جزء 5

334 34 7
                                    


والأمر الذي دمرني أكثر هو أنه قال بأن ابن عمي قد طلب يدي للزواج وأنا أعرفه جيدا وهو كذلك كما أنه مهندس وغني وثروة عائلتنا يجب أن تنحصر فيما بيننا فقط، وطلب رأيي، وأنا حين سمعت كل هذا الكلام لم يكن لدي خيار آخر ووافقت،
فجاء لخطبتي ووجدت بأنه شخص طيب وظننت بأنني أخيرا وجدت الشخص المناسب الذي سأعيش حياتي إلى جانبه، وفي النهاية أخبرني بأنه غير مرتاح معي، ولم أكن أرغب في التقليل من قيمتي فقلت له بأنني أشعر بنفس الإحساس وأنني لم أستطع مصارحته بالأمر لكن من الجيد أنك كنت المبادر.
فانتهى كل شيء وهذا ما خلق عقدة في داخلي تجاه الرجال وجعل مني إنسانة متعصبة وخرجت من منزل العائلة وصرت أسكن لوحدي،
حتى أجد راحتي لكنني لم أجدها.

وحتى حين رأيتك أول مرة تريد عبور الطريق لم أرغب في مساعدتك لأنك رجل،
إلى أن كادت تدهسك سيارة حينها فكرت في مساعدتك، وبفضل مساعدتك تحسنت حالتي.

قال: الحمد لله على كل حال، دعينا ننسى موضوع والدك ونتحدث عن ابن عمك، من المؤكد أنك لم تعودي تكلمينه ولم تعودي تذهبين إلى منزل عمك حتى لا ترينه هناك.

قالت: تماما.

قال: سننظر إلى الأمر الذي حدث مع ابن عمك بإيجابية.

قالت: عن أي إيجابية تتحدث وقد تركني بعدما منحته ثقتي الكاملة.

قال: من بين الإيجابيات أنك حصلت على تجربة في الحياة، كنت تعلمين بأن بعض العلاقات لا تدوم طويلا وها قد عشتيها في الواقع وزادتك قوة، في المرة القادمة سوف تجعلك تأخذين الأمر بعقلانية، ولا تنسي بأن الخير في ما اختاره الله. والسؤال الأهم هو لماذا لم يكن مرتاحا في الزواج منك؟

قالت: لا أدري.

قال: يجب أن تعرفي.

قالت: هل تريدني أن أسأله؟ مستحيل، سيقلل هذا من شأني، أنا أرفض.

قال: لن تقللي من شأنك ولكن ربما تصلحين أمرا سيبقى مرافقا لك طول حياتك إذا لم تتمكني من صلحه، ولا تنسي أن صلة الرحم الآن منقطعة وهذا يخالف أوامر الله سبحانه وتعالى.

قالت: سأفكر في الأمر، تذكرت.. لقد أصبحت لدي خادمة في المنزل وصرت أذهب لتناول الغذاء رفقتها منذ 5 أيام ثم أعود للعمل، وتطبخ لي طعاما متنوعا واللحم مرة في الأسبوع كما قلت لي.

تبسم وقال: بدأت حياتك تعود إلى طبيعتها.

أوصلته للمنزل ثم جلست تفكر في كلامه وقررت أن تذهب إلى مكتب ابن عمها.

في الصباح اتصلت برانيا وأخبرتها بأنها ستتأخر قليلا ثم ذهبت إليه، فاتصلت به لحظة وصولها وخرج إليها، وما إن رآها فرح كثيرا وقال:
مرحبا أميمة، ما أروع هذا اليوم.

تفاجأت من الفرحة التي بدت عليه.

تبسمت وقالت: شكرا جزيلا.

ثم دخلت رفقته إلى المكتب وأحضر لها كوب عصير.
فأخذ يسألها عن حياتها وعملها كأن علاقتهم لم تنقطع من قبل.

وقالت: أنا هنا لكي أطرح عليك سؤالا، وأريدك أن تجيبني بصراحة، لأن الأمر يهمني أكثر مما تتصور.

قال: هذا مفاجئ ولكن سأجيبك طبعا.

قالت: أنا أعلم بأنك متزوج الآن والأمر لا يهمك، ما الشيء الذي دفعك لفسخ خطوبتنا؟

ظل ساكتا. فقالت: أرجوك أجبني.

قال: أنا كنت على علاقة بالفتاة التي تزوجتها الآن، وجاء والدك إلي وتحدث معي، وقال بأنه يريدني أن أتزوجك حتى لا يأتي رجل من خارج العائلة ويستولي على ثروتنا لأنك ابنته الوحيدة، فطلب مني أن آتي لخطبتك ولا أخبرك بما قاله.

فخططت لكي أتزوجك إذا وافقت على الأمر، وأظل على علاقتي بالفتاة التي أحبها، ولكن حينما تعرفت عليك أكثر وجدت بأنك إنسانة طيبة ومن المخجل أن أتلاعب بك بهذه الطريقة فانسحبت من الزواج.

انهارت أميمة بالبكاء وهي تسمع ما يقوله،
فقال: سامحيني على كل شيء.

قالت: لا عليك، لقد أخطأت لكنك تداركت الموقف وأصلحته قبل فوات الأوان، شكرا على جوابك.

ثم غادرت وهي تبكي بسيارتها وتوجهت إلى العيادة.

مرت يومين وجلست رفقة أنس لتخبره بما حدث.

فقال: من الجيد أنك ذهبت لمعرفة الحقيقة، بكل صراحة والدك كان يريد أمرا مصلحتك لكنه وقع في الخطأ.

قالت: مصلحتي أم ثروته التي يخشى عليها الخروج من العائلة.

قال: لا تقولي هذا، هل تظنين بأن والدك لا يتمنى لك الخير.

قالت: ربما، لأنه كان يريد ابنا ذكرا وولدت أنا بدلا منه.

قال: والدك سهر على دراستك في أفضل المدارس وعمل وتعب حتى يراك في أفضل حال، وأمك سهرت على تربيتك وعانت كثيرا بسببك، لقد كنت مجرد أميمة والآن صرت الدكتورة أميمة بسببهم، هم اليوم كبار في السن ويحتاجونك لكنك غادرت المنزل واتخذت مسكنك الخاص، هل تنتظرين موت والدك حتى تذهبي لمواساة أمك في جنازته أو العكس، ألا تعتقدين بأن هذه أنانية منك لأنك تسعين إلى راحتك الشخصية فقط؟

وهي صامتة تحدق إليه.

أم تعتقدين بأن الآباء مثل الأصدقاء إذا بدر منهم خطأ ما نغضب منهم، يجب أن نبقى إلى جانبهم ولو بدرت منهم مائة غلطة، لأنهم لا يحبون لنا سوى الخير. ماذا استفدت وأنت تهربين من والدك، هل هذا هو رد الجميل؟

وهي لا تزال صامتة.

فقال: أرى أنك لا تتكلمين، هل نمت؟

تبسمت وقالت: أنا أستمع إليك.

قال: لقد أنهيت كلامي.

قالت: سأرى بشأن ذلك.

مرت أربعة أيام وكلام أنس لا تفارق تفكيرها، جاء يوم الأحد وذهبت إلى منزل والديها.

وكانت تلك أول مرة تدخل إلى منزل العائلة بعد عام وتسعة شهور من رحيلها.

وصلت إلى الباب وألقت التحية على حارس الأمن،

ففتح لها وبمجرد دخولها لمحت الأب والأم وهما يجلسان في الحديقة، وما إن وقع نظرهما عليها حتى وقفا بسرعة والصدمة تعلو ملامحهما.

 هدية أبي 🇲🇦(بالفصحى)Where stories live. Discover now