قد افرج عنها.. هل حقا سيفرج عنها؟
وأفاقت ساشا من أفكارها على صوت مارك يقول لها في صوت هادىء.
" والان ... إصعدي الى الطابق العلوي.... وسأتبعك بعد قليل".
ووقف مارك ينظر اليها وهي تعبر غرفة الجلوس ببطء لتصعد درجات السلم في طريقها الى الطابق العلوي ، ولم تحاول ساشا أن تنظر الى الخلف ولذلك فاتها ان ترى التعبير الذي غرتسم على وجه مارك في هذه اللحظة وإختلاج عضلات فكه.
وتوجهت ساشا الى الحمام لتغتسل وتوقفت وهي في طريقها اليه بباب إحدى الغرف، كان الضوء ينبعث من تحته وكانت اصوات الموسيقى الخفيفة تنبعث منها كما امكنها ان تسمع صوتا يشبه صوت قطع الشطرنج تتحرك فوق طاولة وفكرت انهم ربما كانوا يمضون الوقت في لعب الشطرنج بإنتظار شيء ما.... ولكن ماذا ينتظرون ؟ ولما لم تجد ساشا جوابا لهذا التساؤل ، مضت بحذر الى الغرفة حيث ستنام ، وهي على يقين من عدم جدوى النزول الى البهو ومحاولة الهرب إذ سمعت مارك يغلق الباب بالمزلاج وهي تعرف تماما أنه لن يمكنها فتح المزلاج لأنه قديم وسيحدث صوتا عاليا يوقط كل من في المنزل.
ودخلت ساشا الى الغرفة وإرتمت تحت الوسادة ثم سحبت ملاءة خفيفة وضعتها فوقها.
كان المطر ما زال يتساقط في الخارج ، ورقدت ساشا في سكون وهي لا تدري ما تفعل ، وبعد فترة سمعت صوت باب الغرفة يفتح فإمتدت يدها لا شعوريا تحت الوسادة لتطمئن على وجود السكين ، ثم حاولت التظاهر بالنوم ، وشعرت بمارك يقف في جوار السرير ساكنا.... كانت تعرف أنه ينظر اليها فجاهدت لتبدو مستغرقة في النوم ويبدو ان المظهر اقنعه بذلك فعلا ، إذ شعرت بدون ان يحاول أن يلمسها ثم سمعته بعد ذلك يتجه الى السرير الآخر المجاور لسريرها ليستلقي عليه.
وحاولت ساشا أن تستعيد هدوءها وهي تستمع الى صوت المطر يتساقط في الخارج ، لكنها كانت تشعر بالإضطراب الشديد وهي تعلم أنها تنام في غرفة واحدة مع هذا الشخص الغريب الذي لم تتعرف اليه إلا منذ ساعات قليلة.... الشخص الغريب العنيف السريع الغضب يرقد على بضة أقدام منها.
وأذهلت ساشا هذه الحقيقة وحاولت أن تفكر في مخرج من هذا الموقف ، لكن عقلها قد توقف تماما عن التفكير بعدما أرهقته احداث الساعات الماضية.
وحاولت ساشا ان تظل مستيقظة لكنها كانت تشعر بإرهاق شديد كما ان القدر الضئيل الذي تناولته من الشراب جعلها تشعر برغبة في النوم ، فأغمضت عينيها ووضعت يدها على السكين إستعدادا لأي حركة قد تبدو من مارك.
وعندما فتحت ساشا عينيها من جديد ، كان صوت المطر قد توقف وتسلّل ضوء القمر الى الغرفة ونظرت ساشا حولها فرأت مارك يرقد في سريره ، فتذكرت فجأة الوضع الغريب الذي وجدت نفسها فيه ، جلست في السرير وقد تصبب وجهها عرقا ، ورفعت يدها تتحسسه ، فقد رات في منامها شخصا يضربها بسكين فيصيبها في وجهها.... وتذكرت السكين التي أعطاها لها مارك ، فمدت يدها تحت الوسادة تطمئن الى وجودها.
ونظرت ساشا الى مارك وكان يستلقي على جانبه مديرا ظهره اليها ، وكان نفسه عميقا ومنتظما ، ووضع إحدى ذراعيه تحت راسه ، اما ذراعه الأخرى فتدلّت من السرير ، وكان نصفه الأعلى عاريا وإنعكس ضوء القمر على جلده النحاسي فبدا لامعا.
وإنزلقت ساشا من سريرها في هدوء وإتجهت حافية القدمين في حذر شديد الى باب الغرفة وفجأة سمعت صوت مارك القوي يسأل:
" اين تذهبين؟".
وتجمدت ساشا في مكانها وإرتفعت دقات قلبها وهي تجيب في تلعثم:
" الى .....الى الحمام.
" إذن إذهبي.... وتذكري جيدا أنني احكمت إغلاق الأبواب وإذا حاولت فتح أي باب ساسمعك ، ولن يمكنك الهرب مني".
وخرجت ساشا ، وعندما عادت كان مارك ما زال مستلقيا فوق سريره ، فإتجهت الى النافذة لأنها شعرت بحاجة الى هواء الليل المنعش ، وكان الوقت حوالي الثالثة صباحا وخيّل اليها وهي تنظر من النافذة انها تسمع صوت موسيقى ياتي من بعيد ، فشعرت بالوحدة والضياع وهي تتخيّل أن الجميع يمرحون في الخارج وما زالوا يسهرون حتى الان وهي محبوسة هنا وحيدة.
وامسكت بحافة النافذة وتدلت منها لتنظر الى الأرض تحتها وكانت قريبة منها وتمنت في هذه اللحظة لو أن معها حبلا تتدلى به وتهرب.
ولاحظت وهي تقف بجوار النافذة ان مارك يتقلب في فراشه ويبدو كأنه يفقد صبره لكنها ظلت في مكانها وسمعته يناديها وتجاهلت ذلك فكرر نداءه فإلتفتت اليه وهي تقول:
" حسنا.... ماذا تريد؟".
فقال متسائلا:
" ألا يمكنك النوم؟".
فردت بالنفي وكانت صادقة في ردها ، كانت حواسها متيقظة تماما في ذلك الوقت ، ثم اجابت وهي تتعمد مضايقته:
" اريد الخروج للتريّض قليلا".
ولم تدر ساشا ما إذا كانت قد نجحت بالفعل في مضايقته لأنه لم يكن بإمكانها رؤية وجهه ، بل سمعته يضحك قائلا:
" عودي الآن الى سريرك".
" لا ، فإنني افضل الوقوف بجوار النافذة".
" اتفضلين ذلك حقا ..... إذن ساقف الى جانبك نشاهد معا ضوء القمر ، هل تريدين ذلك ، اعتقد أنه سيكون شيئا جميلا".
واحست ساشا بمارك يزيح الغطاء كأنه يستعد لمغادرة السرير فإلتفتت اليه سريعا إذ كان وقوفه الى جانبها أبعد شيء تتمناه في هذه اللحظة ، وسمعته يضحك كانه كان يعرف شعورها تماما.
وشعرت ساشا في هذه اللحظة باليأس والضعف إزاء هذا الرجل القوي الذي يمكنه أن يحبط أي محاولة من جانبها للهرب.
واحست بغضب مفاجىء فإندفعت بدون وعي منها لتقذف بنفسها فوق السرير وهي تضربه بقبضتها على صدره بعصبية وبلا هوادة.
وبدا مارك كأنه يتوقع منها مثل هذا التصرف فجذبها بقوة لتسقط فوقه ثم فوجئت بنفسها بعد ذلك ومارك يجثم ممسكا بكلتي يديها ولا حيلة لها كحشرة صغيرة بين خيوط العنكبوت.
ثم قال مارك في لهجة جادة:
" والآن.... يا آنسة ساشا هل يعجبك هذا؟".
وإستلقت ساشا في هذا الوضع ساكنة تماما وهي تعجب من نفسها لأنها لم تشعر بالإستياء لذلك كما ان مارك لم يكن يمسك بيديها بطريقة تسبب لها أي الم واخذت تفكر بما يمكنها ان تفعل ، وأخيرا سمعته يقول:
" يجب ان تعرفي أنني اخذت الحزام الأسود في الجودو والكاراتيه وحتى لو لم يكن ذلك ، كيف تتخيّلين أنه يمكنك وأنت الفتاة الرقيقة التغلب عليّ؟".
ولم ترد ساشا لأنه لم يكن هناك أي مجال للمجادلة ، وأخذت تحرك راسها في محاولة للتخلص منه ولكن مارك لم يتركها.
ثم شعرت بيده تتحرك لتلمس وجهها وهو يقول في صوت هامس:
" إنك جميلة جدا ، جميلة يا آنسة ساشا دونيلي".
وشعرت ساشا بشفتيها تحترقان فإضطربت وحاولت التخلص منه فجذبها مارك بقوة ليجلسها فوق السرير ، ثم ركع الى جوارها وهو يلهث قائلا في صوت خشن:
" لا تحاولي ان تفعلي ذلك مرة اخرى يا صغيرتي ، ألا تدركين ما تفعلين أم أنك بريئة الى درجة انه لا يمكنك ان تدركي ما يمكن أن يفعله أي رجل في مثل هذا الموقف؟".
ثم ترك السرير فجأة ووقف وهو يجذب ساشا ليوقفها قائلا في صوت رقيق:
" ما زلت في إنتظار ردك".
وكان مارك ما زال محتفظا في يده وشعرت باصابعه وهي تضغط برفق على رسغها وتملّكها شعور بالراحة لكنها ردت وهي تتظاهر بأنها لا تفهم قصده .
" لا افهم ماذا تعني، هل تعتقد أنني ما دمت هنا ...( ضيفة) كما يحلو لك أن تقول فإنه يمكنك أن تفعل معي أي شيء".
ثم إضطرب صوتها وهي تقول:
" إنني أكرهك".
" لا إنك لا تكرهينني فأنت لم تعرفيني بما فيه الكفاية حتى تقولي ذلك ، ربما لا تحبينني بسبب تصرفاتي معك ولكن تكرهينني....لا... وإنني على يقين من انه لا يمكنك ان تكرهي احدا".
ونظرت ساشا الى وجهه الذي كان يلمع تحت ضوء القمر وقالت:
" أنت لا تعرف عني شيئا على الإطلاق".
" ولكنني أشعر أنني أعرفك حق المعرفة".
ثم توقف لحظة قبل أن يقول:
" ولكنك لم تردي على سؤالي ، ألا تعرفين ما يمكن ان يحدث عندما ترتمين في أحضان رجل مستلق فوق سريره ، اجيبي على سؤالي لأنك إذا كنت تجهلين ذلك فيجب ان تعرفي الان قبل ان تجدي نفسك في موقف صعب".
وجذبت ساشا يدها من يد مارك في غضب وهي تقول:
" لست في حاجة لأن اتعلم منك".
فإبتسم مارك وهو يهز كتفيه قائلا:
" حقا؟ في أي حال وعدتك بعدم التعرض لك ، كما ان معك السكين".

... وعاد في المساءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن