اقتبــاس جـديـد

450 29 5
                                    

ترجل من السيارة بوجه حاد قاطباً جبينه وهو يتحرك نحو الداخل يستمع إلي هذه الضجة من أحد الغرف وصراخ رجولي بكلمات لم يميزها قائلاً إلي كابر الذي يقترب منه :
_ ايه الدوشة دي ؟
أجابه بلا حيلة يوازن خطواته مع خاصته :
_ له ساعتين علي الحال ده مش راضي يهدي ، عايز يخرج بأي طريقة...
هتف حيدر أثناء صعوده الدرج نحو الأعلي بجدية :
_ قفّل كل باب في البيت ممكن يخرج منه ووقّف رجالة عليه كمان...
اوما كابر بإيجاب وخرج من باب المنزل بينما أكمل حيدر خطواته إلي الطابق العلوي حتي وصل إلي أحد الغرف الجانبية الذي يصدر من داخلها صياح إسلام الغاضب بأنه يريد الخروج من هنا وكاد صوته أن يبح من كثرة الصياح ، أدار حيدر المفتاح ثم فتح الباب بحدة ودخل ليتراجع إسلام للخلف يتنفس عالياً و حمرة عينيه الدامعة تظهر مدي كتمه للدموع ليبتلع ريقه قائلاً بصوت مهتز مُصر :
_ خرجني من هنا...خرجني من هنا انا لازم اخرج من هنا دلوقتي حالاً..
وقف حيدر أمامه بمعطفه الأسود الذي اظهر هيبته المميزة ورفع حاجبه ذو القطع الجانبي قائلاً وهو يتمعن به بسخرية :
_ هتخرج من هنا تروح فين !
أمك في المستشفي وخالك زمانه اتدفن وعيلة ابوك اصلا كارهينك ومش هيخلوك تقرب من المستشفي..
انا عارف إنه صعب تتقبله ..بس انت دلوقتي ملكش حد غيري ، وانا مش هسمح لك تطلع من بيتي مهما حصل..
ابتلع إسلام غصته ولم يقو علي التحكم في دموعه اكثر فتكرها تنهمر فوق وجنتيه بألم و هوي علي حافة الفراش صارخاً ببحوح يحتضن رأسه بيديه بعنف :
_ ســيـبني أطــلـع يا حــيدر ، سيبني اطلع من هنا انا ااسف ، انا اسف ياريتني ما قابلتك ياخي ياريتني ما قابلتك ولا حاولت حتي...
رغم جمود قلبه لم ينكر خفقانه الشديد وهو يراه علي تلك الحالة السيئة فشعر بالجليد الذي يحيط قلبه يذوب شيئاً فـ شيئاً تأثراً ببكاء أخيه الصغير الذي مهما كبر عمره وأصبح رجلاً سيبقي طفلاً بعينيه مهما حدث ، تنهد حيدر وأرخي ملامحه وأقترب خطوتين إلي أن وقف أمامه والأخر جالس يخفض رأسه وجسده يهتز من بكائه المكتوم ، جذب حيدر يديه التي تضغط علي رأسه عنوةً رغم مقاومته ثم أمسكهما بيداً واحدة بصمت والأخري أمسك به فكه ليرفع رأسه إليه لكي يري دمعاته التي تغرف وجهه ومازالت تهبط بحرقة ، ليهتف بنبرته الجامدة التي حاول إلصاق الهدوء بها قدر الإمكان لكن فشل فخرجت علي هيئة أمر جامد :
_ متعيطش.
لم ينجح إسلام في جذب يديه المقيدة في يد أخيه فرمش بجفنيه المبتلة هاتفاً بخفوت وبألم :
_ قولي سبب واحد يخليني معيطش !
لم يعرف حيدر بما يجيبه لكنه ضغط علي فكه الذي يمسكه فتألم إسلام من معاملته التي يبدو أنه نوي ألا يغيرها بينما الآخر يقول بجدية بأول شئ أتي بعقله ربما يفيد او لا :
_ انا جنبك.
رفع حدقتيه ينظر له بحنق وهو يحاول الإفلات منه دون جدوي :
_ ده مخوفني مش مطمني يا حيدر..
ليتأوه بألم حين ضغط حيدر أكثر علي فكه يقربه منه قليلاً هاتفاً بحدة من بين اسنانه :
_ يالا هو انت شايفني بعذب فيك ليل نهار ، ما انا هادي اهو وبتكلم بأحترام..
أجابه إسلام ساخراً بتأوه وهو يشير بعينيه علي فكه :
_ علي كده باحترام اومال لو قليت أدبك هتعمل ايه !
تركه حيدر زافراً فعاد إسلام إلي وضعه يخفض رأسه أرضاً ودمعاته تنهمر بصمت مما جعل حيدر يجلس بجانبه وألتزم الصمت لبضعة دقائق إلي أن هتف متنهداً وهو ينظر له بهدوء :
_ عايز ايه ؟
التفت برأسه نحوه ليجيبه بألم وعينيه لازالت دامعة :
_ عايز اروح ليسرية يا حيدر ، مقدرش اسيبها لوحدها بينهم هناك والله ياكلوها من غير ملح وانت عارفهم.
أجابه بجمود :
_ وبعد ما تروحلها وتقعد معاها لحد ما تخف، ايه اللي هيحصل ؟ هتاخدها وتروح فين !
لم يجد إجابة لسؤاله بل عجز عقله عن محاولة إيجادها حتي لذا أخفي وجهه بين يديه بتنهيدة حارة وقهر بداخله يتفاقم أكثر مما يحدث معه.
********
توقفت سيارة الأجرة أمام البناية فهبطت منها تتنهد بهدوء وأغلقت الباب ثم التفتت تتجه نحو مدخل البناية تضع يديها في جيبي معطفها الشتوي القاتم الذي يتناسق مع لون حجابها ، صعدت الدرج حتي وصلت إلي الطابق التي تسكن به فوقفت أمام الشقة التي تقع علي اليمين ثم رفعت أصبعها وضغطت علي الجرس بجانب حافة الباب ، تأففت بحنق حين لم تتلق إجابة بممن يسكنن بالداخل فطرقت بيدها علي الباب إلي أن أخيرا فتحت فتاة حسناء تماثلها في العمر ذات خصلات بنية تعقدها علي هيئة جديلة منسدلة علي كتفها تنظر لها بصمت وتردد لم تلاحظه الأخري وهي تولج للداخل قائلة لها بحنق وهي تلقي حقيبتها أرضاً :
: ساعة عشان تفتحوا ، بتعملوا ايه كل د....
توقفت الكلمات حين وقعت عينيها عليه لتتوسع بصدمة من وجوده بينما هو يجلس بأريحية علي الأريكة يرفع قدميه علي الطاولة وذراعه خلف رأسه يحدق بها بعينين لامعة وابتسامة جانبية فوق ثغره قائلاً بتسلية تعلم هي كم تخفي خلفها وعيداً :
_ حمدلله علي السلامة يا روقا..
تحولت صدمتها إلي غضب في لحظة وهي تلتفت برأسها تنظر بحدة إلي الفتاة الأخري التي أغلقت الباب تنظر لها بلا حيلة ، نظرت " رقية" بحدة أكبر إلي أربعة من الفتيات التي تقتربن ؛ ثلاثة يرتدن الحجاب والرابعة تعقد خصلاتها بعشوائية ثم وقفن بجانب الفتاة أمام الباب وجميعهن ينظرن لها بلا حيلة وأحدهن تضع حقائب سفرها أرضً بعد أن تم تجهيزها بحوائجها الخاصة ، لا تطيق رؤيته بعد ما حدث بينهما وكم حذرتهن من دخوله إلي هنا لكن الآن وجدته يجلس بكل أريحية ونظراته التي تخبرها أنه ليس هناك فرار منه مهما حدث ، لم تزحزح عينيها المشتعلة عن الفتيات الخمس ثم هتفت الفتاة الأولي ذو الجديلة بلا حيلة ويأس وهي تشير نحو شقيقها الجالس :
_ حكم القوي ، والله حكم القوي.
تنفست رقية بغضب صائحة بهن بحدة :
_ بعتوني بكام منك ليها ليها ؟!!
انتفضت الفتيات بقلق فابتلعت الفتاة الأولي ريقها وأشارت لها تجيب عن سؤالها بحرج :
_ شوكلاتة ديري ميلك..
نظرت لها بسخرية وغضبها يزداد :_ اه يا رخيصة.
رفعت الفتاة اصبعها بدفاع :
_ لا دي من النوع الكبير وجابلي منها اتنين كمان ، وانتي عارفة بقا ان نقطة ضعفي الشوكلاتات.
نظرت رقية إلي الفتاة الثانية ذات الخصلات المبعثرة وهتفت بحدة حتي تعرف ما المقابل الذي نالته منه :
_ وانتي ؟ عملك ايه عشان تدخليه هنا بعد كل اللي حصل ؟
تنهدت الفتاة ومسحت علي خصلاتها وهي تجيبها :
_ وافق إني أرجع بيت جوزي أخيراً بعد ما سامحه ، وانتي عارفة بقا يا روقا عمورة وحشني ازاي..
هزت رقية رأسها بسخرية تشير نحو الحقيبة غافلة عن سلطان الذي يراقبها بابتسامته الجانبية وكم بدا مستمتعاّ بغضبها وهي تقول :
_ لا عارفة ياختي ده كلام ده اكيد انتي اول واحدة جهزتي ليا الشنطة.
ثم نظرت إلي الفتاة التالية المحجبة تسألها بسخرية ويأس :
_ وانتي ، بعتيني لأبن عمتك ده بإيه ده انتي اكتر واحدة وثقت فيها إنها مش هتخليني اشوفه!
ابتلعت الفتاة ريقها وأخفضت رأسها بحرج قائلة :
_ قالي أنه هيكلم بابا ويقنعه أنه يوافق علي جوازي من هاشم ، وانتي طبعا يا حبيبتي عارفة طرقه في الإقناع بتجيب نتيجة ازاي .
تهز رأسها بيأس وهي تستمع لها ثم ردت بتهكم :
_ عارفة ده إلا عارفة ، ماشي يا حُسنة ماشي.
ثم نظرت إلي التالية زافرة :
_ وحضرتك ؟
فركت الفتاة السمراء يديها وأخفضت رأسها أيضاً تجيبها بنبرة خافتة :
_ هيجيب لي تليفون جديد بدل اللي ضاع مني.
ثم نظرت بصمت إلي الفتاة الأخيرة وكانت قصيرة قليلاً لتجيبها علي سؤالها دون أن تنطقه بإحراج :
:_ وعدني أنه هيفسحني في الملاهي وهيعشيني في ماك ، وانتي يا روقا عارفة الأكل بالنسبة لي حياة.
نفت رقية برأسها بذهول وهي تهتف بهن بسخط :
_ انا مش مصدقة بجد انكم بتعملوا فيا كده ، بقا بعد كل اللي حصل بينا واللي عمله ورغم إني قولتلكم مش عايزة اشوفه بأي طريقة بتدخلوه لحد هنا !
وكمان مجهزين لي شنطي عشان امشي معاه !
انا همشي فعلا بس مش معاه ودي أخر مرة هتشوفوني فيها لأني هقطع علاقتي بيكم المرة دي بجد..
هتفت الفتاة الأولي بتنهيدة :
_ يا رقية اهدي واديله فرصة بس ...
أيدتها الفتيات وأخذن يتكلمن في وقت واحد يحاولن الدفاع عما فعله سلطان الذي شعر بالضجر من ثرثرتهن وعدم الانفراد بزوجته حتي الآن لذا وقف عن جلسته قائلاً بصوت عال :
_ بــنـات.
صمتت الفتيات تنظرن له بينما أغمضت رقية عينيها بحدة تشعر به يقترب نحوها من الخلف إلي أن وقف خلفها مباشرة فالتفتت له تحدق به بشراسة وغضب يلمع بعينيها الواسعة التي يذوب بها عشقاً فأخذ يتطلع لها ببسمة هادئة كأن لم يحدث بينهما شيئاّ ثم حادث الفتيات بعد أن أبعد نظره عن عينيها بصعوبة قائلاً لهن ببسمة :
_ حبيباتي أخواتي بنات عماتي وخالاتي ، انصراف علي جوا وكل اللي اتفقنا عليه هيحصل.
ابتسمن له بسعادة ثم تحركن نحو أحد الغرف بعد أن رمقن رقية بنظرة أسف أخيرة قبل أن يختفين بداخل الغرفة ، نظر سلطان إلي زوجته الغاضبة وابتسم بهدوء مستفز لأعصابها وهو يقول :
_ ايه يا حبيبتي بقا دي طريقة تستقبلي بيها جوزك بعد كل الغياب ده !
وبعدين ينفع مشوفكيش كل ده ولا أتطمن عليكي بنفسي !
واهون عليكي تبعدي عني لتلت اسابيع ويومين و١٦ ساعة هاه ؟
ما تردي عليا ساكتة ليه ؟
أجابته رقية بجمود :
_ أظن أن الكلام ما بينا خلص يا سلطان ، ونهايته كانت معروفة...طلقني.
ابتسم بخفة وعينيه يزداد لمعانها ثم تنهد قائلاً :
_ طب ازاي يا روقا ، يعني قوليلي اطلقك ازاي وانتي عارفة إنك بالنسبالي ايه..
ثم رفع أصابعه أمامها يعد عليها ولا زال يحدق بها بنظرته الدافئة الخاصة التي يعلم كم تؤثر بها حتي إن لم تظهر ذلك :
_ ده انتي صاحبة طفولتي ، وحلم مراهقتي ، واللي شغلت بالي طول شبابي ، وحبيبة قلبي وسلطانته
ومراتي وأم عيالي في المستقبل إن شاء الله
قوليلي اتخطي كل دول ازاي وابعد عنك كده بسهولة ؟
كانت قد قررت ألا تنفعل أمامه فإن فعلت سيشتعل النقاش أكثر بينهما لكن لم تستطع ألا تفعل الآن بعد كلماته وراحت تصيح به بحدة :
_ تتخطي كل دول لأني تعبت ، تعبت يا سلطان ومش عايزة اكمل معاك وانت بالشكل ده و
قاطعها طرقات قوية علي باب الشقة تكاد ان تهشمه فالتفت سلطان نحو الباب وتبدلت ملامحه الهادىة لأخري قاسـ.ية فجأة وكأنه كان في انتظار هذا الزائر ويده تتسلل ببطء نحو مسدسه في غمده..
........
لم يتم تحديد نزول الرواية بعد ولكن تأكدوا أنه قريب❤️🔥

جريمة.منتصف الليلWhere stories live. Discover now