يجب أن ترحلي

81 17 0
                                    


الحلقة 13

عنوان الحلقة / يجب أن ترحلي!

دخل طاهر غرفة جنات كالمجنون، اتجه إلى خزانة ملابسها وصار يبعثر الملابس هنا وهناك وهو يصرخ بلا وعي :
- يجب أن ترحلي! لا يوجد هناك ما يدعوكِ للبقاء بعد اليوم!
كانت تنظر جنات إليه بدهشة، لأول مرة يدخل الغرفة من غير أن يطرق الباب!
سألته وهي لا تعرف ما الذي يجري :
- ولكن لماذا تريدني أن أرحل؟ هل جننت يا طاهر!
- لا لست مجنوناً بل أنا بكامل قواي العقلية لكني مريض يا جنات.. مريض، هل تعين هذا؟!
جلس على ركبتيه وصار ينحب كالثكلى :
- لقد تأكدت الآن من نتائج التحليل.. إنني مصاب بمرض الإيدز!
صرخت جنات وهي تقول :
- ماذا؟ الإيدز!
- نعم.. مرض العوز المناعي الذي ليس له علاج إلا الموت!
ركضت وأقفلت الباب وجلست أمامه وهي تبعد يديه عن وجهه وتقول :
- ولكن ما الذي تتفوه به؟ ارجوك إهدأ يا طاهر وأخبرني ما الذي حدث؟
نظر إليها بعينين محمرتين.. تكلم اخيرًا :
- اتصل بي أصحابي قبل يومين وأخبروني بإن أحد مجموعتنا مصاب بهذا المرض، ولأننا كنا نستخدم نفس الحقنة عند أخذنا للمخدرات فهناك احتمال أن نكون مصابين نحن أيضًا بهذا المرض!
لهذا السبب تركت المنزل وخرجت لكني لم أشأ أن أخبرك في حينها وقلت لكِ بأني ذهبت لرؤية أصحابي، هل تذكرين؟ وهل تذكرين عندما أخبرتك بأني أمر بحالة صعبة كما انني عاهدت الله أن..
قاطعته جنات :
- هل هو هذا الأمر الذي كنت تدعو الله أن ينقذك منه؟!
- نعم.. كنت أخشى أن أكون قد أصبت بالمرض، وها أنا الآن استلم نتيجة التحليل!
- لكنك لم تخرج من المنزل؟ كيف عرفت النتيجة؟
- لقد جاء أحد أصدقائي بنتيجة التحليل، أخرجها من جيبه وهو يقول :
- هذه هي، انظري هذا اسمي وهذه النتيجة!
لم تصدق جنات بكل هذا، شعرت بأن الأرض بدأت تدور بها، سقطت مغشيًا عليها ولم تفتح عينيها إلا وهي في المشفى!
أدارت وجهها في أرجاء تلك الغرفة، فوجدت طاهر يجلس قرب رأسها وقد غسلت الدموع وجهه، أما عمها إحسان فكان يتكلم مع الطبيب حول إمكانية إخراجها من المشفى، وافق الطبيب وقام طاهر ليساعدها على النهوض بعد أن لملم أغراضها استعدادًا للخروج..
وفي السيارة كان إحسان يقود السيارة بينما جلس طاهر مع خطيبته في الخلف وهي تضع رأسها على كتفه والدموع تملأ مقلتيها، نظر إليهما إحسان عبر المرآة الأمامية وهو يقول :
- سأتصل اليوم ببهاء، يجب أن يأتي لينهي هذه المسألة! رفعت جنات رأسها عن كتف طاهر وهي تقول :
- أي مسألة يا عم؟
قال وهو ينظر إليهما بحدة في تلك المرآة :
- اتتوقعان أنني لم أعلم بالأمر؟ لقد سمعت صراخ طاهر اليوم صباحًا وصعدت إلى غرفتك.. وقفت عند الباب وسمعت كل شيء!
نزلت دموعه وهو يتكلم بصعوبة :
- إنها عقوبة من الله لي على كل تقصيري تجاه ولدي الوحيد!
كان طاهر يستمع ودموعه هو الآخر تنزل من غير إرادته، أما جنات فقالت بصوت حزين :
- لن أصدق كل هذا.. طاهر سليم وهناك اشتباه بالموضوع ليس إلا!
وصل الثلاثة إلى المنزل، ساعد طاهر خطيبته في الصعود إلى غرفتها وهناك دار هذا الحديث بينهما :
- كنت أتأمل أن أكون مصدرًا لسعادتكِ يا حبيبتي، لكن القدر شاء غير ذلك!
وما أن أكمل طاهر عبارته تلك حتى تذكرت جنات تلك الرؤيا!
قالت وهي تمسك بيد طاهر وتمنعه من الذهاب :
- إجلس أرجوك.. أريد أن أخبرك بشيء تذكرته الآن!
جلس طاهر بجانبها وهو يقول بكل برود :
- خير إن شاء الله
- قبل أن تخطبني بليلة واحدة رأيت نفسي وكأني أريد أن أصعد مع شخص في سيارته وجأتَ أنت وسحبتني من يدي لتأخذني بعيدًا وأنت تقول : شاء القدر أن تكوني لي! نعم هذا ما قلته.. القدر! هذه الكلمة التي تستخدمها أنت كثيرًا ولم أكن أنا أعلم بذلك حينما رأيت تلك الرؤيا! وهذا دليل على أن تلك الرؤيا صادقة، والدليل الآخر على صدقها مجيئك أنت وعمي في الليلة التالية لخطبتي!
قال طاهر وهو ينظر إليها بحدة :
- ومن ذلك الشخص صاحب السيارة؟
تلعثمت جنات قليلًا ولم تحر جوابًا، أعاد عليها السؤال بصوت متقطع!
قالت بعد تفكير قليل :
- إنه ابن صديقة والدتي، كان المفروض أن يعلن والدي موافقته عليه لكن مجيئك أنت في نفس ذلك اليوم حال دون ذلك!
- وهل يعني هذا إنه خطبكِ قبلي؟
- نعم!
شعر طاهر بأن الدم صار يغلي في عروقه وهو يسأل :
- هل.. هل كان هناك شيء بينكما؟
- لا.. لا.. صدقني!
- حسنًا اصدقك.. والآن؟
- الآن ماذا؟
- أقصد إن جاء عمي بهاء وأصرَّ على الانفصال ثم اخذكِ معه وعدتِ إلى أرض الوطن فهل ستقبلين بنفس ذلك الشاب؟
- ولكن ما الذي تقوله أنت يا طاهر! ومن قال لك بأني سأعود إلى أرض الوطن!؟
- ألم تسمعي كلام والدي، سيتصل بأبيكِ ليخبره بكل شيء!
قامت جنات من مكانها بسرعة وهي تصرخ :
- لا! لن اسمح بذلك!
نزلت تركض نحو غرفة عمها فوجدته يجلس على سجادة صلاته وقد بللت الدموع وجهه!
انحنت على يديه تقبلها وهي تتوسل إليه بالقول:
- عمي أرجوك .. لا تخبر والدي بما جرى، سوف لن يبقيني هنا ولا ليوم واحد!
رفع إحسان رأسها بهدوء وهو يقول :- لا تتوسلي يا ابنتي، لقد اتصلت وأخبرته بكل شيء، سيكون غدًا أو بعد غد عندنا!
صارت جنات تبكي وتلطم على وجهها وهي تردد :
- من قال لكم بأني اريد الرحيل؟ لماذا لا تفهمني ارجوك، عمي أعد الاتصال الآن، أخبره إنك كنت واهمًا، أخبره أن هناك اشتباه بالموضوع.. عمي ارجوك!
دخل طاهر غرفة أبيه ، اتجه نحو جنات محاولاً تهدأتها لكنها كانت في حالة من الانهيار العصبي!
أعادها بصعوبة إلى غرفتها وهناك أخبرته بأنها لن ترحل، قالت وهي تمسك بيده وتتوسل :
- اذهب لإعادة التحليل ارجوك ، صدقني أنا أشعر بأنك سليم وبأن الأمر مجرد اشتباه.. أو قد تكون كذبة من أصدقائك لأنك تركتهم فجأة فأرادوا الانتقام منك!
- ما بكِ يا جنات.. هم أيضًا قد أصيبوا بالمرض، ثم كيف تكون نتيجة التحليل كذبة؟ هل أن الأمر بهذه السهولة التي تتصورينها!
- أنت لم تذهب بنفسك لأخذ النتيجة بل جاء بها أحدهم صحيح؟ قد يكون هذا الشخص مخادعًا وقد..
- وقد ماذا يا حبيبتي؟! لا يوجد أي خطأ في الموضوع ولا اي اشتباه، ذهبت قبل الآن وحللت في أفضل المختبرات، ثم أصدقائي أيضًا اشتبهوا بنتيجتهم؟!
ألم نكن جميعًا نجلس ونحقن أيادينا بنفس الحقنة؟ هذه هي نتيجة أفعالنا السيئة، هذه هي نتيجة ابتعادنا عن ديننا يا جنات.. صدقيني!
لقد قرأت في كتابكِ الذي أعطيتني إياه حكمةً تصف حالتي الآن وهي ( من لم يؤدبه الأبوان أدبه الزمان، ومن لم يؤدبه الزمان أدبه سهمٌ مسموم)..
طأطأ طاهر رأسه أرضًا وقد نزلت دموعه وهو يُكمل :
- وهذا هو السهم المسموم الذي سيجعلني مؤدبًا إلى الأبد!
- وهل يعني هذا بأنني لن أكون لك؟!
- نعم.. فهذا المرض يعني الموت، مناعتي الآن تتجه نحو الصفر ويعني أيضًا أنه أي التهاب وإن كان بسيطًا فسيقضي على حياتي! ثم إن تزوجنا فسينتقل المرض لكِ أنتِ أيضًا، وإن حملتي فسينتقل لإطفالنا!
- لكني في تلك الرؤيا.. سمعت منك عبارة هي عكس ما يحدث الآن! لقد قلت بأن القدر شاء أن تكوني لي! فكيف يحدث هذا وكيف يمكن أن لا أكون لك.. كيف؟
- لا يمكن أن نبني حياتنا على أساس رؤيا.. يا جنات!
صاحت وهي تضرب على وجهها :
- وما الحكمة من وجودي بينكم إذن؟ هل جأت إلى هنا لأحبك وأتعلق بك ثم يأتي أبي ويعيدني إلى أرض الوطن لينتهي كل شيء!
لم يتكلم طاهر بغير لغة الدموع، قالت له وهي تعيد ملابسها إلى الخزانة بعد أن بعثرها صباحًا :
- لن أرحل وسأبقى بجانبك، لا يهمني إن كان هناك زواج أو لا ، المهم أن أكون بقربك وأنت تمر بهذه المحنة.. نعم لن أرحل!
ابتسم طاهر لأول مرة بعد سماعه خبر مرضه، قال وهو يساعدها بجمع أغراضها وأعادت كل شيء كما كان :
- لم أكن أتوقع إنكِ تحبيني إلى هذه الدرجة، أشكر الله على وجودك في حياتي فلولاكِ لكنت الآن قد انتحرت بدل من أن انتظر موتي ببطأ! اعتقد إن هذه هي الحكمة من وجودكِ بقربي الآن! نعم سوف لم يكن أمامي إلا الانتحار والذي سيجعلني أخسر الدنيا والآخرة!
نظرت إليه جنات بحدة وهي تقول بثقة :
- لن تموت.. سيكون الله معك وسأبقى أدعوه سبحانه ليحفظك، اهم شيء أن تكون لك إرادة بقدرة الله تعالى فهو القادر على فعل أي شيء، أوليس هو من يُحيي العظام وهي رميم؟!
أوليس هو من إذا أراد شيئًا إنما يقل له كن فيكون؟! الأمر يحتاج إلى قوة الإيمان واليقين المطلق بالله بالإضافة إلى الدعاء.. نعم الدعاء، ثم صارت تردد بصوتٍ شجي وهي تمسك بيد خطيبها :

‏حتى وإن بَدَت السماءُ بعيدةً
إنّ الذي فوقَ السماءِ قريبُ

فارفع يديْكَ إلى الإلهِ مُناجيًا
إنّ الجروحَ مع الدعاءِ تطيبُ

تسبيحة الزمنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن