الطرف الأخير

1K 57 15
                                    

تمددت على الفراش محدقة بسقف الغرفة بضيق متذكرة آخر لقاء بينها و بين "عزت " منذ أسبوعين كاملين!
أسبوعين تحولت فيهم لأخرى أخرى أكثر حمقًا و غباءً..
هي التي أشد اشتياق بالنسبة لها الحصول على المرتب الآن تتجرع بسببه لوعة الاشتياق لشيء أكبر..
تزفر بحنق بينما تعاود الجلوس :
"إيه شغل المراهقات ده "
تجذب الهاتف باحثة على صفحته على "فيس بوك " فتجدها مثلما تركتها آخر مرة بلا جديد.. تعاود ضرب رأسها بالوسادة عدة مرات تهتف :
"غبي ،غبي "
تترك الغرفة بسرعة ضاربة الباب خلفها بعنف متجهة ناحية الشرفة و تدمدم بشفتيها بتهكم :
-عامل الصفحة بتاعته للأصدقاء بس مفكر نفسه رئيس المخابرات سي عاطف باشا ده محدش مهتم بيه غيري!
تسري قشعريرة بجسدها بانفعال، تهمس بخفوت مندهشة مما نطقت :
-مهتم؟ أنا فعلًا مهتمة بس..
تصمت عن باقي حديثها بعمد تحرك رأسها يمينًا و يسارًا منفعلة بمشاعرها المتضاربة بصراع لا تفهمه :
-بتعملي إيه في الجو ده في البلكونة؟
تضبط لف الشال على ذراعيها و هي تشعر الآن تحديدًا أنها لا تحتاجه فنيران أفكارها كانت تمنحها دفء خاص :
-بس ماعرفتش أنام قولت أشم هواء.
يجلس والدها مشيرًا لها بالمجيء لتشاركه وتندفع ناحية أحضانه، يهتف :
-عزت كلمني النهاردة طمني عليه
ارتفعت نبضات قلبها بصخب بمجرد ذكر اسمه.. تعنف نفسها بشدة على ذلك متذكرة أنه مازال "عزت " الأحمق !
ترفع بنظرها لوالدها مبتعدة عن أحضانه تتساءل باهتمام:
-ليه عاوزني أتجوز يا بابا؟
-عشان عارف إني مش هاعيشلك على طول، عاوز أطمن عليكِ مع راجل يستحقك، راجل عارف يحطك في عينه و يحفظك!
تدمع عيناها متأثرة بمشاعرها بينما تهتف بانفعال جلي:
-بعد الشر عنك يا بابا، يعني أنت عاوز تجوزني عشان خايف عليَّ؟
يقرص وجنتيها بينما يقترب هامسًا بمكر :
-بصراحة عشان هاتجوز في أوضتك !!!
ابتعدت عن يد والدها تستدعي الصدمة بشهقة مفتعلة :
-عاوز تتجوز ؟
وصوت صراخها يخلق هرج و مرج في المكان والفضيحة التصقت بوالدها :
-يا ماما ، بابا عاوز يتجوز عليكِ!
ليخرج صوت والدتها مشحونًا :
-تتجوز عليَّ؟ يا راجل يا شايب بعد السنين دي كلها؟
-راجل شايب ،طب امشي يا...
تشهق باستنكار :
-قول، قول ما أنت خلاص مش بتفكر غير في الجديدة
لكنه يتجاهل مقتربًا منها يضمها بين ذراعيه هاتفًا :
-يا ست الستات هو أنا ألاقي زيك فين؟ ده أنا مليش غيرك يا أم العيال
غرقت " مرام " في الضحك عليهما من بعدها غادرت ناحية غرفتها تاركة والديها خلفها يغمرون الجو البارد حبًا :
-اتنين ليمون و شجرة هنا لعصافير الحب !
مجرد رؤيتها لفراشها جعلتها تتثاءب راغبة بالنوم.. فاندفعت ناحيته ملقية بالشال على الأرض تردد بأعين مغمضة :
-النوم أحسن منك يا عزت ..

•••••••

ولأنها لعنت "عزت " اليوم بكل قوتها و تناولت عليه السب هي التي كانت ترتدي الأخلاق العالية تنازلت عن ذلك في عاصفة المشاعر المحيطة بها منذ غيابه.
واللعنة على الاصطدام بأحدهم أثناء هروبك فتقع به و إليه بلا هوادة منك!
ارتعدت للخلف بشهقة هلع، هي تجد نفسها محاصرة بين الحائط و سيارة تقطع الطريق عليها، تشتعل عيناها غضبًا:
-أنت يا حيو..
لكن الكلام يقف في حلقها هي تميز "الحيوان " الدائم الظهور في حياتها بسيارته الغبية مثله :
-حلوة المفاجأة؟
-زي الزفت..
يبتلع عصبيتها كأنها شيء غير هام يعود مقتربًا منها بلمح البصر ويهتف مشاكسًا بعبث :
-وحشتك؟
-في أحلامك بس!
ردها السريع بدون تفكير ارتفع له حاجبيه باستنكار :
-مش مهم، المهم أنا أخدتلك أجازة من خالي ها نقضي اليوم كله مع عيلتك..
تعقد ذراعيها أمامها مرددة باستهزاء مقلدة "فيفي عبده":
-لا أسكوزمي بقى، أنتم عاملين مؤامرة عليَّ
مال مقربًا وجهه منها يهمس لعينيها بعشق :
-ما تجربي تقلدي بحبك خمس مواه كده، عشان أقدر أقيم أدائك صح !
ترتفع حرارة وجنتيها بشكل لذيذ لعينيه جعل يزداد غرامًا.. فيبتعد عنها متنهدًا :
-غيرت رأيي أنتِ حلوة من غير حاجة.
"مرام " معها يدرك جيدًا أنه كلما ود النجاة ازداد غرقًا حد انقطاع الأنفاس !!
بدأت بالسير بجواره بعدما تخلى عن السيارة الذي أتي بها لم ترد أن تقطع قدسية اللحظة بينهم، وتدمر اتصاله بخاله و اعتذاره لها عن العمل.
الحب رغم بساطته يجعل شخصًا غريبًا يأخذك كلك و يتركك عاريًا بلا حيلة أمام عاصفته ..
-ليه رجعت قبل الشهر ما يخلص؟
-النهاردة يوم مميز مستحيل يفوت وأنا غايب
تعود بثرثرة سخيفة للغاية :
-ليه النهاردة عيد العمال ولا عيد الشرطة ممكن يكون عيد الأضحى أو الأهم يكون عيد ميلادي !!!
انتهت من جملتها مرددة بذهول كأنها تلقت ضربة على رأسها أعادت لها ذاكرتها الخرقاء :
-النهاردة عيد ميلادي فعلًا..
كأي أنثى تجمع الخطوط، وتدرك التفاصيل الكاملة في الصور المثالية بل أقرب لنفسها أن تكون حمقاء أدركت عشقه تفهم الآن كونه من يرسل لها الزهور على مكتبها في يوم عيد ميلادها تلك التي كانت تلقيها في سلة القمامة مرددة بغلظة :
"الورد ده للبنات المسهوكة، جايب لي ورد يا إبراهيم و أنا ما بحبوش"
ترفع نظرها له بصعوبة قدرت على منع ضحكتها أمامه :
-أنتَ !!!!
قبل أن يستعد للحديث معها أنذرت السماء بهطول الأمطار الغزيرة عليهم، جلجلت ضحكتها مرددة:
-الدينا بتمطر !
-بشرة خير
ازدياد ابتلال ملابسها جعله يمسك بكفيها بين كفيه يهتف بمرح :
-بتعرفي تجري؟
تبدأ بالجري معه وضحكاتهما تشاركهما سعادتهما بالأجواء المحيطة ،سعادة بدأت تتسرب لها شيئًا فشيئًا جعلته يرغب بقدر ما يرى البيت قريبًا يبتعد بها بعيدًا عنهم و يتركهم في جنون اللحظة غارقين حد الثمالة بها..
دخل البناية يقابلها بأنفاس لاهثة و تنهدات متتالية و حالها لم يقل عنه لكن قربه و حرارة أنفاسه منحاها دفئًا ودت لو احتضن العالم كله فيه !
لملمت خصلات شعرها المبتلة على جانب وجهها بارتباك، بصوت وهج بالبراءة :
-ليه شايف إننا مناسبين لبعض؟
بالقدر الذي يجعلها أنثى بكل هذه البساطة في التحول من أفعى تلدغه لفراشة رقيقة و هشة أجاب بيقين:
-لإني في كل لحظة من حياتي متأكد إني عمري ما هاخذلك و هادعمك و هاقدرك، بكل كياني هاكون معاكِ أنتِ بس!
يسكن الكلام للحظات لكن نبض القلب يزداد صخبًا و عنفوانًا :
-لإن مفيش مبررات أو أسباب في العالم كله تكفيكِ بس اللي أعرفه إنه ماينفعش غيرك يا مرام ! مش عاوز غير إني أكون حاضرك و مستقبلك !
بقدر ما تدق طبول الحب بينهم، بقدر كون الاعتراف بالحب مجازفة كبرى تدعوك لمحاربة التيار اعترفت بأحرف عاشقة :
-أنا موافقة أكون خيط و أقول إني مانفعش من غيرك ! أنا بحبك !!
تجذب كفها منه ببعض القسوة بينما تدفعه بيديها بعيدًا و تعاود الجري بخجل على درجات السلم ناحية بيتهم ..
فتح "كريم " الباب تفرغ فاهها بصدمة كبيرة من المكان حولها حيث عدد لا بأس به من البالونات بجانب الكعكة المزينة الموضوعة في منتصف غرفة المعيشة ..
تهمس بحرارة باسمه متأكدة من كونه صاحب الخطة
"عزت "!!
يخفض وجهه بجانب أذنيها مرددًا:
كل سنة و أنتِ طيبة
تتعالى دقات قلبها مندفعة للداخل ناحية والديها محتضنة كلًا منهما بسعادة :
-شكرًا على اليوم الحلو !
تبعدها والدتها عنه بتذمر :
-هدومك كلها مياه، أنتِ مشيتِ في المطر؟
تومئ بإيجاب يتدخل "عزت " هاتفًا بشبه صراخ :
-عمي أنا بطلب منك إيد مرام للمرة المليون؟
ينتقل والدها بصره ببنهم هاتفًا بحزم :
-أنا مش موافق!
يصرخ كل منهما في نفس واحد :
-لأ
تجري "مرام " ناحية والدها متشبثة في قميصه هاتفة بدلال :
-بابا أنا موافقة على عزت بجد المرة دي
يدعي والدها عدم الرضا على الزيجة وبينما يشيح بوجهه بجمود يهتف "كريم " مقاطعًا:
-دلوقتي ها تموتي و تتجوزيه بعد ما كان كلب ولا يسو..
تشهق بخجل واضعة يديها سريعًا على فم "كريم " عيناها تنطق بالشر وتهمس بجوار أذنه برعب :
-أوعى تتكلم بدل ما أقتلك بنفسي!
ترفع بصرها ناحية "عزت " بابتسامة سمجة :
-ماتاخدش على كلامه ده عيل صغير
يردد بتبرم معتاد على طول لسانها :
-عيل بردو ولا أنتِ  اللي لسانك عاوز القطع
تصرخ فيه بشراسة :
-عزت
يعيد لها الصرخة بصراخ أعنف و أقوى :
-مرام
هنا جاء دور والدها صارخًا فيهما معًا بصوت هز أرجاء البيت :
-أنا موافق، موافق خلاص
تعود السعادة و الضحكات على وجه الجميع بينما يحتضن كل من "عزت" و "مرام " والدها بامتنان و تقدير على إنقاذ اللحظة !

•••••••

بعد سنة و نصف ] ]
تمسك بطبق الفشار في يديها مقتربة من جلسته المتحفزة أمام التلفاز جالسة بجواره في جلستهم المميزة بمد ساقيها فوق ساقيه بإغواء حقيقي تغاضى عنه الأن.
تتابع بعينيها بملل المباراة واضعة رأسها بهدوء على كتفه بسؤال مفاجئ:
-حبيبي ،أنا ولا المباراة؟
في قانون الأنثى أنت وقعت في فخ ، والإجابة قد تودي بك إلى نائم على الأريكة ومطرود بجدارة من غرفة النوم، لم تحد عينه عن التلفاز أمامه ،هو يجيب بثقة :
-أنتِ يا حياتي
تمد يديها لتلفها حول عنقه بدلال أنثوي :
-أقفل التليفزيون ..
يلتقط بعبث حبات الفشار من الطبق وعينه معلقة بالمباراة أمامه بحماس :
-أما المباراة تخلص
بدون مقدمات أو حركات أكشن للقادم كان صراخها يصم أذنه :
-أنتَ ماعدتش بتحبني؟
هو في لحظة درامية بحته ،عليه مراعاة تقلبات مزاجها "الزفت" في الأيام الأخيرة بسبب الحمل ..حيث قام بمجهود جبار لا داعي لذكره للحصول على طفل يعود مقبلًا جبينها بحنان هامسًا بخبث :
-عشان بعشقك دلوقتي
تعود الابتسامة على وجهها أشبه بطفلة تلقت ثوب عيد جديد ، الوضع يعود كما السابق في إسناد رأسها على كتفه مرددة بهيام كلمته المفضلة و لحن حبهم الخاص :
-أنا الخيط ..وأنتَ
لم تكد تكمل جملتها حتى أسرها بين عينيه يكمل بهمس عاشق لم يفقد الأمل يومًا حتى صار يقينًا ملموسًا بين يديه :
-وأنا الإبرة
لقاء العيون يحكي ألف قصة و قصة، لكن كل منهم يكتفي بهمس جارف و حروف متشابكة كنبضات قلوب تزعزعت :
-ماننفعش من غير بعض !

-الوداع يا رفاق-
....سأشتاق إليكم جميعاً....

إبرة و خيط Where stories live. Discover now