(٣) لمحةٌ من الماضي و مشهدٌ من الحاضر

152 29 18
                                    

- لقد مر وقتٌ طويل "فيليكس".

هذا ما قاله ذلك الذي دخل للتو، بابتسامته الهادئة و رداء الفراء الذي كان يجعل كتفاه العريضين اعرض بالفعل، كان هذا هو "كريس" زعيم عشيرة الذئاب.

فتح "هيونجين" عينيه باتساعٍ دهشةً و حتى "سونجمين" الذي لا يظهر تعابيره عادةً لم تغب ملامح الدهشة عن وجهه، اردف "فيليكس" بابتسامته المعتادة: حسناً لقد مر وقت طويل بالفعل، لم تظهر منذ رحلت "آمسونيا" و هي تحمل بداخلها طفلتك، اذاً هل عالجت قلبك قليلاً؟

ضحكَ "كريس" ضحكةً لم تكن لتدل على السعادة ثم قال بابتسامةٍ حزينةٍ و هو يتأمل الفراغ: مُستحيل.
ثم تحولت ملامح وجهه لتصبح جادةً بشكل مخيف و اردف: بل لدي العديد من المحادثات التي على إجرائها مع "ستريجا".

ثم اتجه ناحية "فيليكس" و عانقه قائلاً بدفء: شكراً لك "فيليكس"، لتحمل كل هذا منذ كنت طفلاً، و لحمايتك "وينتر"، شكراً لك.

ظهرت على وجه "فيليكس" ملامح الدهشة ثم ببطء دفن رأسه في كتف "كريس" و ربت على ظهره قائلاً بصوتٍ متحشرج: لا بأس، هذا واجبي.

بدأ "هيونجين" البكاء بدوره و هو يقفز عليهما ليضمهما قائلاً بصوت عالٍ: انتم رائعون حقاً يا رفاق.

ضحكَ "كريس" على تصرف "هيونجين" و ضمه هو الأخر، و استمر "فيليكس" بدفن رأسه بكتف "كريس"، بينما كان "سونجمين" يربت على ظهر "فيليكس" مبتسماً، لتمتلئ الغرفة بأصوات الضحك و البكاء...و الكثير من المشاعر المختلفه.

                          **********

بينما كانت "وينتر" تتناول التوت و هي تستمتع بمشاهدة صديقيها المرحين، كان الليل قد حلّ بالفعل لتنظر للسماء من النافذة و تقول: لقد اقترب مجدداً.

تلاشت ضحكات "لينو" و "ليلي" ثم ناظرا بعضهما من خلفها في حزنٍ فقد فهما ما تتحدث عنه.

ضم "لينو" ذراعيه و استند للحائط و هو يقول: "وينتر" انتِ لستِ مضطرةً لتحمل مضايقاتهم كما تعلمين، يمكنكِ فقط الكشفُ عن جناحيك و اظهار قواكِ.

اردفت "ليلي" لتوافقه: "لينو" محق، انتِ لم تظهري جناحيك من قبل حتى لنا، انا واثقة من انكِ تستطيعين ابادة هذه العشيرة عن بكرة ابيها ان اردتِ.

ضحكت "وينتر" و قالت: يا رفاق، لدي حديقة و صديقين ثمينين علي حمايتهم، كما انكما تبدوان فضوليين، هل تريدان رؤية جناحي؟

لم يكد "لينو" و "ليلي" يستغربان للنهاية حتى قامت هي بفرد جناحيها امامهما للمرة الاولى، لتظهر امامهما لوحة فنية من جانحيها اللذان زادا جمالها بلمعانهما الفريد، ثم ابتسمت وينتر و هي تقول: انا لا اعلم كيف اتحكم بقوتي، لا استطيع المخاطرة بكما، كما اني حقاً لا اريد قتل الجميع، لن ادمر ما حافظت عليه امي.

ثم اخفت جناحيها مرةً اخرى ليعم الصمت و الاندهاش الغرفة و لتكمل تأملها للسماء هي الاخرى.

                           **********

بعد مرور عدة ايام، استيقظت "وينتر" و هي لا تظهر اسعد التعابير، فاليوم هو اكثر يومٍ تكره قدومه، انه يوم عيد ميلادها، و يوم اكتمال القمر.

زار "لينو" و "ليلي" "وينتر" ليضمنا ان يكونا معها في محاولة تجنب اذى عشيرتها، كان اليوم هادئ على غير المتوقع، حل الليل و اجبرتهما "وينتر" على الرحيل تجنباً لحدوث مشاكلٍ لهما.

خرجت وينتر لتذهب للجلوس في مكانها المفضل بجانب البحيرة، فمهما كرهت هذا اليوم، هي تعشقُ القمر، و تعشقُ الجلوس في هذا المكان كل عام و كل وقت، مهما كان الثمن.

آثناء جلوسها و تأملها لانعكاس ضوء القمر على سطح البحيرة قالت بعينين فارغتين: و لكن بجديه، ماذا اكون؟

لم تكد تكمل جملتها حتى سمعت اصوات خطواتٍ عديدة من خلفها، لتلتفت و ترى عدد من شباب عشيرتها يقفون ساخرين منها باسلحةٍ تبدو و كأنها على استعدادٍ لسحب طاقة العديد و العديد من الكائنات الروحيه، ثم قال زعيمهم: مرحباً ايتها الملعونه، ماذا عن اعطائنا بعضاً من طاقتك هذه و هي في ذروتها، او اعطائنا جميعها؟

ثم بادر بضربها بسيفه لتتجنبه "وينتر" هو و رجاله بخفةٍ راكضةً داخل الغابة و همست: في احلامك.

واصلت "وينتر" الركض حتى اقتربت من حدود الغابة و هي على عهدها بعدم استعمال قوتها، و ان كان الثمن حياتها، تابعت الركض في ظلام الاشجار العالية حتى لمحت ضوءً ما، ارتسمت الدهشة على ملامحها و هي ترى هذا الرجل الاشقر ذو الثياب البيضاء و النمش على وجنتيه و هو يلاعب اليرقات المضيئة التي تجمعت حوله ثم رفع رأسه لها ليبتسم مناظراً عيناها.

حين رفع رأسه استطاعت "وينتر" رؤية وجهه بوضوح، ثم افاقت من غفلتها و استدارت ورائها بسرعةٍ حين سمعتهم يقتربون، و قالت له بسرعه: يا هذا عليك الهرب من هنا.

لم تكد تكمل جملتها حتى اقترب منها و سحبها من يديها ليضمها الى صدره و يرتفع ليطير بها.
حلت الدهشة على "وينتر" و هي في احضان هذا الغريب الذي طار بها، رفعت رأسها من على صدره لتنظر في عينيه و قبل ان تبادر بسؤالها سبقها و هو يبتسم بدفء قائلاً: عيد ميلادٍ سعيدٍ عزيزتي "وينتر".

اتسعت عينا "وينتر" بعد سماعها لصوته الدافئ، تسائلت بداخلها كيف يمكن لشخصٍ قابلته للتو ان يشعرها بهذا الامان، صوته و ابتسامته و عناقه الدافئان.
جعلاها تتمتم و هي صافنة في وجهه: كالقمر....
_________________
يُتبع
_________________

٭ معلومه ٭ الكائنات الروحية باختلاف انواعها احجامها مطابقة لاحجام البشر، و تصل اعمارهم لمئات و الاف الاعوام ولا يموتون الا في حالات استنزاف طاقتهم الروحية.

جِنيةُ القَمْرِ - The moon fairy Where stories live. Discover now