تفطن

32 12 8
                                    

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ .
.
.
.

مع بزوغ الفجر نسجت السماء ثوب حريري مخملي من أشعة شروق الشمس، وألقته على الطبيعة فدغدغت أجفان النيام وأيقضت سكان القرى وأقبل كل واحد لعمله بصحة وسلام، إلا حبيبتي لا زالت نائمة أيقضتها لكنها لم تأبى النهوض فبقيت أحدثها
-استيقظي يا طفلتي هيا لتنهضي ولتتركي مخدعك إن أحلامك تناديك من وراء الجبال الشاهقة وتأمرك بأن تأتي لتحققيها وتسعدي بظفرها، كفاك نوما وهيا لتقبلي على عملك بنية الظفر بأمانيك
-سمعت نداءها وأحسست بكلمات أمي التي تداعب جوارحي فتزيد همتي فأفقت، وسرت على الأعشاب الخضراء فتبللت أقدامي بالندى، غسلت وجهي عند حافة الوادي فإنعكست صورتي على سطحه الهادي فرأيت آية في الجمال تأملتها بضع دقائق لأدرك أنها أنا...
ارتديت ثوبي الأبيض المطرز وسرحت شعري المموج وفردته وارتديت حذائي الكلاسيكي ووضعت ألتي الوترية "كماني" ومعه روايتي المفضلة "ألينور" وخرجت وانا أردد بعض الأغاني الشعبية وفي كل مرة أجمع بعض اللوز حتى إمتلأت حقيبتي فلمحتني صاحبة البستان وهرولت ورائي لتمسكني لكنني هربت منها لحسن حظي بعد ساعاتين من السير المتقطع، وصلت للمكان المحدد ولجته لأتصادف بحشد كثير وهم ينتظرون فنانتهم "أفنان" لتطرب مسامعهم الشجية وتغذي جوارحهم وتزهر دواخلهم، على منبر المسرح حلم فتاة يتمايل مع اللحن في عمر الزهور قررت أن تسمع صوتها للعلن وهي تغني وتنشد لمطلع الفلق، والكل منذهل بعذوبة هذه الحنجرة فلقبوني بطائر الدج، وضعو لي أكاليل وألقوها في عنقي حتى إمتلأ فلم أعد أقدر على التنفس إلا أنني لم ارد إحزانهم بنزعي لها، لذا فضلت التسلل والهرب عن طريق الغابة فضلت أن اسلك الروابي وتلك الظلمات على أن احزن أحدهم، وليتني لم أفعل وواجهت وتعلمت قول لا لم حدث لي هذا لأن تصرفي السخيف جلب لي سوى البلاء، ظل طويل ظهر أمامي ولكنه إختفى بلمح البصر وترك أثره على يدي اليسرى، لم اكترث وعدت إلى الديار يومها،
وذات صباح كنت أغني والكهوف ترجع لي صدى ألحاني العذبة والفراشات تحوم بي والحيوانات تتبعني، كانت الطبيعة بأسرها تسمع لطربي، حتى أن الأبقار غادرت مضاربها والأغنام حظائرها وراحت تبحث عني بين السهول الخضراء المملوء بالنرجس معتقدة أنني واحدة منها، حين انبسطت الأشعت فوق المنازل المكردسة وأزاحت ستائر النوافذ المغلقة فتحت الأبواب على مصرعيها وظهرت الوجوه القاتمة والعيون الخبيثة، اتجهوا إلى تلك المسكينة  وهم حاملين سيوفهم الصارمة فقتلوها وتناثرت أشلاءها وروت دماءها جذور الأشجار، قطعوا رأسها وعلقوه أمام مدخل القرية لتكون عبرة للجميع،
لكن ما ذنبها؟! كل ما فعلته أنها وافقت على أن تغني أغنية الحاكم في حفلها وقد فعلت، يا لها من صغيرة لم تقرأ ما بين الأسطر ولم تنتبه لما تخفيه تلك الألحان الموجعة فباتت في التراب نائمة،
وكتب في شرجعها هذا جزاء من لا يقول لا وينجز مالا يعرفه أبدا.

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Nov 19, 2022 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

تفطنWhere stories live. Discover now