22

53 5 0
                                    

                                *****
كنت قلقة كثيراً بشأن لانا؛ فهي لا تزال طفلة لم تعرف للسعادة عنوان, كان سؤال واحد يدور في رأسي, هل يُعقل أن تكون نهايتي كنهايتها؟ أشعر وكأنني أعيش كل شيءٍ من البداية, يا رب ألطف بي.
تناولنا طعام الغداء ونظفنا الأطباق, ثم صعدنا إلى غرفة سلمى.
-"بتونيا: سلمى, ماذا سترتدين في حفل زفاف وسيم؟"
-"سلمى: هل تُمازحيني؟ لا يزال الوقت باكراً لهذا, ثم لا أعتقد أن تستمر خطوبتهما, لا تخافي"
-"بتونيا: ولِمَ لأخاف؟ ما علاقتي بزواجه من رزان الشمطاء؟"
-"سلمى: أنتِ مجنونة يا باتي, أشعر أنكِ ستقتلينها قبل أن يُقام حفل زفافهما"
-"بتونيا: أيتها الحمارة, هل تحاولين استفزازي؟ ثم لا تقلقي لقد بقي كل شيء بالماضي "
-"سلمى: في الأسبوع القادم ستأتي جدتك ومنى, كيف استعدادك للقائهما؟"
-"بتونيا: متحمسة كثيراً, عندما تحدثت مع جدتي قبل يومين أخبرتني أن عمتي منى تسأل عن أحوالي, وتحاول الاطمئنان عني "
-"سلمى: وهل صدقتها؟ ربما تحاول جدتك تلطيف الجو بينكما "
-"بتونيا: دعيني أحلم قليلاً يا سلمى, أتمنى أن نعيش سوياً في منزل أبي, أتمنى أن أعود إلى غرفتي, أريد أن أتنفس قليلاً في غرفة والداي, اشتقت لهما كثيراً يا سلمى, أشعر وكأن جناحي قد كسر, كيف سأعيش الآن؟ لقد تركني الجميع يا سلمى, أشعر أنني أصارع الحياة لوحدي"
نهضت سلمى عن سريرها وأتت لتجلس أمامي, ثم مسحت العبرات العالقة على وجنتاي, وقالت:
-"سلمى: لو أنك تُخبريني بما حصل يا باتي؟  لو أعلم سبب طلبك الطلاق من وسيم وأنت تعرفين أنه يموت من أجلك إذا أردتِ "
-"بتونيا: كيف أوصلتي الموضوع إلى وسيم يا سلمى؟ بالله عليكِ انسي ما حصل, لأنسى أنا وأبدأ حياة جديدة, هل سمعت ما قاله وسيم؟ أتمنى أن يصدق, أريد أن أخرج من هذه القصة بشكل تام"
-"بتونيا: وهل تظنين أن عدم رؤيتك لوسيم سينسيك إياه؟ لقد فات الأوان يا عزيزتي"
قاطع حديثنا صوت وسيم الذي يصدح باسمي, ارتديت ملابس الصلاة ونزلت السلالم بخوف, ولحقت سلمى بي.
-"سلمى: ما الّذي حصل يا وسيم؟ لما كل هذا الصراخ؟"
-"زيد: زغردي يا سلمى, وجدنا عائلة بتونيا"
ماذا؟! عائلة من؟! وهل أنا لدي عائلة؟ كيف ذلك؟ لم أعد أرى أمامي, أُسدلت الستائر على عيناي, وسقطت أرضاً, ماذا يحصل؟ عائلة مرةً واحدة.
-"وسيم: هل أنتِ بخير يا عقلة الإصبع؟"
كانت سلمى تجلس على الأرض بقربي, ووسيم يقف أمامي, كُسِر عُنقي وأنا أنظر للأعلى ولم أصل بعد لوجهه, قلت بلسانٍ ثقيل:
"هل تُمازحانني يا وسيم؟ أرجوكما قلبي لن يحتمل "
ثنى ركبتيه؛ ليُصبح أمامي, ثم قال :
"أعرف أن هذا صعبٌ عليك, لكن من حقك أن تعرفي, عندما سافرت قبل أسبوعين التقيت بالسيدة التي اختطفتك من العربة "
لم أدعه يكمل, صرخت:
" أنت تكذب, لماذا تُخبرني بهذا الآن؟ لِمَ لَمْ تخبرني عند عودتك؟ لماذا تلعبون بأعصابي؟"
احتضنتني سلمى تحاول أن تهدأ من روعي, كنت أرتجف, قلبي ينبض ببطء, لا أستطيع التقاط نفسي, حتى شفتاي ترتعشان, ما الذي يحصل لي؟ انتظرت هذا الخبر طويلاً لِمَ لا أستطيع التصديق الآن؟
-"وسيم: أنا أسف لأن زيد أخبركِ بهذه الطريقة, لكنني سأشرح لكِ الآن ما حدث معنا"
بدأ يقص علي ما جرى في سفره, وهل ما فعلته حنان يعقل؟ لقد سرقت حياتي, دمرتني, لن أسامحها أبداً, هل أنا الآن فرد من أفراد عائلة كاملة؟ أريد أن أبكي يا رفاق لكنني لا أستطيع, تجمدت الدموع في محاجري, لا أستطيع, عدت وركزت ناظراي على وجه وسيم, وقلت:
"أين وجدت سارة؟ وأين تُقيم عائلتي الآن؟ هل سأذهب لأخبرهم أنني لا زلت هنا في نفس المدينة وتحت نفس السماء؟ ماذا سأفعل يا وسيم دلَّني؟ لقد احتار دليلي, وجفت روحي, هل حقاً سأنام من جديد دون أن أشعر بالخوف؟"
-"وسيم: لو سمحتِ اهدئي واطمأني, وجدت سارة في الجامعة, ولحقت بها إلى منزلها, ثم سألت البقال عن عائلتك: فأخبرني أن والديكِ أحياء, وأن سارة ستصبح طبيبة, وأخوكِ الأصغر منها يدرس محاماة, لقد أثنى كثيراً على الجميع, ثم أخبرني أنهم لا يزالوا عالقين في الماضي, ولم يستطيعوا تخطي فكرة غيابك عنهم, لا تقلقي, بعد الآن ستنامين قريرة العين, مرتاحة الفؤاد يا باتي"
-"بتونيا: كيف سأوفيك حقك يا وسيم؟ كيف سأرد لك جميلك علي؟ لم أفكر في البحث عن أمي. ظننت أنها أخطأت وتريد أن تنسى خطأها, لم أعلم أن حكايتي ستكون مختلفة هكذا, نعم, حلمت كثيراً أن أعيش في عائلةٍ كاملة متكاملة, لكنني لم أعرف أن الأحلام ربما تتحقق في يومٍ من الأيام, لن أنسى فعلتك هذه أبداً يا وسيم"
-"رنا: أنتِ تستحقين هذا يا باتي, لقد صبرتِ كثيراً, وكافحتِ كل الظروف الصعبة, تستحقين الفرح "
-"سلمى: أختي الغالية, لقد نجوتِ وأخيراً"
عانقتني وبكت, وأنا بكيت, لكن هذه المرة كانت دموعي سعيدة. يا الله لك الحمد, يا الله لك الحمد.
-"بتونيا: هلَّا أخذتني إليهم الآن يا وسيم؟"
-"وسيم: لا يا باتي, دعينا ننتظر للغد, هذا أفضل, على الأقل ستجدين كافة أفراد العائلة. "
اقتنعت بكلامه ثم نهضت وعدت إلى غرفة سلمى؛ لأُصلي ركعتي شكر لله, لا أصدق ما حصل معي, وكأنني في حلمٍ طويل وجميل, كيف سيعرفونني؟ هل أُشبه والدي أم والدتي؟ هل سيتقبلني اخوتي بعد كل هذه السنين؟ أشعر أن باب الفرج فُتِح لي بعد سنوات طويلة من التعب.
لم أنم طوال الليل, لقد جلسنا أنا وسلمى والخالة رنا نتحدث بحماس عن الغد, وعن ردة فعل عائلتي.
-"سلمى: كنت أتمنى أن أطيل السهر معكما, لكنني لا أستطيع فتح جفناي, تُصبحان على خير"
-"رنا: اذهبي وارتاحي, سنكمل السهرة لوحدنا"
صعدت سلمى إلى غرفتها وهي تترنح, أما أنا فالتقطت كوب الشاي ورفعته نحو فمي؛ لأشرب لكنني شربته من أنفي, كنت شاردةً كثيراً, ولم أشعر بالشاي يبلل ثيابي حتى حرَّكَت ذراعي الخالة رنا.
-"بتونيا: أنا آسفة, لم أنتبه"
-"رنا: لا عليك, أعذر لهفتك وتشوش أفكارك, لا تقلقي سيكون كل شيءٍ على ما يرام, سنكون إلى جانبك أنا ووسيم وسلمى, لن نتركك لوحدك في هذا اللقاء"
-"بتونيا: لا أعرف كيف سأشكركم؟ لقد ساندتموني جميعاً, لم أكن أعلم ماذا سأفعل من دون مساعدتكم لي؟"
-"رنا: أنا لم أفعل شيء أستحق الشكر من أجله, أنا وقفت ضدك عوضاً عن الدفاع عنك, أعلم أنني أخطأت, لكنني خفت من مجتمعنا الظالم, سأخبرك بسر وأتمنى أن يبقى بيننا يا باتي "
-"بتونيا: أنا أسمعك يا خالة, قولي.. سرُك بأمان عندي"
-"رنا: أنا لقيطة يا باتي, ولا أحد يعلم سوى أبي وأمي المتوفيان, وأختي مجد وزوجي رحمه الله وعائلته "
-"بتونيا: ماذا؟! ولما أخفيتي الأمر عن أبنائك؟ من حقهما أن يعرفان"
-"رنا: أخاف كثيراً من تغيرهم علي, وعدم تقبلهم لي, عندما علمت بالأمر كنت بعمرك, غضبت وهجت ثم خرجت إلى الشارع, لا أدري إلى أين سأذهب؟ ثم قررت الذهاب إلى إحدى زميلاتي في المدرسة, وبقيت عندها يومين, وعندما عَلِمَت بقصتي اعتذرت مني وطردتني, وأخبرت جميع من في المدرسة بقصتي.
وجدني أبي على حافة إحدى الطرق القريبة من منزله و أعادني إليهم كانت نظرة الجميع لي مقرفة و مخيفه و كلماتهم جارحه صحيح أن عائلتي احتوتني لكنني بقيت ناقصة طوال عمري يا باتي لهذا خفت من ارتباطك بوسيم لا اعلم ماذا حدث لي؟ انتقمت من الضحية التي تشبهني ,أنا وجدت من يحتضنني عائلتي البديلة كانت حنونة جدا و لم اشعر يوماً أنني انتمي لغير عائلتي أما أنت يا باتي فتعذبتِ كثيرا وأنا الآن سعيدة جداً من أجلك كانت أمنيتي أن أجد عائلتي لكن الأمر صعب وجدوني أمام بيتهم من دون ملابس ولا حتى أثر "
ثم انهارت من البكاء, أشعر بقلبي يعتصر ألماً على حالها, صحيح أنها ضرتني وأبعدتني عن وسيم, لكنني لا أكرهها, أعلم أن هذا مُقدر لي, ويجب أن أعيشه, هي كانت مجرد سبب لفراقنا.
أردفت بصوتٍ مخنوق, لا يكاد يخرج:
"أنا آسفة يا بتونيا, أعتذر منك, لقد دمرت حياتك و حياة وسيم, لكن أعدك سأخبره بكل شيء, أنا السبب ويجب أن يعلم"
اقتربت منها وعانقتها, ثم انهرت من البكاء على حالها.
-"بتونيا: أرجوك لا تخبريه, لا أريد أن يكسر خاطر رزان كما حدث معي, لقد سامحتك, والله يعلم بحسن نيتي, لو سمحت لا تخبريه"
-"رنا: لقد تعبت كثيراً من حمل الأسرار المؤلمة يا باتي, لن أستطيع, أترين حالتي الآن؟ هذا لأنني لم أواجه نفسي بحقيقتي؛ لأنني حاسبت نفسي دوماً على خطأ والداي, تعذبت كثيراً عندما تزوجت من زوجي, رفضتني عائلته كثيراً, لقد عايشنا الكثير, ثم تزوجني بدون موافقتهم, لكنني عشت سعيدة معه, خرجت إلى مُجتمع لا يعرفني به أحد, ومع ذلك كنت سعيدة, لا أستطيع أن أحرمك من هذه السعادة مع وسيم يا باتي, أعلم أنك تحبينه كثيراً, وهو أيضاً يبادلك ذات الشعور.
لقد استغربت مما فعله؛ ليجد عائلتك, أثبت لي أنه يعشقك لدرجة أن يسافر للبحث عن عائلتك, لينتشلك مما أنت فيه, لن أخفي عنه أكثر, سأخبره, أريد أن أرتاح يا باتي"
-"بتونيا: كما تريدين, لكن ليس الآن, أرجوك لنتركها لفترة على الأقل "
أخذتني لحضنها, وبكينا كثيراً, وكأننا فرَّغنا كل الجراح التي عايشناها في بيرٍ واحد.

بتونيا زهرة المجرة 🌸 Where stories live. Discover now