الفصل الثالث

482 117 38
                                    

                                          (٣)

كنتُ أجلسُ وحدي كعادتي في إحدى الليالي بعد منتصفِ الليل أتصفح هاتفي، قبل أن يظهرَ راف مجددًا، و يحاول أن يخيفني كما اعتاد أن يفعل، قبل أن أنهال على وجههِ ضربًا بالكثيرِ من الصفعات واللكمات، كائنٌ أحمق وأساليبٌ سخيفةٌ تستخدمها الأشباحُ في إخافةِ البشر الحمقى أيضًا، ثم قلت له:
- يا عم هو أنا ناقصك على المسا، محاولة تاني من العبط اللي كنت بتعمله من شوية دا عشان تخوفني وشايف صوابع رجليك دي؟ هعمل منها كفتة للقطة بتاعتي، بس يا خسارة لونها أخضر هي كمان ومش هترضى تاكلها، هتخاف منها! يقطع دي شكلية يا جدع.

اعتدلَ في جلستهِ ثم حدَّق بعينَيَّ وقال:
= ألا تعرف أنني يمكنني إيذاءك؛ بسببِ ما فعلتَه للتو؟
قلت:
- أهو أي كلام على الفاضي وخلاص، لا أنتَ ولا أي شبح تاني تقدر تأذيني.. تعرف، لما كُنت طفل صغير وكدا كنت فاكر إن الأشباح دي كائنات مرعبة جدًا، وتقدر تخوف البشر لأقصى حد، لحد ما قابلتك أنتَ.. عرفت إنكم مجرد كائنات سخيفة وفاضية من جوا، بتخلُّوا الشخص يسمع شوية أصوات مخيفة وصراخ وبعدين تستغلوا خياله الواسع زي ما بنشوف في الأفلام والمسلسلات، فـ يبدأ الشخص دا يتخيل حاجات مش موجودة ويفقد الوعي، شوفلك حياة يا راف.

قالَ في تعجبٍ:
= أساليبُنا سخيفة؟ أخبرني، أي نوعٍ من البشرِ أنت؟ فأنا بدأتُ أخافُ منكَ حقًّا!
قلت:
- مش بنتمي لأي نوع، أنا شريف فقط، تقدر تقول إن التسعة وتلاتين شخص اللي شبهي ماتوا وانتهت القصة على كدا.

بدت ملامح التعجب ثابتةٌ على وجهه، وظل صامتًا لعدةِ ثوانِ قليلة، ثم تابعتُ:
- أنت بتسكن فين يا راف، إي موطنك الأصلي يعني؟
أجاب:
= جزيرة الأشباح
قلت:
- ياااه نفسي أروح جزيرة الأشباح دي من زمان، هي فين؟
قال:
= أسفل كوبري عبود
قلت:
- لا يا عم دي بعيدة جدًا، طريق السلامة أنتَ، ولا أقولك.. إي رأيك نتمشى شوية؟
رفعَ أحد حاجبيه متسائلًا وقال:
= أين؟
أجبت:
- معظم الطرق بتكون فاضية بعد منتصف الليل.
قال:
= حسنًا هيا بنا.

ذهبَ كلانا إلى أحدِ الطرق المظلمة القريبة من منزل جدتي، وبدأ كلٌ منا سيرهُ قليلًا، ثم بدأتُ بالتحدث قائلاً:
- أنتَ بتطلع في بيتنا من إمتى؟
أجاب:
= اعتدنا على التحدثِ مع جدتك خلال نهاية كل شهر.
دُهشتُ عندما سمعتُ ما قاله، ثم قلت:
- هو أنتَ كنت تعرف جدتي؟
قال:
= نعم، هي من كانت تأمرنا بإحضار الأشياء التي كانت تحتاجها.
تحدثتُ إلى نفسي وقلت:
- كنت حاسس إن في شيء غريب، أصل تصرفاتها دي مكانتش تصرفات بني آدم طبيعي إطلاقًا.

دقائقُ مرَّت أثناءَ سيرِنا، ثم تفاجأتُ بأحد الأشخاص يسرع خطواته، وأوشكَ على الاقترابِ منّا، ثم قلت لـ "راف":
- تعالى، في مصلحة قدام.
اقترب ذلك الشخص منّا، ووقف أمامي على بعد خطواتٍ قليلة ثم قلت:
- اثبت.
قال:
= انتوا مين؟
أشرتُ إلى راف و قلت:
- دا عفريت، اطلع باللي معاك وهنسيبك تمشي، مش هتطلع باللي معاك مش هنسيبك تمشي وبرضو هناخد اللي معاك.

اتسعت حدقتا عينَي راف و أضاءت باللونِ الأحمر، ثم هبّت رياحٌ قوية اختلط معها صوتُ بكاءٍ لأطفالٍ صغار، وتغيّر شكلُ هيئته كليًا، ثم قال الشاب:
= محدش يأذيني خُدوا كل اللي معايا أهو، بس محدش يأذيني أرجوكم.
ارتعشت أيدي ذلك الشاب ثم أدخلها في أحد جيوبه، وأخرج هاتفه والعديدِ من النقودِ الأُخرى ثم قام بإعطائها لي وهرب مسرعًا و هو يقول ''ياماااااااا''

ضحك كلانا أنا وراف، ثم قلتُ في مكرٍ:
- يا مساء الجمال والكريستال، خمسة آلاف جنيه؟ حد يقول لإيلون ماسك يريح شوية عشان أنا الجديد بقى.

دقائقُ تمر، ويمرُّ معها أشخاصٌ آخرين، ثم نكررُ ما فعلناه سابقًا ونأخذ كل ما يملكونه، حتى أوقفنا أحدُ الأشخاص يتطاير معطفه البنيّ الفاتح كلما لوّح بأحد ذراعيه جانبًا، يدخّنُ سيجارةً بيدٍ، والأخرى يُحركها جيئةً وذهابًا أثناء سيره، وقف أمامي ثم كررت ما قلته سابقًا:
- اثبت.
قال:
= إنت مين يا هندسة؟
أشرتُ إلى راف مجددًا و قلت:
- دا عفريت، اطلع باللي معاك وهنسيبك تمشي.
قال:
= عفريت؟ مارد يعني؟
أجبت:
- آه.
أنهى سيجارته ثم ألقى بها بعيدًا وقال:
= حبيبي مارد فودافون، اشحن هتفهم.
ثم وضع يده في أحدِ جيوبه، وأخرجَ عدةَ أقراصٍ وإبرٍ مخدرة ثم قال:
= اتفضل يا عبده.

قلت:
- يخرب بيتك دا أنتَ حالتك حالة، إنت إسمك ايه؟
قال:
= سعيد برشامة.
قلتُ في تعجب:
- سعيد برشامة؟!
أجاب:
= آه.
قلت:
- عدّي من الطريق دا يا سعيد.

أخرج سيجارةً أخرى من جيبه ثم وضعها في فمه، وتابع سيرهُ راقصًا وقال:
= أحلى مسا.
نظرتُ إلى راف وقلت:
- دا ضايع رسمي.
ضحكَ وقال:
= هل نعودُ إلى المنزلِ الآن؟
قلت:
- تمام، يالا بينا.

رحلة تعافي -مُكتملة-Where stories live. Discover now