الفصل 01

806 36 3
                                    


نظر الى المرآة و شتم نفسه التي تشبهه بأقبح الأوصاف .

نظرة الكراهية و الحقد التي ينظر بها الى نفسه المنعكسة ليست بالشيئ الهين و كأنه يتخيله يحترق في بحر النيران ...

لماذا يحصل توأمه على كل شيئ بينما هو يأخذ البقايا التي يتركها ؟! هل هذا لأنه ولد بدقيقتين قبله فقط ؟!

" اللعنة !!!" حطم المرآة و أصبحت شظايا كأخواتها .

عدل أصفاد بدلته و خرج من الغرفة ببرود و هيبة الى بهو الفيلا الواسع ، لقد كان فارغا و لا وجود لأي مخلوق متحرك سواه .

يعجبه الأمر  هكذا ، لكن ركن في قلبه يخبره أن هذا القصر يحتاج شيئاً آخر ، شيئًا يحتاجه أكثر من الثروة و النفوذ ، لكن ... ما من فكرة لديه عن ماهيته .

.
.
.

كان يقود سيارته الفاخرة الى شركته الخاصة ، كانت الساعة الخامسة صباحا و السماء ما تزال مظلمة .

‏ رأى من بعيد الإشارة تتحول الى الون الأحمر ، لم يكن هناك مارة فاستمر بالتقدم ، في لحظة ... رأى جسما صغيرا يصطدم بمقدمة السيارة و يطير بعيدا .

‏داس على المكابح بسرعة و هو يتنفس بقوة ... تدفقت ذكريات تلك الليلة كالمد الى عقله ، بدأ كفيه يتصببان عرقا باردا و جسده بالارتجاف ... أصبحت رؤيته ضبابية ...
‏تمتم بصوت خفيض و أجش :" لقد قتلته ... قتلته ... نعم ، لقد قتلته ... لم يعد له وجود لقد مات ... مات على يداي و أخذت منه كل شيئ ... أنا من قتلته ههههههه " .


كانت النظرة التي في عينيه مرعبة و محتقرة ، كأنه يرى ... ألد أعدائه يتعذب أمامه .

‏صدحت ضحكاته المجنونة في الطريق الهادئ .

.
.
.

خرج من السيارة ببرود و كأنه ليس نفس الشخص المجنون منذ لحظات .

تقدم من ذلك الجسد الضئيل المرمى وسط الطريق العام بخطوات ثابتة تقرع من قعر الجحيم ... جحيمه الأبدي .

توقفت خطواته على بركة الدماء ، لمعت عيناه ببريق غريب ... نظر الى شعر الفتاة الطويل المتناثر على وجهها كان يبدو كالحرير الأسود .

‏قرفص و رأى ما كانت الفتاة تحميه بين يديها كانت كرة من الفرو الأسود الناعم ... عندما أصدرت كرة الفور مواءا ناعما و حليبيا أدرك انها ليست شيئا بل هرة ... إحدى المخلوقات الأليفة اللزجة .

‏لم يهتم بهذا الحيوان الصغير ، كان عليه أن يهتم بصاحبه و يسوي الأمور القانونية معه ، لكن أولا ... لينظر إن كان حيا أم ميتا .

‏أبعد الشعر الأسود المتسبسب عن الوجه الصغير ، أخذ نفسا عميقا لدرجة إصداره صوت صفير في الهواء ، ما رآه لم تكن مجرد فتاة ... كان وجهها فقط فتنة !!

‏ بعد أن اكتشف أفكاره أبعدها عن عقله بوجه أسود ، توجهت يده الى رقبتها يريد قياس النبض ، لكنها توقفت في منتصف الطريق و تعمقت عيونه تطلق شررا حارقا ...  تلك الرقبة البيضاء النحيلة و الرشيقة شوهت ببصمات أصابع ، عرف من خلالها أنها تعرضت للخنق .

من هو اللعين الذي يفعل هذا بفتاة !؟ لو كان صبيا لتفهم الأمر ، لكنها أنثى ... في نظره الأنثى مجرد شيئ هش يتأذى من بضع كلمات فما بالك بالعنف ؟! شيئ يحتاج الصبر و العناية اللازمة ... و لهذا السبب يكره قربهن منه .

حملها بين يديه ، كانت خفيفة لدرجة أنه بالكاد شعر بها .

‏حينما أسندها الى صدره الواسع ، أصدرت شخيرا ناعما اعتقده للحظة موائا صادرا من الهرة التي ما تزال تحتضنها بقوة ، خفض رأسه ليلتقي بعيون رمادية براقة غائمة اعتقد لوهلة أنه رأى السماء المرصعة بالنجوم ... توقف زمنه تلك اللحظة حتى انه نسي كيف يتنفس .

‏أصبح قلبه ينبض بجنون ، و أحس أنه منتشي ، لم تترك نظراته عينيها حتى بعد أن عادتا مغمضتين .

‏كان يبدو في هذه اللحظة ، و كأنه عابد زاهد يجثو تحت الضريح يدعي إلهه أن يمنحه الرحمة .

‏ هذا ما كان يحتاجه قصره ليصبح مكتملا  ...

‏ قربها أكثر الى صدره و شعر بعاطفة غريبة لكن عميقة ، و لأنه رجل يتبع غرائزه لا المنطق فقد وضع جبهته على جبهتها يكرر ما أدركه في قلبه الآن ، بنظرة مهووسة ، مجنونة لكن لطيفة أخذ يقول :" أنتِ لي ... أعلم أنكِ لي !" .

‏.
‏.
‏.

‏هي قطعة البازل المفقودة من قلبه .

الهوس المجنون حيث تعيش القصص. اكتشف الآن