بيتٌ لا معالم فيه.

572 40 113
                                    

استمعوا للموسيقا بينما تقرؤون الفصل.
قراءة ماتعة.

التاعت أنفاس الهواء الخريفي في تصادمٍ مهيب ونواحٍ صاخب، حاملةً في عروقها رائحة الموت المتسرّب من التابوت الخشبي المتعلّق على أكتاف السائرين بخطًى حثيثة في مسيرةٍ طافحةٍ بالكَدَر، كانت الرائحة مُشيَّعةً على مواكب ريحٍ لهيفة تهزّ أضلاع الأشجار الكثّ...

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

التاعت أنفاس الهواء الخريفي في تصادمٍ مهيب ونواحٍ صاخب، حاملةً في عروقها رائحة الموت المتسرّب من التابوت الخشبي المتعلّق على أكتاف السائرين بخطًى حثيثة في مسيرةٍ طافحةٍ بالكَدَر، كانت الرائحة مُشيَّعةً على مواكب ريحٍ لهيفة تهزّ أضلاع الأشجار الكثّة المتعانقة من حولهم في غزارةٍ شديدة، بينما احتشدت أقوامٌ غفيرة من السُحب الشاحبة الآيلة للعويل في أي لحظة.

خيّم البهتان على المكان مستمدًا بهتانه من القبور العتيقة التي يفوق عمرها أعمار الحاضرين كلها مجتمعة، كانت المقبرةُ توسوس في الصدور أخيلةً لا تريح الخاطر؛ إذ تبعث في النفس أحاسيس مضطربةً بشعة. مقبرةٌ تقع وسط غابةٍ ينهال عليها اليباس بلا توانٍ، وتمتد بطولها ما يفوق الثلاثين مترًا. هنا، يُقبر كل فردٍ من آل شڤارتساكوبف «schwarzerkopf»، باتت هذه المقبرة منذ ما يرونه بالأزل قابضةً لأجسادهم ومالكةً لها؛ فأينما حلوا، يعودون إليها ويلتحفون ترابها في استمراريةٍ غامضة لا يعلم أسرارها أحد.

كان الجمعُ مغموسٌ بالسواد حدادًا كذوبًا، كانت معالمهم خامدة، وجامدة كالجذوع، لا تحوي أغوار أعينهم أي التماعةِ كمدٍ أو أسًى، كما لو كانت مراسم الجنازة هذه قد أناخت على قلوبهم همًّا بغيضًا والتزامًا ثقيلًا لا مندوحة عنه، إلا ثلاثة أفرادٍ تكوّرت الدنيا في حلوقهم، وتشرّبت السُحُب من دموعهم، وتصادمت في دواخلِهم ضلوعُهم. وأشدّهم وُهنًا كانت ليليث «Lilith»، شابةٌ صغيرةٌ غضّة الجسد تقبع وراء شريطهم المسوَد. تجرجر أذيالها وتسحب قدميها كما لو أنّهما استحالتا خشبًا لشدّ ما ظفِر بها الفتور والضنى، كانت تتأرجح كأن الرياح من ضمور عودها تأخذها جيئةً وذهابًا كورقةٍ خريفية متساقطة، حتى ارتخت وخرّت على ركبتيها. لم يرَها أحد، ولم يسمعَها أحد، ولم تكن في قرارة نفسها تستطيع الجزم ما إذا كان ذلك جيدًا أم لا. شعرت بالإهمال قدر ما شعرت بالراحة لتخلّيها عن ذلك الواجب الثقيل كالمرض، أن تنضم لتلك المسيرة، ولكنها آمنت وأدركت أنّها تتقوّض من الخارج كما صارت رُفاتًا من الداخل، دون علم أحد.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Apr 01, 2022 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

مثوًى لا يلِجه الموت. Where stories live. Discover now