الفصل الأول

774 33 1
                                    

دلفت من باب البيت وهي تشعر بإرهاق كبير اليوم كباقي الأيام الماضية لا جديد به ، حياتها تسير ببطيء ممل ، رتيبة جامدة لا حياة بها و كيف تكون الحياة وهو بعيد عنها تنهدت بضيق مرت خمس سنوات عليها منذ آخر مرة رأته بها لازالت تذكر اللقاء ولازالت تذكره هو أيضًا
لا تعلم لما ابتعدا ولا تعلم لما تركها وحيدة ضائعة تمضي لياليها في أرق دائم ووحدة قاتله
ها هي انتقلت منذ سنتين لتسكن هي و والدتها مع أختها التي تصغرها بثلاث سنوات بعد أن اقترنت الأخيرة بابن خالهم الذي أصر أن تقيم هي و والدتها معهم فهو من أصبح مسئولًا عنهم بعد وفاة والدها
اه كم اشتاقت إليه حاولت كثيرًا و كثيرًا أن تنسى و لكن هيهات
أتنسى أن أول مرة تسمع كلمة أحبك كانت منه
أتنسى أنه وعدها بالسعادة وأن يظل بقربها دائمًا
كيف تنسى من يسكن روحها؟
بعد أن أبدلت ملابسها ذهبت لترى أختها ووالدتها و تسلم عليهما
دلفت إلى المطبخ لترى سهى ( أختها) تعمل سريعًا و تجهز الطعام .
_ السلام عليكم ، كيف حالك يا أختاه؟!
التفت إليها سهى مبتسمه: بخير حمدًا لله على سلامتك.
_ أتحتاجين مساعدة ؟! أرى أنكِ تجهزين أصناف عديدة و كميات كبيرة من الطعام.
قالت ضاحكة :_ نعم ، فمصطفى دعا أحد أصدقائه المقربين اليوم على الغداء ، وبناء عليه أعلنت الطوارئ بالبيت.
ابتسمت:_ حسنًا ، من هذا الشخص الهام الذي دعاه زوجك وأنتِ تقيمين له احتفالًا بمناسبة حضوره.
_أنه صديق مقرب جدًا لمصطفى و لكنه كان مسافرًا بالخارج منذ مدة.
_آها ، أنتِ تعدين حفل استقبال له.
ضحكت سهى بمرح : هيا ساعديني حتى تنتهي قبل أن يأتيا.

**
بعد مرور قليلًا من الوقت...

كانت تعد هي و سهى المائدة وتضع الأطباق عليها ليرن جرس الباب معلنًا عن وصول مصطفى والزائر المنتظر .
عدلت سهى من وضع حجابها وتقدمت إلى الباب لتستقبل زوجها هو وضيفه.
وقفت هي بجانب والدتها و هي ترسم ابتسامه هادئة ودودة ، لتموت الابتسامة على شفتيها ويهوى قلبها أرضًا و بدأت بتعريفه على باقي العائلة.
_هذه أمي.
هز رأسه ترحيبًا : أهلًا سيدتي تشرفت بمعرفتك.
_و هذه أختي المهندسة منى .
نظر إليها طويلًا ليرفع يده ليصافحها بها
تشعر أن الغرفة ضاقت فجأة ولم يعد هناك هواء للتنفس رفعت يدها بتردد لتلمس أناملها الباردة يده الدافئة بسرعه وتعيدها إلى جوارها فهي غير قادرة على لمسه بعد هذه الفترة الطويلة.
استأذنت بهدوء لتدخل إلى غرفتها حتى تستطيع الانفراد بنفسها و تحاول السيطرة على أعصابها قليلا ، فلا تريد الظهور بشكل عاجز عن التصرف ولا تريده أن يشعر كم هي متلهفة للقائه .
جلست على فراشها و هي تغالب دموعها التي على وشك الانهمار ، كم من الوقت مضى وهي تتوق لهذا اللقاء
كم مرة استعدت أن تقابله ولو صدفه وهي تسير بالشارع
كم مرة منت نفسها بأنه سيعود لها و يبدي أنه نادم على تركها وحيدة تعصف بها الأيام.
ليعود بعد كل هذه الأيام وأمنياتها التي تبخرت كالماء ويقتحم حياتها فجأة معلنًا عن ظهوره الذي طالما انتظرته ، و يتركها كأوراق الخريف الجافه مبعثرة وساقطة على الأرض.
ابتسمت ابتسامه شفافة ساحرة ، عندما تدفقت الذكريات إليها.

فقبل عشر سنوات ....

واقفه بحرم كلية الهندسة مع زميلاتها يتعارفن على بعضهن ، فهن جديدات على المجتمع الجامعي وتصيبهن حيرة شديدة بالتعامل لازالوا لا يعلمون أي شيء عن هذه الحياة الجديدة بالنسبة إليهن اقترب بعض الشباب ناحيتهن
بدأ احدهم : السلام عليكم ، مرحبًا بكن في كليتنا سنقيم حفل لترحيب بالطلبة الجدد وندعوكم لها وأي شيء تريدون به مساعدة نحن في الخدمة.
بدأ الشباب بتقديم أنفسهم لتلمحه هو واقف بعيد عنهم ولا يبدي أي بادرة للحديث و لا لتقديم نفسه لهم.
لا تهتم لأمره كثيرًا ، فهي من الأساس لا تريد معرفة أيًا منهم ، تريد الدراسة فقط .
لا تنكر أنها أعجبت بشكله وملامحه من النظرة الأولى ولكنها لم تبدي اهتمامها به ، فهو وسيم إلى حد كبير ، أبيض البشرة شعره أسود ناعم و لكنها لم تستطع تبين لون عيناه ، فكانت المسافة عائقا أمامها.

**

بعد عدة أسابيع كانت جالسه بمكتبة الكلية تعمل على بحث هام لتشعر بأن هناك أعين تراقبها ، رفعت عيناها لترى من هذا و لكنها لم تجد أي شخص أمامها.
هزت كتفيها بعدم اهتمام ، لتفاجئ به يجلس بالكرسي المجاور وهو يقول بصوت منخفض : أنتِ سائرة على منهج خاطئ يا بشمهندسة فهذا البحث يتطلب منكِ مجهودًا أكثر من ذلك.
رفعت عيناها بدهشة لتنظر إليه متعجبة من وقاحته وطريقته المستفزة في اقتحام خصوصيتها
أرادت ان ترد عليه بما يليق بأسلوبه الوقح و لكنها لم تشأ أن تفتعل المشاكل في المكتبة ، حدثت نفسها لا تهتمي به ، فمن المؤكد والواضح أنه أحمق
لملمت أشياءها وقامت لتغادر المكان و عند خروجها من المكتبة فوجئت به يتبعها
وهو ينادي : آنسه منى ، من فضلك توقفي قليلًا.
جزت على أسنانها غضبًا لتلتفت إليه وهي تحاول السيطرة على أعصابها و قالت بحدة : نعم ماذا تريد ؟
لتذهب حدتها أدراج الرياح عندما رسم ابتسامه رقيقة هادئة على شفتيه لتجعله يزداد وسامه وعيناه البنيه تلمع كسائل الشيكولاته الشهي وهو يقول بهدوء : اهدئي من فضلك ، أنا لم أتعمده مضايقتك ، كنت أقدم لكِ النصيحة لا أكثر .
مد يده لها بكتاب كبير وهو يقول بأدب : تفضلي هذا المرجع سيفيد بحثك.
المعذرة مرة أخرى على ازعاجك .
انصرف من أمامها بهدوء و هي واقفة كالتمثال لا تعلم ماذا تفعل فوجوده بهذا القرب وابتسامته الساحرة جعلاها غير قادرة على التحرك.
عند رجوعها للمنزل وتصفحها للمرجع ، اكتشفت أنه محق فهذا ما كان تريده بالضبط لإنهاء بحثها على أكمل وجه.
أخذت تؤنب نفسها فهي كانت في منتهى الوقاحة بالرغم أنه كان في منتهى التهذيب قررت أنها ستعيد إليه المرجع غدًا و تعتذر منه على ما فعلته
تنبهت على صوت باب الحجرة يُفتح و سهى تقول بمرح :
_منى ، هيا الغداء جاهز، و  ونحن ننتظرك.
تنحنحت لتقول بصوت منخفض: حاضر.
سيطرت على أعصابها وخرجت وهي تحدث نفسها اهدئي وتعاملي بعقلانية .
ولا تدعيه يرى أنكِ تتذكرينه فهو أصبح لا أحد بحياتك
تذكري الليالي الطويلة التي قضيتيها وأنتِ تتألمين وتبكين حتى جفت دموعك ، حتى توقف قلبك عن النبض ، حتى فقدتي الإحساس والشعور بكل ما يدور من حولك ، لن تكوني ضعيفة بعد الآن ، وأريه أنكِ أصبحتِ قوية من دونه ولا تهتمي فوجوده من عدمه لا فرق بينهما .
دلفت إلى حجرة الطعام بهدوء وهي لا تستطيع النظر إليه ولا رفع بصرها لتقول سهى بهدوء : هيا الطعام جاهز ، تفضلوا .
جلسوا جميعًا إلى المائدة وتناولوا الطعام وتجاذب الحديث .
تجنبت التحدث معهم و لكن وصول صوته الرخيم المحبب إليها جعل حواسها تتوقف عن العمل و هو يمزح مع مصطفى  ويتكلم مع أمها بأدب جم.
لطالما عشقت صوته وأسلوبه المهذب في الحديث وهذا ما جعلها تعجب به في اول معرفتها به تذكرت عندما بحثت عنه ثاني يوم بالجامعة لتعيد إليه المرجع وتشكره وتعتذر منه عن أسلوبها الجاف البارحة.
وكيف هو قابلها بابتسامة هادئة ودودة و تكلم معها بأدب جم وتهذيب رائع وعندما همت بالاعتذار ، أشار لها بيده اشارة حازمه و هو يقول : لا تعتذري يا آنسة ، فأنت تصرفت بطبيعية وأنا من تطفل في الأساس عليكِ ، ولكني كنت أريد مصلحتك لا أكثر ، أنا من يجب عليه الاعتذار على اقتحامي لخصوصيتك البارحة .
ابتسمت بهدوء: لا تعتذر يا بشمهندس ، وشكرًا مرة أخرى.
ابتسم ابتسامه رائعة :_ حسنًا ، نحن أصدقاء الآن.
هزت رأسها بهدوء و انصرفت من أمامه.
انتبهت على صوت سهى :_ منى، المهندس أحمد يكلمك .
_ها ، المعذرة لم أكن منتبهه.
ولأول مره ترفع نظرها إليه ، لتشتبك عيناهما معًا.
نظر إليها بدفء كما اعتادت ليسألها بهدوء: أسألك أين تعملين يا آنسه ؟!
قالت ببرود :_ بشمهندسه من فضلك ، وأعمل في شركه الحسام للديكور.
رد بنبرة واثقة : نعم أعلم أنكِ مهندسة ديكور.
خفض بصره بطريقة مقصودة لينظر إلى القلادة التي تزين رقبتها و ابتسم ابتسامه رائعة و هو ينظر إليها بنظرة ذات مغزى عميق لترتبك .
مدت يدها تضعها على القلادة وتتمنى أن تكون انتبهت إليها بالداخل ونزعتها عن عنقها.
تمنت في هذه اللحظة أن تشطر هذه القلادة إلى نصفين .
تنهدت داخليًا و هي تتذكر هذه القلادة ، وأنها أول هدية تلقتها منه يوم عيد ميلادها الواحد والعشرين ، كم كانت سعيدة بها ووعدته أنها لن تنزعها عن عنقها أبدًا بعد أن ألبسها إياها ، وللأسف هي صدقت وعدها .
ولكنه دمر جميع الوعود وهي من غبائها إلى أن ترتديها .
تنبهت على صوت سهى يناديها
_منى ، منى .
_نعم ، ماذا هناك ؟
ليرد هو بابتسامه : من الواضح أن شيء هام يشغل تفكيرك يا بشمهندسه .
ردت ببرود :_ لا يوجد أي شيئًا هام يشغل تفكيري ولكني أريد النوم فأنا متعبه.
انتفضت واقفة ، وهي تقول بلهجه جافه : اعذروني ، بعد إذنكم .
دخلت إلى غرفتها في عاصفه من مشاعرها كانت تريد الاستمرار بالجلوس وهي تراقبه بتوتر فهي اشتاقت إليه جدًا ، اشتاقت إلى نبرة صوته ، ولباقته في الحديث ومزاحه الرائع وهي أيضًا تريد تكسير رأسه وصفعه ونعته بأفظع الشتائم على ما فعله معها وتركه لها فقلبها يهتف بحبها له وعقلها يزأر بكراهيته ولا تعلم ماذا تفعل ؟
لماذا عاد الآن ، بعد أن بدأت تأقلم حياتها على عدم عودته وأنه تناساها يظهر فجأة ليقلب حياتها رأسًا على عقب وتندفع مشاعرها كشلال يغمرها و يسحبها إلى تياره إلى بحره الذي لا قاع له ، فإما أن تغرق به أو تتثبت به لتصل إلى بر نجاته ، وهي تفضل الغرق على أن تتثبت به .
بعد فترة من الوقت استأذن صديقه وانصرف .
ركب سيارته و هو يفكر بها ، لم يتوقع أنه يتقابل معها بعد هذه الفترة الطويلة.
كم كانت جميله اليوم ، شعرها البني الغامق المسترسل على أكتافها مع بياض بشرتها وعيناها الكهرمانيه تتألق بلمعة الغضب ، انتبه وهو يستعيد صورتها بمخيلته ان هناك شيء مختلف بها .
ابتسم بسعادة وهو يعرف الجواب على الفور ليعقد حاجبيه بدهشة و يتساءل أين ذهب النمش الذي كان يمطر وجهها المزين بالنمش ليظهرها كطفلة بريئة من الواضح أنه اختفي ليجعلها تختلف عن سابق عهدها ويتركها أنثى كاملة تهدم حصون أقوى الرجال.
كان يأس من هذا اللقاء
فبعد آخر مرة تقابلا والمشاجرة التي حدثت بينهما لمدة شهرين حاول أن يقابلها أكثر من مرة أو يتصل بها ولم يستطع ، ذهب إلى الجامعة أكثر من مرة أو يتصل بها ولم يستطع ، ذهب إلى الجامعة أكثر من مرة أيضًا في مواعيد مقابلتهم المتفق عليها و لكنها لم تأتِ ولا مرة .
تنهد بألم وهو يتذكر أحمق قرار اتخذه بحياته في وقت تملك الغضب منه ، و تحكم به كبرياؤه ليأخذ قرار أن يتزوج ويسافر ويترك مصر وهي من وراءه يعترف الآن بغبائه و سوء تصرفه فلم يذق طعم السعادة بعدها ، حتى زواجه كان فاشل بكل المقاييس ، زوجته نفسها شعرت بأن هناك أحدًا آخر بقلبه غيرها وطلبت الانفصال منه وهو لم يمانع إطلاقًا بل لبى طلبها بطواعية فهو الآخر لم يكن يريد الاستمرار بهذه التمثيلية الحمقاء حدث نفسه والآن يا أحمد ما العمل ، أنت تريد استعادتها إلى حياتك ، ومن الواضح أنها ستكون مهمة صعبه جدًا ، بل من أصعب المهام .
ابتسم لنفسه بمرآة السيارة الأمامية: هي أغلى ما في حياتي وتستحق أن أفني عمري كله من أجل أن أستعيدها إلى حياتي .
ولكنه فرح اليوم فلولا قبوله لدعوة مصطفى لنا كان رآها وبخ نفسه على رفضه للدعوة من قبل أكثر من مرة فمنذ رجوعه من الخارج ، ليعمل في أحد المصانع ومقابلته لمصطفى والأخير يلح عليه بأن يأتي للغداء عنده ، فمصطفى صديقه من أيام الدراسة الثانوية كانا يرتادا نفس المدرسة ليفترقا عند دخول الجامعة هو يدخل إلى كلية الهندسة و يصبح مهندس في ميكانيكا الإنتاج ، و الآخر يدخل إلى كلية التجارة ويصبح محاسبًا ولكن هناك شيء لم يفهمه ، لما هي متواجدة عند أختها تذكر اسم الشركة التي تعمل بها ، سيكلف أحد غدًا لمعرفة عنوان الشركة وسيذهب إليها ، يعرف أنها سترفض مقابلته و لكنه سيحاول معها مرارًا و تكرارًا إلى أن تقبل لن أيأس حبيبتي مهما كلفني الأمر
لن أيأس حتى لو طلبتي مني أن أعبر كل حدود الأرض
لن أيأس حبيبتي فأنتِ لدي أغلى من كل نفيس
لن أيأس حبيبتي لأني أعيش أبكي وأموت من دونك.
جالسه بفراشها غرفتها مظلمه إلا من ضوء طفيف ينبعث من مصباح صغير بجانب الفراش تبكي بصمت.
كم تشعر بأن روحها ممزقه مشطوره إلى نصفين تمسك القلادة  المقطوعة  بأطراف أصابعها وتبكي عليها وعلى حالها فبعد دخولها العاصف إلى الغرفة وقفت أمام المرآه لتغتالها ذكرى عيد ميلادها.
كانت أول مره توافق على مقابلته خارج أسوار الجامعة لم يطلب منها ولا مره المقابلة بالخارج ولكن هذه المرة ألح عليها واستحلفها بالله أن توافق على دعوته لها على الغداء وهو يؤكد لها أنهما سيذهبان إلى مكان مفتوح به ناس كالجامعة بالضبط  لا فارق بينهما.
كان يعمل حينها مهندسًا بأحد المصانع الكبرى فهو تخرج منذ سنتين وهي الآن بالسنه الرابعة وباقي لها سنه على التخرج.
تألقت في الصباح وارتدت بنطلون قماش أسود اللون يعلوه قميص حريري بألوان ربيعيه أضفى على وجهها اشراقه طبيعية وزاد من لون خداها الوردي تزينت بزينه هادئة تبين جمالها وتظهره.
تقابلا بالجامعة كالعادة بعد ما انتهت من حضور محاضراتها ليخطف أنفاسها برؤيته لا تنكر أنه ازداد وسامه فكلما يزيد سنه تزيد وسامته ورجولته التي تعشقها.
ابتسم لها بهدوء: كل سنه وأنتِ طيبه.
قالت بخجل : وأنت طيب.
أشار لها برأسه :هيا بنا.
ذهب بها إلى مطعم فاخر يقع على ضفاف النيل كان الجو رائعًا وبعد تناول الغداء قدم لها هذه القلادة قلب أبيض مزين بفصوص صغيره كهرمانيه اللون وهمس لها وهو يلبسها إياها: ذكرتني بلون عيناكِ.
ابتسمت بخجل واللون الأحمر يكسي وجهها : شكرًا لم يكن هناك داعٍ لكل هذا التعب.
عقد حاجبيه : كيف هل لدي ما هو أغلى منكِ ؟!
خفضت بصرها ليهمس: لها بالطبع لا أنتِ أغلى لدي من حياتي.
وضع يده تحت ذقنها ليرفع رأسها إليه : منى أريد أن أتزوجك .
رمشت بعينيها من المفاجأة ليكمل هو:  أنا الآن أعمل الحمدلله ، راتبي معقول ، وسننتظر سنه أخرى لتتخرجي ونبني بيتنا معًا ما رأيك هل أنتِ موافقه؟!
هتفت بسعادة : طبعًا ولكن انتظر إلى أن أنهي دراستي فإذا تقدمت الآن سيرفضك أبي.
سأل باستنكار: لماذا؟!
_يريد أن أنهي دراستي أولًا حتى لا يمنعني ولا يؤخرني شيء عنها.
رد بعدم اقتناع : حسنًا لا ضرر من الإنتظار سنه أخرى حتى أكون رتبت أمور عملي واستطعت أن أدبر أمر الشقة.
ابتسمت بسعادة ليسألها هو بحب :_هل أستطيع الآن أن أناديكِ بحبيبتي أم ستغضبين؟!
قالت بابتسامه خجولة : انتظر إلى السنه القادمة.
اجهشت بالبكاء أمام  المرآه وهي تتذكر هذا اليوم كأنه البارحة لتغتا لها ذكرى مريره أخرى وهي تتذكر يوم سماعها بخبر زواجه من أخرى كانت الصدمة عليها قاسيه موجعه لم تستطع تحملها ودخلت على إثرها إلى المستشفى بانهيار عصبي الجميع حينها أرجعوا هذا إلى وفاه والدها ولم يكتشف أحد أنه هو السبب الرئيسي .
فبعد أن أنهت آخر سنه دراسية لها ، تعب والدها فجأة لتدخل هي بدوامه مرض والدها وتعبه وطلب أحمد منها أكثر من مره أن يقابل والدتها ليطلبها منها وعلى الأقل أن يكون بجانبهم في هذه الظروف ولكن الظروف لم تكن تسمح أن تناقش والدتها بأمر مثل زواجها الآن،  طلبت منه الانتظار ثم الانتظار ، ليفاجئها يومًا بأن اتصل على تليفون المنزل رغم أنها كانت تشدد عليها عدم حدوث هذا الأمر
_منى أريد أن أقابلك اليوم .
_ماذا حدث أحمد ؟! أنت تعلم أني مشغولة بأبي ومرضه.
_ لابد أن نتقابل ضروريًا.
_ حسنًا انتظرني بالجامعة الساعة الثانية  ولكني لن أستطيع أن أتأخر سأغادر بعد نصف ساعه أنت تعلم الظروف التي نمر بها .
قال بضيق :حسنًا.
وفعلًا ذهبت إليه يومها ليفاجئها بأنه قَبل أن يذهب إلى البعثة المغادرة إلى ألمانيا وأيضًا قريب لديه وفر له فرصه عمل هناك سيسافر ليدرس ويعمل كما كان يحلم دائمًا .
قالت بهدوء وهي ترسم شبح ابتسامه على شفتيها وتحاول أن تخفي ما بصدرها : مبروك.
_ لم آتي بكِ إلى هنا لتباركِ لي ،  أنا أريد أن نتزوج قبل سفري .

صاحب بدهشه : ماذا ؟!

لتكمل بجديه:  أحمد أنت تستوعب ما تقوله ،  أبي مريض وحالته كل يوم تتدهور عن اليوم الماضي ، وأنت تكلمني بزواج وارتباط .
_ حسنًا منى،  أخطبك مجرد خطبه ، قراءه فاتحه أي شيء رسمي وسأحاول بقدر استطاعتي بعد ترتيب  أموري هناك أن آتي ونتزوج ونسافر سويًا أو تأتي لي أنتِ لا تهم الطريقة المهم أن نصبح معًا.
ردت  بانفجار (وهي لا تعلم إلى الآن ما الأمر الذي جعلها تتشاجر معه هل كانت مضغوطة عصبيًا إلى هذا الحد أم لم تحتمل فكره أن تبتعد عن أهلها ولكن ما تعلمه أنها دقت أول وآخر مسمار في علاقتهما)  وهي تصيح بوجهه :_ لم أكن اتصور أنك بكل هذه الأنانية،  هل لديك مشاعر كباقي البشر ، كل ما تفكر به هو نفسك عملك ،دراستك، سفرك  ، وأنا لا يهم أبي مريض وأترك أهلي وأسافر معك ، أتملص من مسؤولياتي تجاه أمي واختي لا يهم المهم ما تريده أنت .
جز على أسنانه غضبًا : أخفضي صوتك واستمعي إلي.
أشاحت  بيدها له وهي تكمل صائحة:  لا أريد سماعك ولا أريد رؤيتك بعد الآن.
انصرفت وهي تشعر بغضب عارم يعصف بها تعلم أنها غلطت بحقه والأمر لم يستحق انفعالها هذا فبعد أن عادت وهدأت من ثوره انفعالها اعترفت بأنها مختار ولكن ما المها حقا انه لم يتصل بها ولا مره بعد ذلك وعلى نهاية هذا الشهر المشؤوم توفي والدها لتشعر بأن الحزن يعصف بها وبحياتها.
وفي يوم اتصلت إحدى صديقتها من الجامعة وهي تضحك وتبارك لها.
_علام تباركين لي؟!
ردت الصديقة بمرح: أنتِ لا تريدين إخباري بزواجك منى  عيبًا عليكِ.
رددت بدهشه: زواجي؟!
ردت الصديقة هذه المرة وهي غاضبه:  نعم أنا علمت أن أحمد عقد قرانه اليوم وصراحةً غضبت منك أنكِ لم تدعونا على عقد قرانك.
شعرت بأن قلبها يأن  من الألم وروحها تزهق رجليها لا تحمل وزنها  المحمل بالأحزان وأطرافها ترتعش كطفل صغير يجلس عاريًا بليله شتاء بارده اقتربت أنفاسها ولم تستطيع التنفس وسقطت مغشيًا عليها.
نظرت إلى المرآه لتجهش أكثر بالبكاء وتمد يدها للقلادة بعنقها وتشدها بعنف إثر هذه الذكرى العنيفة عليها لينشطر السلسال بيدها إلى نصفين كروحها المشطورة إلى نصفين.
****

نوفيلا .. لماذا عدت Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin