Novella18

10 3 9
                                    

قابلهما مباشرة بابٌ ذو مقابضٍ ذهبية، على صفحته العريضة تنساب نقوش ذهبية متشكلةً كأوراق شجرِ الساكورا؛ طرقت تايلين الباب بخفة من باب الأدب، ليفتح لهما الباب الحارسان اللذان يقفان في الداخل؛ أهذا حقاًّ ميتم؟؟! أين هم الأطفال المشردون و الجوعى الموزعون بقرف على جانبي الممر المهترئ؟ و أين هي النوافذ المحطمة؟ بل أين هو الميتم تحديداً؟، أنا شخصياً أعتبر هذا جنةً و ليس ميتماً؛ سألتها باستغراب شديد يتوزع بمهارة على تقاسيم وجهها و نبرة صوتها "تايلين، هل هذا هو الميتم حقاًّ؟"، لتجيب عليها تايلين "أجل، هو كذلك؛ أعتقد أنه يحتاج إلى بعض الإصلاحات، أليس هذا ما ستقولينه؟" لمحت تايلين على وجه التي تحادثها تفاصيل الدهشة، فقهقهت قليلاً، لترد إيما "لا بالطبع، كيف له أن يكون أكثر سلامةً من الذي هو عليه؟! القصور في كوزاي تفتح فمها دهشةً من جمال المياتم هنا، أنتم حقاًّ تعيشون في نعيم "لترد عليها تايلين بتفهم" هل تجولتِ في القصر؟" ردت الأخرى بـ "لا" فأردفت تايلين "إذاً عليكِ ذلك، فقد فاتك العجب العجاب"، بعد أن قالت كلمتها أسرعت بالإنفلات من قبضة الأخرى، وركضت ترمي نفسها في حضن أحد الحضور، الذي و من الواضح أنه رجل، ليس كبيراً في السن و لا صغيراً، يبدو أن عمره يقارب عمر تايلور، لترتسم على وجهه ابتسامة و هو يرى صغيرته تُلْقِي بأعباء نفسها عليه، و تغوص في ثنايا راحته، لمع فوقهم ضوء أبيض و بعده ضوء ذهبي، تزامناً مع طبعه لقبلة خفيفة على وجنتها لتشتعل احمراراً، خاصةً بعد أن لاحظت أن الجميع يراقبهما، فزاد خفرها1، و زاد أيضاً اختباؤها في حضنه، كأنما تهرب من نظراته ونظراتهم فتؤول إلى صدره.
فوجٌ كبير من الحضور، متجمهرون في منتصف القاعة الكبرى، في إحدى الجهات طاولة تجمع عليها ما لذ و طاب من الطعام، يقف عليها جمع من الناس، مقابلاً لهم يقف رجلان يوزعان الطعام على بقيةِ الحضور، جذبت كرسياً و اتجهت نحو تلك الطاولة، هذه المرة لم و لن تأبه لأحد، منذ متى و هي تكترث لأحدٍ أصلاً.
وضعته في مكانٍ قريبٍ من الطاولة، مجتازةً أنظار الجميع، بحيث أنها تراهم جيداً و هم لا يقدرون، تستشيط غيظاً من تايلين التي جلبتها إلى هنا و تركتها لوحدها، من أكثر الأشياء التي تثير غضبها، و لتحل عليكِ الرحمة يا تايلين، إن خرجت من بين يديها حية.
سألت الواقفين وراء الطاولة عن أصناف الطعام، الذي يبدو شكله غريباً، بقولها "مرحباً"، يتهامسان فيما بينهما حتى لاحظا وجودها، فردا باحترام بنفس الوقت "مرحباً بوصولكِ سيدتي، أسعدنا حضورك، لقد شرفتينا"، لترد هي و البسمة تكتسحها "الشرف لي، واو رائع يبدو أنكما توأمان" بانحناءة بسيطة، يرفع كلٌّ منهما قبعة الآخر، يقولان معاً "أجل، فنحن كما ترين، توأمان" قهقهت بخفة و أردفت "ماذا تقترحان علي أن أتناول؟"؛ لمعت ابتسامة شفافة على وجه كليهما معاً، ليبدآ بتعداد كل كل ما يعرفانه، و الموجود أمامهما بالطبع.
بدأت الألوان تبهت أمام ناظريها، و المكان يدور حولها، أمسكت رأسها تمنع نفسها من السقوط، اقترب منها أحد التوأمين يطمئن ما إذا كانت بخير أم لا، تطمئنه برفق، تحاول تفادي يديه التي امتدت للإمساك بها ساعةَ كادت تسقط، فهي بالطبع تتجنبه و تتجنب الرجال أجمعين، الأمر أصبح لديها كالفوبيا، إن اقترب منها رجل أو لمسها بغير قصد و هي بكل قواها العقلية و الجسدية، ستصرخ بهستيريا.
اقتربت من الكرسي بترنح و ارتجاف متتابع لرجليها، ألقت بنفسها عليه، تحاول استرداد  أنفاسها، بشهيق و زفير، اضمحل النظر لبؤبؤي عينيها، تحول لون شفتيها للأزرق، يداها تضطربان بشدة و قوة، أغمضت عينيها بهدوء، تسمع نفس صوت ذاك الرجل ممزوجاً بعذوبة مع صوت أحد التوأم، يطمئن عليها مجدداً؛ لتبدأ موجات صداع قوية تكتسح ما بعقلها، فتغفو؛ لقد فقدت الوعي.
'إيمانوكو، هيا استيقظي عزيزتي 'فلتستيقظي صغيرتي 'صوتا رجل و امرأة رَنَّا داخل رأسها، رأت نفسها في مكانٍ غريب، مسودٍّ به بعض الإحمرار الداكن المتناثر بغزارة، لا تشبيه له، كالجحيم.
لمحت أمامها تشكل بعض الضباب الأسود، ليظهر لها ظل، تقريباً نفس الظل الذي ظهر في الغابة؛ جالساً على ما يبدو كأنه عرش، مرفوع مقدار متر و نصف المتر عن الأرض؛ مبتسماً واضعاً يده تحت ذقنه بكبرياء، بدأ يحادثها، يتصنع البراءة "أوه، لقد وصلتِ جميلتي" عقدت هي حاجبيها بريبة، فيرد هو على ريبتها "لا تعقدي حاجبيك هكذا، ألا تذكرينني؟"، تنهد برفق بعد أن قابلته موجة عاتية من برودها و صمتها، فيردف "أولاً و قبل أن تردي، لا يعجبني ما ترتدين" ليفرقع أصابعه فيتشكل حولها ضباب خفيف أسود، و يتغير ما كانت ترتديه إلى فستان طويلٍ أسود ينحني أسفل قدميها بخضوع ينحدر من ترقوتيها إلى مايقارب فتحة الصدر و يتجنبها، كأنها عروس إلى الجحيم، ثم فرقع أصابعه مجدداً ليتحول شعرها من النحاسي إلى الأسود المفحم، لكنه ازداد طولاً.
وسط شهقاتها المتتالية تفاجأً، برمشة عين انتقل واقفاً أمامها مباشرةً، اتكأ أصبعه على شفتيها، مانعاً
إياها من التحدث، لتمسك هي يده بعنف و تبعدها بحنق،؛ لتتسع ابتسامته، تبين ما معناه التحدي؛ ليزداد وجهه اقتراباً منها، و هي تدفعه و تعود بخطواتها للخلف تتجنبه، ليحاصرها من الخلف بصنوان2 خرج من العدم، تزامناً مع هذا، استفاقت جالسةً في سريرها؛ نظرت على يسارها، و إذ بها تايلين  على الكرسي مسندة رأسها على فراش السرير، تسدل جفنيها بخفوت على عينيها الناعستين؛ مقابلاً لها، تايلور واقف في الشرفة معطياً ظهره لها؛ أنذر الهاتف الذي بجانبها عن وجود إشعار برسالة تقول "لقد كدت أن أقبلك، لكن لا تنكري، لقد كنت فاتنة في ذاك الثوب؛ أميرتي"، أغلقت الهاتف بتقزز و أعادته على الطاولة قربها؛ لما لم تلقِ بذاك الهاتف اللعين، فهي لم تحصد من وراءه سوى الصداع، و معرفة أن هناك من يراقب أدق تفاصيلك، و أنت لا تراه.
التفت تايلور نحوها ما إن أحس بأنها استيقظت، اجتذب قميصه بهدوء من على كتف الكنبة، و حمل تايلين على ذراعيه، و خرج بدون أن يتفوه بكلمة.
أزاحت الأغطية برفق متجهةً صوب الحمام (أكرمكم الله)
.    .    .    .    .    .
بعد أن خرجت مبللة الشعر ، جلست أمام المرآة لتسريح شعرها، و بالطبع ما رأته و سمعته لم يفارق ذهنها و لو للحظة؛ لمحت أن أطراف شعرها و بعض الخصل لونها أسود، و كما جرت العادة الهاتف لم بتوقف عن إصدار أصوات الإشعارات، تجاهلته متخذةً طريقاً إلى تايلين و تايلور أو أي شخص يخبرها مالذي حدث لشعرها اللعين.
الآن 2:38Am
هي وحدها تتجول وسط ذاك القصر الكبير المظلم أغلبه، عدا بعض المصابيح الشاردة هنا و هناك.
رأت هالةَ أحدهم، كأنها سيدة عجوز معطيةً بظهرها للواقفة بحيرة، لتقترب منها فتضع يدها على كتفها تحاول التحدث معها، التفتت لها الأخرى بروية، و ابتسمت، كانت جميلة، حتى بعد أن قضى الدهر الغادر على أغلب تفاصيل جمالها إلا أنها لا زالت جميلة، تتزين فوق خديها عينان كعيني تايلين تماماً، و شعرها المموج و القصير المنسدل على كتفيها باحترافية، لونه مطابق لشعر تايلور، بقامتها الهزيلة قليلاً؛ وضعت يدها على كتف إيما، و قالت "أنتِ فاتنةٌ حقاًّ كما قيل لي، أرجوكِ لا تدعيه يحزن" أتمت كلامها بنبرة ترجٍّ، من ثَمَّ اختفت؛ بقيت إيما واجمةً مما قالته العجوز، لتجد أنها قد عادت لكوزاي هي الأخرى.
حسناً، هذه المرة قد عادت لمكان تفرقه عن ما خلق الله في السماوات و الأرض؛ جالسةً على سريرها، تنظر نحو أشعة الشمس المتناثرة بعفوية على جدران غرفتها معلنةً بأنه قد آن أوان اختباءها خلف فوج السحب الكثيفة.
______________________________________
1الخفر :بمعنى الحياء و الخجل.
2صنوان :حجر أملس صلب.
-------
يتبع....

Quiet noiseOnde histórias criam vida. Descubra agora