[ الغَرِيبْ ]

195 22 41
                                    

_______

رتبتُ ملابسي بدقة ووضعتُ صندلاً بسيطاً بجانبهم وتخليتُ عن فكرةِ أخذِ بقيةِ أحذيتي. أغلقتُ الحقيبة بسهولة لأنني لم أضعْ الكثير بل فقط إكتفيتُ بما أحتاجُه طوال الأسبوع بعدها أعدتُ حاجيات الغُرفةِ المرمية بعشوائية بمكانها الصحيح. إرتديتُ سترتي ووِشاحي وتمسْكتُ بحقيبتي الصغيرة حيث أضعُ حاجياتي المهمة.

تمعنْتُ في غرفتي لآخر مرة مودعةً إياها ثم أغلقتُ الباب ساحِبةً الحقيبة الكبيرة التي ملئتُها بملابسي وبعِدةِ كُتب، ما إنْ وصلتُ لبدايةِ الُدرج حتى حملتُها بصعوبة وأنزلتُها معي نحو الطابق السُفلي وحدقتيَّ تتحركُ بجنون لعلها تُمسِكُ بظِلِّ والدي لكنني لم أره.

تنفستُ براحة بعدها أغلقتُ سُترتي الشتوية الثخينة ولففتُ الوشاح حول رقبتي بإحكام كي لا يستطيع البردُ الوصول لصدري والتسبُبَ بإطاحتي فراشاً. خرجتُ من المنزل ولأول مرة إستطعتُ منع نفسي من إلقاءِ نظرةٍ أخيرة عليه وبدل ذلك ركِبتُ سيارة الأُجرة التي طلبتُها بدون أن ألتف.

أكرهُ منزلنا، لا أعلمُ إذا يصُحُّ أصلاً بأن أنعتَهُ بالمنزل فمعنى الإسم أعمق بكثير من مفهومِ منزلي الخاص، البيتُ دافئ ويغمرهُ الأمانُ والطمأنينة لكن هذا يتعارضُ ما يجُول بداخلِ بيتنا. لا أحبذُ النوم فيهِ حتى... وأكرهُ كيف أنني أرجعُ له دائماً مهما حاولتُ إيجاد أماكن أخرى لتحتويني.

وكأنني مُقيدةٌ بسلاسل.

مهما حاولتُ الإبتعاد، سأعودُ لهُ لا مفر.

تركتُ السائق يقومُ بوضعِ الحقيبة بالصُندوق الخلفي ووضعتُ السماعات بأُذني راميةً رأسي على النافذة الزجاجية والتي كانت تقطِرُ من المطر ويستعمِرُ الضبابُ سطحها.

هذا غريب.

أشعرُ بالغرابة مع أنَّ كل شيء طبيعي وأراهُ يومياً لكن شعورَ الغرابةِ وعدمُ الإنتماءُ زارني وأنا اُحملق بالنافذة وما خارجها.

مررتُ أنا وسائق الأجرة بالعديد من الناس بالشوارع ليغيبوا عن مرآنا أخيراً عُندما دخلنا بالطريق السريع، ومُجدداً الكثيرُ من السيارات التي تحتوي على أرواحٍ مُختلفة وقِصصٌ مميزة. سواء كانت مميزةً لسوئِها أو لِجمالها.

من المُذهِلِ أن لُكلِ واحدٍ منا قصة.

أوصلني السائق بسلام للمطار فشكرتهُ مُعطيةً ثمن توصيلتهِ الخفيفة بعدها إنتشلتُ حقيبتي الرمادية من الصندوق ومشيتُ مُتوجهةً ناحية البوابة والسماعات مازالتْ بأُذنيَّ. صوتُ المغنية الحزين والكئيب إخترق روحي جاعلاً إياها تهتزُ وترتعشُ بألم.

|| إجتِثاثٌ ||حيث تعيش القصص. اكتشف الآن