( الجزء السابع عشر )

1.9K 263 13
                                    

                              ( العملاق )

وفي اليوم الثالث الذي كنت انفذ به وعدي لها ، واكسر جميع زجاجات الخمور من النافذة ، استفاقت طفلتي وتحركت ، ارتبكت كثيراً ، وتوقفت عن تكسير الزجاجات ، كنت خائفاً عليها ، ومن فزعها ، شعرت باهتزازها ، ورجفتها ، من خوفها ، فاخذت غطاء كنت قد صنعته لها من أوراق الشجر يناسب حجمها ، ووضعته عليها كي تشعر بالأمان ، وتعرف أنني لا اريد بها سوء ، وغادرت الغرفة كي تتحرك ، وتفكر جيداً ، ولكنها هربت كما توقعت ، كنت اريد تركها ترحل ، لكني أردت الحديث معها ولو لمرة واحدة ، ربما تعذرني عما فعلته بها ، امرت صيادي بجلبها مرة أخري من الشاطئ ، وبالفعل لم يمر وقت كبير وعاد بها في غرفتي ، تنزف الدماء من قدمها ، وفي حالة من الفزع ، والخوف مني ، كما سمعت أفكارها حينها ، وهي أحدي الهيبات التي لم افصح عنها...

عندما قلت لها ( لا تخافي ) ، كنت أريد أن أقول (الأطفال لا يهابون آباءهم ، ارجوكِ لا تخافي)  ، ولكني نطقت بما يمكنني قوله ، بكاءها كان يمزقني ، كأنها قطرات من نار تراها عيني ، لكن تتساقط علي قلبي .. 

كانت هذه المرة الأولي التي تكلم بها قلبي مع شخص غيري ، أفصحت لها عن كل ما بجبعتي ، عيناها كانت تشجعني للتحدث أكثر معها ، كنت أشعر أنني إذا أفرغت كل ما اريد قوله ، ستمر سنين ، ولن ينتهي كلامي معها ..

لم اتوقع رد فعلها عندما انتهيت
لقد تقبلتني ، تقبلتني طفلتي ، ولن تخاف ، كان هذا بمثابة الشعور الاعظم لدى ، لم أشعر بشيء مثله من قبل ، تلك المشاكسة الصغيرة فعلت بقلبي شئ عظيم ، جعلتني جميلاً لأجلها ...

وعندما حملتها لأول مرة بين يدي ، وفقدت وعيها مرة أخري ، فزع قلبي خوفاً من فقدها ، أنا من اعتاد الفقد والوحدة ، رق قلبي ، ودق الخوف أبوابه بسببها ..

فحصتها بعيني ولم اتوقع ان اري مثل هذا في يوم ، تلك القطعة  المستديرة الضعيفة التي تنبض بجوفها ،  وبها بعض المشاكل التكوينية ، وبرغم معرفتي جيداً أن هذا حدث نتيجة ضعف جسدها ، إلا أنني شعرت أن هذا حدث بسببي ، لذلك حملت نفسي مسؤوليتها ، ومسؤولية صحة جنينها الي أن يكتمل ..

وعندما أخبرتها ، وخيرتها أن تبقي تحت رعايتي أو ترحل ، كان داخلي يحتاج بقوة لوجودها ، وللمرة الثانية لم تخذلني (صغيرتي ) ، واختارت البقاء معي بإرادتها دون خوف ، ومنذ هذا اليوم انقسم قلبي بينها وبين جنينها

في الأيام الأولي كنت احب مشاركتها معي في كل شئ ، وكلما كبر جنينها يتعلق قلبي به وبها ، اعتدت وجودها وأحببت الايام معها  ...
كنت اسمع أفكارها دائماً ، وهي تفكر في زوجها ، وفي  كيفية مساعدتي قبل رحيلها ، هي لا تعلم أن مجرد وجودها هنا هو المساعدة الأكبر بالنسبة لي ، فقط جعلتني أشعر أنني حي ، ويمكن محبتي مثل أي مخلوق ...

لم تخلو الليالي من حديثنا المستمر ، ولم اخلو من ثرثرتها ، وازعاجها المحبب لقلبي ، فهي ذات فضول كبير لكل شئ ، ولكن هناك الكثير الذي لم اتمكن من شرحهُ لها ، كنت علي وشك الاعتياد علي وجودها ، ونسيان أمر رحيلها ..

ولكن عندما أتمت شهرها الخامس ، و اقترب موعد إنجابها ، حينها ابتعدت عنها علي أمل أن اعتاد حياتي بدونها من جديد ، لكن كيف يحدث هذا مع  إصرارها علي الإقتراب ، والمحاولة معي ، حتي عندما تقمصت الغضب والاستياء منها ، لم تبتعد ، ولم تحزن ، وكأنها قد قرأت ما بداخلي ..

لم اسهو عن أمر صنع القارب لها ، وقمت بتصنيعهُ بنفسي ، وفي اليوم الذي بدءت بصنعه ، بالطبع كانت تلازمني ، وتجلس بالقرب مني في الغابة ، تساعدني بقطفها  للفاكهة واكلها ، وكعادتها في الثرثرة ، واقتراحتها التي تناسبها فقط ، ظلت تتحدث ، وتتحرك بثقل بلا فائدة ، حتي جائت عند كومة ورق الاشجار التي أسقطها لاستخدمها في صنع دواخل القارب ، جلست عليهم ، وهي تقول :
ـ ساساعدك في عد هذه الأوراق

وظلت تلعب بهم مثل الأطفال ، وتضحك إذا تطايرت من حولها ، وتتائب ، حتي غلبها النوم مكانها ، وبدءت في أحلامها الطفولية ، والتي كنت احب كثيراً رؤيتها معها ، تركت الاخشاب ، وجلست بجانبها مغمض العينين أري ما تحلم به تلك الصغيرة ، وكان هذا الحلم سبب في تغير مسار حياتي كلها ... ...

  

العملاق أديل ما _الجزء الأول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن