الفصل الأول

2.8K 178 43
                                    


أُدعَى"رغد"، لا أعلم لِمَ اختارت أمي هذا الاسم لي؛ أتُراها كانت تأمل أن يكون اسمًا على مسمى فأحيا في عَيْشٍ رغد؟
ربما كان هذا ما تحلم به ولكن؛ "ثمة أحلامٌ لا تتحقق"!

مررت بأكثر من تجربة تستدعي أن أشاركها مع العامة، علّ هناك من يستفيد؛ لذا سأقص عليكم حكايتي منذ البداية!

كان عمري عشرون عامًا حينما تقدم "هادي" لخطبتي، خطبة بسيطة التزمنا فيها بالضوابط الشرعية وبعد أن عُقِد قراننا تخيلت أن ستبدأ مرحلة تحقيق الأحلام الوردية التي لطالما كنت أحلم بها، ولكنني صُدمت ببعده؛ أكاد أقسم أنه حتى لم يكن يشتاق لرؤيتي، بل وحين يأتي كان يبدو مغصوبًا على المجيء والجلوس!

وفي إحدى زياراته؛ تحدث بهدوء يزيد عن حده:
- عادي يا رغد مش فاضي، ما أنتي عارفة إني مشغول عشان ألحق أخلص شقتنا قبل الفرح.
ابتلعت غصة في حلقي وأنا ألتمس له العذر لأرسم بحِرَفية ابتسامة لطيفة تزين ثغري قائلة:
- ربنا يعينك، أنت بس بتبقى واحشني، ابقى حتى طمنني عليك فون، مش لازم تيجي.
أخرج هاتفه ينظر لساعته، ثم تنهد بنفاذ صبر:
- حاضر يا رغد، المرة الجاية، يلا، أنا همشي بقى عشان اتأخرت، زمان العمال جايين، أشوفك على خير.

تأخر!
بالكاد أكمل عشر دقائق جلوسًا معي ليقل بعدهم أنه تأخر!
حسنًا ، ربما انشغاله بالشقة هو السبب في تباعده عني، كلها أيام ونبقى معًا، وحينها مؤكدًا سيغدق عليّ الحب من كل جانب!

**********************

ومرت الأيام وتزوجنا وهنا؛ أكاد أقسم أنه ليس هادي...إنه بارد !
أين الحب؟ أين المشاعر؟ هل يعلم شيئًا عن المودة والرحمة؟ هل جال بخاطره "لتسكنواْ إليها"؟ أين السكينة!
كنت أتزين له لأخلق حالة من الحب بيننا بدلًا من هذا الجفاء، وكان رده "والله ده أنتي رايقة، ما أنتي قاعدة فاضية طول اليوم، أنا بقى جاي هلكان من الشغل، يادوب آخد دش وأنام"

"فاضية"!
هل "تحضير الطعام وطهيه، ثم غسل الثياب ونشرها وتطبيقها أو كيِّها، وكنس المنزل ومسحه و.....إلخ" يعتبر على حد قوله "فَضَى"!

قررت مواجهته لوضع النقاط على الأحرف ومن ثمّ جلست أمامه حينما انتهت مباراة كرة القدم التي كان يشاهدها على التلفاز، أخذت نفسًا عميقًا وتحدثت:
- هادي أنت بتحبني؟
حول وجهته من التلفاز إلى عينيّ يسألني بتعجب:
- إيه السؤال الغريب ده!
أخذت شهيقًا وزفيرًا في محاولة مني للتحلي بالصبر والتزام الهدوء لأكمل:
- من فضلك متردش على سؤالي بسؤال.
اجتمعت كل علامات البرود على وجهه حين قال:
- ما أصل سؤالك غريب، إيه يعني بتحبني، ما إحنا متجوزين، هكون متجوزك وبحب بنت الجيران مثلًا، ما أكيد بحبك.
استنكرت نبرته التي بدت ساخرة رغم وجوب كونها حانية، ولكني تغاضيت عن الأمر قائلة:
- بس أنا مبشوفش ده، هادي أنت أغلب الوقت بعيد عني، أنت عمرك ما قلتلي بحبك، حتى لما بطلبها منك بتتريق عليا.
أغلق التلفاز بعصبية، ثم رد بضيق:
- أهو ده الكلام اللي ملهوش لازمة بقى، يعني هو أنا لما أشتغل وأتعب عشان أوفرلك حياة كويسة مبقاش بحبك، طب ما أنا ممكن أقول بحبك وأكون مبهدلك.
أخرجتني كلماته من هالة الهدوء التي أحطت نفسي بها لأتساءل:
- وهو حرام لما تجمع بين الاثنين؟ أنا مقلتلكش ارهق نفسك في الشغل للدرجادي، أنا عندي تبقى عيشتنا على قدنا وحبنا يكبرها ولا إنها تبقى كبيرة وعلاقتنا جافة بالشكل ده.
لوّح بيده وقد علت نبرته:
-جينا بقى للكلام اللي ميأكلش عيش، رغد فوقي من جو الروايات والأفلام الهندي اللي أنتي عايشة فيها دي، هو الحب بالكلام؟ اكبري بقى يا رغد!

لطالما سمعت عن مقولة "المرأة تأكل بأذنيها"؛ فـنعم "الحب بالكلام"!

عقدت كلتا يداي أمام صدري لأرد:
- آه الحب بالكلام مش بالجفاء ده يا هادي، ولأ مش هكبر، أنا لسة في أوائل العشرينات ومن حقي أعيش سني، يا هادي أنت حتى يوم إجازتك مبتقضيهوش معايا، بالنهار نايم وبالليل مع صحابك.
بالطبع لم يرقه حديثي ليقول بعصبية:
- يعني اليوم الوحيد اللي برتاح فيه عايزاني أقعدلك!
يوووووه، دي مبقتش عيشة.
ابتسمت بحزن لأتمتم:
- فعلًا، دي مش عيشة!

**********************

توالت الخلافات بيننا، ولم أكن لأتحمل جفاؤه وأنا التي حافظت على قلبي له فهل هذا جزائي!
وفي اجتماع العائلة الشهري؛ جلسنا جميعًا نتسامر في حديقة المنزل الكبير لجدَّي هادي.

جلست حماتي بقربي ثم تساءلت وهي تتفحصني:
- مالك يا رغد؟ مطفية كده ليه يا بنتي؟
وقبل أن أجيب أيدتها خالة هادي قائلة:
- خدتي الكلمة من على لساني يا أم هادي.
ابتسمت بمجاملة لأقول:
- مالي يا جماعة ما أنا كويسة أهه!
تدخلت عمته:
- مين دي اللي كويسة، ده أنتي خاسة النص لما وشك بقى أسود، عامل فيها إيه يا واد يا هادي؟
رمقني باستغراب، ثم أجاب:
- وأنا هعملها إيه يا عمتي، وبعدين ما أهي كويسة أهي.

يراني بخير، أو كما يقول "كويسة"، انتبه الجميع إلاه، ابتسمت بسخرية على تفكيري، وماذا كنت أنتظر،هل كان ليلحظ ما أشعر به!
ومرت الأيام وأصبحت الحياة لا تطاق واستحال العيش بيننا، فكما قالت أمه "لقد انطفئت"!

عايزة أتجوز "مكتملة"💙!Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang