الصفحات البيضاء

425 34 43
                                    

هذه مقالة قديمة كتبتها منذ ٤٨٣ يومًا، ونشرتها في مدوّنة، ثم قررت وضعها هنا كي أطالها، أنا ومن يرغب.

تنبيه: هذه المقالة تحتوي على «حرق» ضروري للروايات أدناه:

• بارتلبي النسّاخ–هرمان ملڤل.
• قلب ضعيف–دوستويفسكي.
• زوربا اليوناني–نيكوس كازانتزاكي.
• المسخ–فرانز كافكا.

لن يتأثر فهمك إن لم تقرأها، ولكن يُنصح بقراءتها أوّلًا لدواعي ما يسميه رولان بارت بـلذة النص.
قراءة ماتعة ♡.

__

في فهرس الحزن، موضوع الموت يتصدّر. وفيما كانت الروايات في مختلف العصور تحاول توصيل العالم الخارجي إلى عالمنا الداخلي، فقد أخذ الأدب يطوف فوق الجثث، كما يطوف هذا العالم الذي نعرفه.

من شكسبير إلى هوغو، ومن ساراماغو إلى تولتسوي وغوته، ومن غابرييل غارسيا ماركيز حتى كاواباتا وصولًا إلى رضوى عاشور. أدباءٌ عظماء جرّبوا الكتابة عن الموت. ربما لا نزال نذكر من وقت إلى آخر في حزن صامت، كيف كان لنا أن نراقب موتًا حقيقيًا يكتبون عنه، لشخصيةٍ عشنا معها.

يجيبُ أمبرتو إيكو عن سؤالٍ طرحه في كتابه تأملات في السرد الروائي: «كيف نحدد الموضوعات الأكثر إثارة للحزن في تصوّر العقل الكوني للبشرية؟ -الموت، سيكون هو الجواب بدون منازع».

فالموت هو اللغة المشتركة للحزن منذ العالم القديم، في مختلف الحضارات التاريخية. إنها الحتمية التي لا مناص منها، والتي دفعت الإنسان لنصب آلهة له، فهو أنوبيس عند الفراعنة، وسانتا مويرتيه في المكسيك، وتوني في الميثولوجيا الفنلندية، والزاوية التي تنجز منها فلسفات عدة.

سبق لأبيقورس بفلسفته المادية، في القرن الرابع قبل الميلاد، أن فكّر على نحوٍ يحاول فيه إثبات أن الموت عبارة عن لا شيء: «الموت لا شيء بالنسبة إلى الإنسان الحي، بما أنه على قيد الحياة، والموت لا شيء بالنسبة إلى الميت، بما أنه لم يعد يعرف عنه شيئًا».

هذه الرؤية من جانب ما تبدو ذات منطق، لكن لويس ألتوسّير يستنكر هذا التعبير، ويصفه بالخاطئ، بصيغة واقعية «ذلك خطأ في الكلام على الألم الذي يسبق كلّ هذه الميتات، وخطأ بالنسبة إلى الباقين على قيد الحياة، الذين يتلقّون من الموت الدرس الخالد حول محدوديّة الحياة الإنسانية، ويرون مسبّقًا في الموت المصير الذي ينتظرهم حتمًا: درس الخوف».

الخوف من أبدية الفناء يفسّر، تاريخيًا، محاولات الأدب لتدوين ذاكرة لا يصادرها الموت، مع أن الكتابة كانت تذكيرًا دائمًا بهذه النهاية القصوى، إلا أنها كانت أيضًا محاولة أخرى للإنسان لتحقيق شكل من أشكال الخلود، وكما الإنسان مدفوع بأسباب منطقية لها نتائج، فإنه يميل إلى الاعتقاد بضرورة أن يكون هناك معنًى ما للأشياء، في جوهرها، قابع في الظلمة، وينتظر منا أن نكتشفه.

الصفحات البيضاء: الحزن الخالص للموت في الأدبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن