بِدَايَةٌ حَمرَاء (٤-1)

155 17 130
                                    


الفَصل الرّابِع : بِدَايَةٌ حَمرَاء

هَل سُوء الأفعَال وخبَاثَة التّفكِير خُلقَت مَعنَا أم أنّهَا نتِيجَة لمَا آلت عليه ذَاتنَا إثرَ أهوَال الوَاقع ؟

سُؤَالٌ لطَالَمَا إجتَال بَالِي و إحتَلَ عقلِي بسَبب أفعَالِي المُبَاغتَة و المُندَفعَة .. فَعلتُ الكَثير ضمنَ محدُوديّة الفَتاة السّيئَة القَفرة من الأخلَاق البَشرَية ، لكنّي لم أشعُر يومًا بَأيّ عتَاب مِن ذَاتي وقد حَرَصت أمّي عَلى جَعلِي دَائمًا محلّ الإتّهَام رُغمَ برائتِي معظَم الأوقَات .. لكنّي لم أهتَم —كلّ مَا أردتهُ منهَا هو جُرعَة طَفيفَة من الحُبّ و الأمَان وَ قد عمِلَت جَاهدَة لإعطَائِي عكس مَا أردتَه.

لَم يُوجّهنِي أحدٌ نَحو الدّرب الصّحيح وَ لم أتعَلَم يومًا الفَرقَ بينَ الصّواب والخَطأ ، قُدتُ نَفسِي إلى هَذَا اليَوم .. أنَا اليَوم نَفسي بِسَببِي فقط .

لَهَذَا أصبَحتُ ”أنَا “— فَتاةٌ أنَانيّة مُتْرَعة بالحقد وَ الكُره ، لَا مَانعَ لديّ في تخرِيب حيَاة أيّ شخص مُقَابل سَعادَتي فمَاذَا لو كَانت حَياة شَخصٍ كريهٍ ومؤذٍ كَـجون و أمّي الفَاسدَة . فهذَا ما قمتُ به طوَالَ حياتِي للنّجَاة .. حَاربتُ لأعِيش و سُأحَارب للوُصول إلَى القّمَة .

لأنّ اللّه إختَارنِي لأكُونَ كَارمِن لَا رُوزَا وَليسَ كريستِينَا الذّليلَة .

أقِفُ أمَامَ إيليُو المُرتَبِك— بَعدَ طلبِي السّابق أغلَقَ الهَاتفَ في وجهِي وقد وَجدتُه أمَامِي سَاخطًا حَائرًا منّي ربّمَا أو من الجّديّة في مَلامِحِي .. قَزحيَتاه اللّمَاعة تُراقبُني بهدُوء قَبلَ أن يبدأ مُخَاطَبتِي بترَيث وَاضعًا وجهِي بينَ كفيّه كَما لو كُنتُ طفلًا صغيرًا لَا يدرِكُ شيئًا :

«كَارمِن —عَزيزَتِي .. مِن البدَاية رجَاءً »

«لَا أفهَم لمَاذَا كلّ هذه الدّرامَا إيليُو ، أريدُ مخدّرات كَافيَة لوضع زَوج أمّي في السّجن ببسَاطَة »

مَرّرَ أصَابعه بعنفٍ علَى شَعره بينَمَا ينظُرُ أمَامَه بغيرِ تصدِيق .. نَحنُ الآن فِي سَيّارته أمَامَ السّاحِل الغَربِي  و بالفِعل بدأت الحَرارَة في الإرتفَاع كَانَ لا يزَال اليَوم فِي بدَايته والنّاس بدأت تَسبَح — نَظَرَ نحوِي مُتكلّمًا بنوعٍ من الحَنق :

«كَارمِن ، هَل تدركِين أنّ فِعلك هذَا سيّدَمرّ مَسيرَتك قَبلَ بدأهَا.. عندَمَا وَصلنَا إلى اللّحظَة المُنتَظَرة ستقومِين بإفساد كلّ شيء ؟»

صَمتُّ وعجُزَ لسَانِي عن الكَلَام ، لَم تُعجِبني ردّة فِعله — توَقّعته أن يَقبَل فورًا لا أن يقُوم بإلقَاء مُحَاضرَة نحوِي .

«لَن يَحدُثَ أيّ شيء طَالمَا ستَبقَى الحَقيقَة بينَنَا »

رَاقَبتُ صَمتَه المُتوَاصل و كَحَلٍّ أخير لإقنَاعه بَدأتُ بالبُكَاء أمَامَه وَقلت بينَمَا دمُوعي المَالحَة تنهَمر عَلى وَجنَتي :« لَقد قَامَ بإيذَائي كَثيرًا إيل ، لَا أستَطيع العَيش تَحتَ خوف أن يأتِي مرّة أخرَى وَيقومَ بسلبِي فرصَتِي الوَحيد للخَلاص —أريدُه أن يتَعَفّن في السّجن و لأمّي أن تنقَهرَ وحيدَة .. ليسَ لِي أحدٌ غيرَك إيليُو لَا تخذَلنِي »

كَارمِن | قَبلَ أن أَرحَل Where stories live. Discover now